عارف النايض: القبائل الليبية قادرة على تحريك ملف المصالحة

عارف النايض: القبائل الليبية قادرة على تحريك ملف المصالحة

يؤهل توصل أعيان وشيوخ قبائل من العاصمة الليبية طرابلس ومن مدينة ترهونة إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، انتهت بمقتضاه الاشتباكات الأخيرة بالعاصمة، القبائل الليبية إلى لعب دور ناجع لتوحيد صفوف الفرقاء وتقديم خطوات عملية لعودة الاستقرار إلى البلد المنهك من أثار الحرب والانقسامات السياسية منذ فبراير 2011، أمام فشل الجهود الأممية في تحقيق تسوية تنهي الخلافات، فيما زاد من تعقيد الحل الليبي صراع حول النفوذ في البلد النفطي ظهر للعلن مؤخرا بين فرنسا وإيطاليا، إضافة إلى تواطؤ جماعة الإخوان مع قطر لعرقلة الانتخابات بغاية الاستحواذ على السلطة، وفي حواره مع “العرب” كشف عارف النايض الدبلوماسي السابق ورجل الأعمال الليبي ورئيس مجمع ليبيا للدراسات المتقدمة عن تحرك كبير يقوم به المجلس الاجتماعي لتنظيم أكبر ملتقى للقبائل والمدن الليبية في تاريخ البلاد يهدف إلى تفعيل مصالحة وطنية شاملة، بعد نجاح المجلس مؤخرا في إنجاز مصالحة بين طرابلس وترهونة.

القاهرة- يقود المجلس الاجتماعي لقبيلة ورفلة في مدينة بني وليد الليبية، تحركا هو الأكبر لتنظيم أكبر ملتقى للقبائل والمدن الليبية في تاريخ البلاد، عبر حشد أكبر عدد ممكن من المكونات الاجتماعية من مختلف المدن الليبية، بعد نجاح الوساطة التي قام بها المجلس الاجتماعي في “ورفلة” بين ترهونة وطرابلس مؤخرا.

نجحت جهود المجلس، الذي يترأسه الشيخ عقيلة الجمل ونخبة من مشايخ ورفلة من كافة أقسامها، في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين طرابلس وترهونة قبل أيام، وعلى إثر الاتفاق تم تبادل جثامين القتلى بين الجانبين وتبادل الأسرى.

وكشف عارف النايض رئيس مجمع ليبيا للدراسات المتقدمة، عن تحرك كبير يقوم به المجلس الاجتماعي لتنظيم أكبر ملتقى للقبائل والمدن الليبية في تاريخ البلاد، بعد نجاح المجلس الاجتماعي في إنجاز مصالحة بين طرابلس وترهونة، ما يؤهل مدينة بني وليد لقيادة عملية مصالحة وطنية حقيقية تنهي حالة الصراع والاحتقان في البلاد.

التحركات القبلية
أوضح النايض في حوار لـ“العرب” خلال زيارته للقاهرة أخيرا، التقى فيها اللواء أركان حرب محمد الكشكي مساعد وزير الدفاع للعلاقات الخارجية، أن مدينة بني وليد، التي هوجمت ودمرت وشرد أهلها بشكل كبير خلال أحداث 17 فبراير 2011 قادرة على إنجاز مصالحة بين أبناء الوطن الواحد، معربا عن سعادته في نجاح المجلس القبلي بورفلة في التحرك الأخير لوقف نزيف الدماء في طرابلس.

كانت بلدة بني وليد التي يقطنها نحو 100 ألف نسمة والواقعة على بعد حوالي 170 كيلومترا جنوبي العاصمة طرابلس، واحدة من أواخر البلدات التي دخلتها المجموعات المسلحة عام 2011، وينتمي جل أهاليها إلى قبيلة ورفلة التي تعد الأكبر والأكثر انتشارا في ليبيا وكان معظم سكانها موالين للعقيد الراحل معمر القذافي.

