إيران تعمل على تعويض وجودها العسكري المرفوض في سوريا اقتصاديا

إيران تعمل على تعويض وجودها العسكري المرفوض في سوريا اقتصاديا

تسعى إيران إلى ضمان نفوذ دائم لها في سوريا، عبر إبرام اتفاقيات اقتصادية وثقافية استراتيجية مع دمشق في ظل ضغوط متصاعدة لسحب قواتها والميليشيات الموالية لها من هذا البلد.

وشكل ضمان تعاون اقتصادي طويل الأمد مع سوريا أحد الأسباب الرئيسية التي قادت نائب الرئيس الإيراني إسحاق جهانغيري الاثنين إلى العاصمة دمشق والتي استمرت يومين، وتوجت هذه الزيارة بتوقيع حزمة من الاتفاقيات وصفتها الحكومة السورية بـ“التاريخية”.

وأكد الرئيس السوري بشار الأسد خلال اجتماعه الثلاثاء، مع جهانغيري أن الاتفاقيات والمشاريع الاقتصادية التي تم التوصل إليها بين بلاده وإيران تحمل بعدا استراتيجيا وتسهم في تعزيز ما اعتبره “صمود سوريا وإيران في وجه الحرب الاقتصادية التي تشنها عليهما بعض الدول الغربية”، في إشارة إلى العقوبات الأميركية والأوروبية على دمشق وطهران.

وتفرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منذ بدء النزاع عقوبات اقتصادية صارمة على دمشق شملت أفرادا وكيانات، ما يعني تجميد أصولهم وعزلهم ماليا.

وصوت مجلس الشيوخ الأميركي مساء الاثنين، لصالح مشروع قانون خاص بالشرق الأوسط، من شأنه فرض عقوبات جديدة على النظام السوري.

وتخضع إيران بدورها لعقوبات اقتصادية أميركية بهدف ممارسة ضغط اقتصادي عليها بعد انسحاب واشنطن من طرف واحد من الاتفاق التاريخي حول الملف النووي الإيراني الموقع في العام 2015، والذي كانت أحد دوافع هذا الانسحاب هو الرد على سياسات طهران التوسعية في المنطقة وخاصة في سوريا.

وبحسب صفحات تابعة لرئاسة الجمهورية السورية على مواقع التواصل الاجتماعي أكد الأسد “على أهمية تكثيف الجهود المشتركة في هذه المرحلة لتفويت الفرصة على هذه الدول التي تستمر بمحاولة إضعاف البلدين والسيطرة على قرارهما المستقل وكسر إرادة شعبيهما بعد أن فشلت في تحقيق ذلك عبر دعمها للإرهاب”.

من جانبه أشار جهانغيري إلى أن زيارة الوفد الإيراني وعقد اجتماعات اللجنة المشتركة في هذا الوقت تحمل في طياتها رسالة للشعب السوري وللمجتمع الدولي بأن “إيران التي وقفت إلى جانب سوريا في حربها ضد الإرهاب ستكون معها أيضا في مرحلة إعادة الإعمار”. بمعنى آخر، وفق تعبير أحد السياسيين، فإن طهران تريد ثمنا لمغامرتها في سوريا.

وافتتح صباح الثلاثاء ملتقى الأعمال السوري الإيراني بحضور النائب الأول للرئيس الإيراني ورئيس مجلس الوزراء السوري المهندس عماد خميس وبمشاركة واسعة من رجال الأعمال وممثلي الشركات من البلدين .

وتعتبر إيران طرفا رئيسيا في الأزمة السورية حيث تشارك بقوات من الحرس الثوري الإيراني والعشرات من الميلشيات في القتال إلى جانب الجيش السوري منذ تفجر الصراع المسلح في هذا البلد في العام 2012.

وترنو إيران إلى تكريس موطئ قدم ثابت لها في سوريا بما يفتح لها الباب أمام الحصول على منفذ على البحر الأبيض المتوسط، والأهم هو تكريس نفسها كقوة إقليمية، وقد شكلت نوازع إيران التوسعية أحد الأسباب الرئيسية في تعثر التوصل إلى تسوية سياسية في سوريا.

ويرى متابعون أن الضغوط المتصاعدة على طهران وأيضا على الحكومة السورية تدفعها للبحث عن سبل أخرى لتكريس نفوذها في هذا البلد، وتفادي خسارة ما حققته عسكريا، وتشكل إعادة الإعمار بوابة مهمة، لتعويض خسائرها.

وتدرك إيران أنه من الصعب جدا أن تبني أرضية عسكرية صلبة في سوريا، حيث إن لا إسرائيل أو القوى الغربية تقبل ذلك، كما أن روسيا التي تعد في ذات الحلف معها في هذا البلد، بالتأكيد لن تسمح هي الأخرى بمن يزاحمها على النفوذ في سوريا وتكرار الخطأ الأميركي القاتل في العراق.

وقال قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق أمير إيشل، الاثنين، إنه على الرغم من القوة العسكرية “العظيمة” لإسرائيل، “فإنها ليست قادرة على إخراج الإيرانيين من سوريا”.

ونقلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن إيشل قوله “لا توجد قوة عسكرية قادرة على إخراجهم من سوريا. روسيا الوحيدة القادرة على إخراج إيران من هذا البلد”.

ويقول مراقبون إن موسكو تحاول حلحلة الوجود الإيراني بسلاسة، لأنها لا تريد خسارة طهران وفي الآن ذاته لا تريد استمرار وجودها العسكري في سوريا، وربما تقديم إغراءات اقتصادية هو الخيار الأسلم، وهذا أيضا يرفع الحرج عن دمشق الممزقة بين إرضاء حليف دعمها منذ البداية وبين المجتمع الدولي الذي يضع فيتو على العلاقة مع هذا الحليف (أي طهران) في حال استمر وجوده العسكري هناك.

ووقعت دمشق وطهران مساء الاثنين في العاصمة السورية على اتفاق للتعاون الاقتصادي “طويل الأمد” شمل عدة قطاعات أبرزها النفط والطاقة الكهربائية والزراعة والقطاع المصرفي.

ووصف رئيس الوزراء السوري عماد خميس الاتفاق عقب التوقيع على أنها “مرحلة تاريخية حقيقية لتعاون مشترك نوعي جديد متطور عما كان سابقا، وهو اتفاقية التعاون الاقتصادي الطويل الأمد”.

واعتبر خميس الاتفاق “رسالة إلى العالم عن حقيقة التعاون السوري والإيراني في المجال الاقتصادي”، وأكد على أن المشاريع التي يتضمنها الاتفاق “دلالة على أن سوريا جادة وبشكل كبير لتقديم التسهيلات الكثيرة والكثيرة جدا للأصدقاء في الشركات الإيرانية على الصعيد الخاص والعام للاستثمار في سوريا ولإعادة الإعمار بشكل حقيقي وفعلي” مشيرا إلى “تسهيلات تشريعية وإجراءات إدارية وأيضا في العملية التنفيذية”.

وذكرت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) أن البلدين وقعا 11 اتفاقية ومذكرة تفاهم “لتعزيز التعاون بين البلدين في المجال الاقتصادي والعلمي والثقافي والبنى التحتية والخدمات والاستثمار والإسكان”.

وبيّن خميس أن الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإيراني، تشمل قطاعات المرافئ والكهرباء والنفط والزراعة والبناء والإسكان. بحسب (سانا) التي لم تشر إلى ما إذا كان كلام خميس يعني الاتفاقيات السابقة أو الحالية مع إيران، لأن ما نشرته الوكالة عن طبيعة الاتفاقيات الجديدة بينها وبين نظام الأسد، الاثنين، لم يشر إلى ما تحدث عنه خميس خاصة في قطاع المرافئ.

وكانت إيران قد وقعت اتفاقيات اقتصادية سابقا مع النظام السوري، في يناير عام 2017، تضمنت منح طهران مساحات من الأراضي السورية، يُخصص جزء منها لإنشاء ميناء بحري تستثمره طهران على البحر المتوسط.

وأثار منح إيران ميناء بحريا على البحر المتوسط ضجة في إسرائيل التي توعدت حكومتها بعدم السماح بذلك.

وسيحظى حضور الشركات الإيرانية من القطاع الخاص في سوريا وتعاونها مع الشركات السورية من القطاع الخاص في مجالات الصناعة والتجارة وباقي المجالات ذات الاهتمام المشترك “بدعم من الحكومتين”، بحسب المسؤول الإيراني. كما تم الاتفاق على تأسيس غرفة تجارية مشتركة بين البلدين وفتح معرض دائم للسلع الإيرانية. وعبر جهانغيري عن أمله في أن “تصل العلاقات الاقتصادية بين البلدين بسرعة الى مستوى العلاقات السياسية التي تربط الجانبين”.

ومنحت شركات حكومية سورية الشركات الإيرانية حصرية التقديم على مناقصات.

ووقع البلدان في أغسطس 2018 اتفاقية تعاون عسكرية تنص على تقديم طهران الدعم لإعادة بناء الجيش السوري والصناعات الدفاعية وذلك خلال زيارة أجراها وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي إلى سوريا.

العرب