وأشار النايض إلى أن التحركات الأخيرة التي جرت للصلح بين ترهونة وطرابلس ووقف الاقتتال، جاءت بعد تحرك أحد أعيان ورفلة، وهو الشيخ محمد البرغوثي مع الشيخ عقيلة الجمل رئيس المجلس الاجتماعي لقبائل ورفلة وعدد من زملائه شيوخ المجلس، بالتعاون مع أعيان ترهونة وطرابلس، وتمكنوا من تفعيل آلية المصالحة الليبية. وأضاف “مشائخ ليبيا قادرون على إنجاز المصالحة الوطنية، لكنهم يحتاجون إلى بعض الترتيبات اللوجستية وتهيئة أدوات التواصل مع المجتمع الدولي والأمم المتحدة”، لافتا إلى أن “مجمع ليبيا للدراسات المتقدمة يحاول أن يوفر للمشايخ الدعم اللوجستي وتيسير التواصل داخليا وخارجيا”.

وزادت وتيرة التحركات القبلية الفترة الماضية لوضع حد للأزمة الليبية، التي أدخلتها بعثة الأمم المتحدة في نفق مظلم بسبب إصرارها على عقد ملتقى وطني جامع لا تتوافر له مقومات مجتمعية وسياسية حقيقية، ويحاول التيار الإسلامي اختطاف المؤتمر الجامع لتحقيق مصالحه الضيقة.

وحول التحرك الأخير لقوات الجيش الوطني الليبي جنوب البلاد، وصف رئيس مجمع ليبيا للدراسات المتقدمة، الخطوة بـ“المهمة والوطنية”، مؤكدا أن “مدن الجنوب دخلتها عناصر أجنبية من المعارضة التشادية التي تتخذ من الدوحة مقرا لها، وتتلقى دعما ماليا وسياسيا من قطر للتغلغل فيها بشكل أكبر”.

واتهم النايض الدوحة بـ”إفساد ذات البين بين القبائل الليبية بالأموال الهائلة التي أنفقتها، وتمكنت من تمزيق النسيج الاجتماعي الليبي في الجنوب، ما جعله لقمة سائغة لمهربي المخدرات والبشر والسلاح”.

وشرح أن “نجاحات الجيش الوطني الليبي في استهداف أكبر عناصر القاعدة وداعش في جنوب البلاد، هي بداية للقضاء على الإرهاب الذي استغل الانقسام في الجنوب وتمكن من السيطرة والهيمنة على المنطقة”. وأشار النايض إلى “ترحيب النسيج الاجتماعي بدخول القوات المسلحة لتحرير البلاد من قبضة الإرهابيين، عبر بيانات الدعم الصادرة عن قبائل الجنوب، وهو ما يتطلب توثيق التشاور بين الجيش والمكونات الاجتماعية خلال الفترة المقبلة”، كاشفا عن “تحرك يقوم به مجمع ليبيا للدراسات المتقدمة في الترتيب لتلك اللقاءات”.

تقييم المجلس الرئاسي
عن تقييمه لأداء المجلس الرئاسى الليبي وحكومة الوفاق بقيادة فائز السراج، يرى النايض أن “أكبر إشكالية تسببت الأمم المتحدة فيها هي التعاطي بشكل متناقض مع القوى السياسية، ما أدى إلى ترسيخ الانقسام، من خلال الاعتراف بمجلس النواب الليبي من ناحية، والاعتراف بحكومة الوفاق التي لم تحظ بثقة مجلس النواب من ناحية أخرى، وهذا التناقض أساس الانقسام في ليبيا”.

ولفت إلى أن عملية إنهاء الانقسام تتطلب “سحب الأمم المتحدة اعترافها بالمجلس الرئاسي وحكومته، لأنه ليست لوجودهما مسوغات قانونية، فالمجلس الرئاسي جسم اعتباري لا يوجد إلا مكتملا، فهو مكون من 9 أعضاء ولا يحق للسراج أو غيره الاستحواذ على شيء من المجلس التساعي”.

وأوضح النايض أن المجلس الرئاسي “انتهى باستقالة عدد من أعضائه كموسى الكوني ومقاطعة عمر الأسود وعلي القطراني وفتحى المجبري، فضلا عن البيان الثلاثي الصادر عن أحمد معيتيق وعبدالسلام كجمان وفتحي المجبري، ويؤكد عدم اعترافهم بأي قرارات منفردة لرئيس المجلس الرئاسي فائز السراج”. وتساءل النايض “كيف يكمن لغسان سلامة المبعوث الأممي إلى ليبيا الاعتراف بما ليس موجودا، وبحكم الأمر الواقع السراج انتهى بعد البيان الصادر عن المجموعات المسلحة المسيطرة على طرابلس، وأن ولاءها للمجلس الرئاسي مكتمل”.

وتابع “من تمتلك خزينة ليبيا، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسيطرة على مصرف ليبيا المركزي، لن تقبل بإجراء الانتخابات في الأراضي الليبية”، ويعتقد أن “التأخير في إجراء الاستحقاقات الانتخابية يخدم الجماعات المؤدلجة التي اخترقت الكثير من المؤسسات، ومنها بعض المؤسسات التي تستعين بها الأمم المتحدة لإقامة الملتقيات”. وأردف بقوله “لماذا تستعين البعثة بجمعيات مشبوهة وتتلقى تمويلات مشبوهة.. نتمنى من البعثة الأممية في ليبيا أن تكون داعمة حقا للشعب الليبي”.

وبشأن إحاطة غسان سلامة الأخيرة (18 يناير) أمام مجلس الأمن حول العملية السياسية في البلاد، بين النايض أن “الشعب الليبي يأمل بأن تلتزم البعثة الأممية في ليبيا بالرؤية والوعود التي قطعتها لحل الأزمة في البلاد، لأن سلامة وعد بالعمل على تفعيل خطة لمدة عام تتطلع إلى إجراء الانتخابات في البلاد مع نهاية ديسمبر 2018، وهو ما لم يتحقق”.

منافسة دولية حول ليبيا

حول الصراع الفرنسي- الإيطالي في ليبيا، أكد القيادي الليبي أن الصراعات الأوروبية هي انعكاس لصراعات وانقسامات حزبية داخل أوروبا، فالتيار الحاكم في روما أقرب إلى تيار زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبان التي تعمل ضد ماكرون، متمنيا “ألا ينعكس الصراع بشكل سلبي على الوضع في ليبيا، والذي لا تنقصه صراعات أخرى، ولا ترغب البلاد في استيراد نزاعات جديدة، ويكفيها الصراع الراهن”.

وبخصوص التحرك الذي يجري في تركيا لتشكيل كيان جديد بالتحالف مع بعض الشخصيات المحسوبة على بعض أنصار القذافي، أكد النايض أن الجماعات الإرهابية بدأت تغير من مسمياتها عشرات المرات، عقب تصنيف الولايات المتحدة لجماعات الإرهاب على أساس المسميات، ما دفع تنظيم القاعدة إلى اعتماد عدة مسميات له، منها تنظيم جبهة النصرة والجماعة الليبية المقاتلة.

وشدد القيادي الليبي عارف النايض في ختام حواره مع “العرب” على أن “الأسماء الجديدة التي تقترحها جماعة الإخوان والجماعة الليبية المقاتلة لا تسقط صفة الإرهاب، فهما تتخذان من كتاب ‘معالم في الطريق’ للإخواني المصري سيد قطب، منهاجا ولن تغيراه، ولا سبيل للتفاهم السياسي مع مثل هذه الجماعات.” ومضى بقوله “هي مجرد مغالطة وما يقوم به الإخواني علي الصلابي من تحركات هو لخداع الشعب الليبي”.

ولعب مجمع ليبيا للدراسات المتقدمة الذي يرأسه عارف النايض دورا في جهود إنجاز المصالحة بين الليبيين، وقام بإعداد ورش عمل مشتركة مع منظمات لها باع طويل في حل النزاعات المسلحة بين أفراد المجتمع الواحد لبلورة آلية عمل لإحلال السلم في ظل الصراعات المسلحة بين المدن والقبائل.

العرب