بات من المؤكد ألا تضم الحكومة الفلسطينية المقرر تشكيلها قريبا، ويجرى التشاور بشأنها، جميع فصائل منظمة التحرير في ظل تصاعد الخلافات الداخلية، ما يلقي بالمزيد من التعقيدات على المشهد الفلسطيني العام، ويدفع مجددا نحو تكريس واقع إدارتين فلسطينيتين متصارعتين، الأولى في الضفة الغربية، وتقودها فتح، والثانية في قطاع غزة، المثقل بالأزمات، وتقودها حركة حماس.
ويشير الكاتب الفلسطيني عدلي صادق، في تصريح لـ“العرب”، إلى أن اقتراح الرئيس عباس جاء بمثابة اختبار عسير للفصائل التي عُرضت عليها المشاركة. فمن جهة، كان الفصيلان الرئيسيّان الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية، قد قطعا شوطا طويلا في نقد سياسات رئيس السلطة، بينما اتخذ الأخير من جهة أخرى إجراءات عقابية إقصائية بحقهما من بينها وقف المخصصات المالية المقررة لهما. هنا يكمن الاختبار العسير في وقوع أهم فصيلين من فصائل المنظمة بعد حركة فتح، في مأزق الاختيار بين غواية الحكم وخطر شطب ما تبقى لهما من مصداقية.
ويضيف صادق أنه منذ الإعلان عن فكرة تشكيل حكومة فصائلية توقع الكثير من الفلسطينيين أن تتجاوب الفصائل الصغيرة، كالعادة، دون أيّ اشتراطات. فهي تنطلق من اقتناع بأن رئيس السلطة لن تجدي معه المقاطعة وليست هناك آليات لرده عن أيّ وجهة.
أما بخصوص الجبهتان الشعبية والديمقراطية فيرى عدلي صادق أن الاحتمالات الواردة تتركز على استغلالهما عرض المشاركة في الحكومة للمطالبة قبلاً بإعادة المخصصات المالية ورفع العقوبات وإذا حدث ذلك فلن يكون الموقف الفصائلي وموقف الجبهتين محموديْن لدى الرأي العام الفلسطيني لأن أصل المشكلة والخلاف يتعلق بمنهجية عمل السلطة وحكومتها وبالموقف من الإطاحة بالقانون والإقصاء والتلاعب بموضوع المصالحة لإنهاء الانقسام والتنسيق الأمني مع الاحتلال.
ويوضح أنه عندما تشارك الفصائل في حكومة غير دستورية تحت عنوان أنها فصائل لمنظمة التحرير، فإن هكذا خطوة ستصبح في نظر الكثير من الفلسطينيين إسهاما من الفصائل في تحييد المؤسسات الدستورية للسلطة وتجاوز الإرادة الشعبية لصالح الإطار الفضفاض وغير المفعّل الذي تمثله منظمة التحرير والذي لا يمارس فيه أي شكل من أشكال العمل الديمقراطي في حال انعقاد مجلسه العام، ولا تنفذ قراراته.
جدل حول الحكومة
أعلنت الرئاسة الفلسطينية، مساء الثلاثاء، أن الرئيس محمود عباس وافق على استقالة حكومة الوفاق الحالية وكلفها بتسيير الأعمال حتى تشكيل الحكومة الجديدة. وذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية أن عباس تسلم قرار الحكومة القاضي بوضع استقالتها تحت تصرفه، وسيبدأ المشاورات لتشكيل حكومة سياسية من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية بهدف الإعداد لانتخابات تشريعية جديدة.
وأعلن أمين عام جبهة التحرير الفلسطينية واصل أبويوسف عن مشاركة الجبهة في الحكومة الجديدة القادمة “لمواجهة كل التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية”.
وقال أبويوسف، للإذاعة الفلسطينية الرسمية، إن “الانغلاق في ملف المصالحة والانسداد في الأفق السياسي يحتمان علينا الذهاب لحكومة تجمع فصائل المنظمة وشخصيات مستقلة مهمتها التمهيد للانتخابات التشريعية القادمة”.
وفي السياق ذاته أعلن عضو المكتب السياسي لجبهة النضال الشعبي فضل طهبوب، مشاركة الجبهة في الحكومة الجديدة “امتثالا لقرار منظمة التحرير باعتبارها المؤسسة التي تحافظ على القرار الفلسطيني الموحد”. وقال طهبوب، للإذاعة الفلسطينية الرسمية، إن الحوار القائم مع كل الفصائل يقوم على تشكيل حكومة جديدة متوافق عليها تعمل على إجراء انتخابات قادمة.
في المقابل، أعلنت الجبهتان الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين مقاطعتهما للحكومة الجديدة. وصرح عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية عمر شحادة لوكالة الأنباء الألمانية بأن الجبهة “لن تشارك في الحكومة الجديدة وتعتبرها تكريسا للانقسام الداخلي” المستمر منذ منتصف عام 2007، مذكرا بأن الجبهة الشعبية تطالب بحكومة وحدة وطنية شاملة لجميع الفصائل استعدادا للذهاب إلى انتخابات شاملة وفق مبدأ التمثيل الكامل.
حركة حماس تدرس جديا مسألة إعادة تشكيل لجنتها الإدارية للإشراف على العمل الحكومي في غزة فور إعلان فتح عن الحكومة الجديدة دون توافق عليها
كما أعلن عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية رمزي رباح، رفض الجبهة المشاركة في الحكومة الجديدة “باعتبارها حكومة فئوية تقتصر على بعض الفصائل فقط”، مشيرا إلى أن الجبهة الديمقراطية تطالب بتنفيذ قرارات المجلس الوطني الفلسطيني بالذهاب إلى انتخابات شاملة والإعداد لها عبر حكومة وحدة وطنية شاملة لإنهاء الانقسام الداخلي.
وكان بيان صدر عن اللجنة المركزية لفتح عقب اجتماعها برئاسة عباس في رام الله قبل أيام أعلن أنها أوصت بتشكيل حكومة “فصائلية سياسية” من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وشخصيات مستقلة. وأضاف البيان أن اللجنة المركزية قررت تشكيل لجنة من أعضائها لبدء الحوار والمشاورات مع فصائل منظمة التحرير بشأن تشكيل الحكومة الجديدة.
وصرح عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الأحمد في رام الله، بأن فتح ستشارك بقوة في الحكومة الجديدة بما يتلاءم مع الدور الذي تقوم به في إدارة الوضع الفلسطيني. وقال الأحمد إن فتح تعرض على كل من ينتمي إلى فصائل منظمة التحرير ويرغب في المشاركة، أن يشارك في الحكومة الجديدة وأن يكون شريكا، لكنها “لن تركض خلف أحد” من أجل المشاركة.
وأضاف أن هدف تشكيل الحكومة الجديدة “إنهاء ما كان بيننا وبين حماس التي حولت حكومة الوفاق إلى جزء من مشكلة الانقسام وفي ظل انسداد كامل الجهود المصرية لتحقيق المصالحة الفلسطينية”.
ضغط الشارع
ينبه المحلل السياسي الفلسطيني باسل الترجمان، في تصريح لـ”العرب”، أن حكومة رامي حمد الله سقطت بسبب ضغط الشارع الرافض لقانون الضمان الاجتماعي الذي اعتبره كثير من الناس مجحف، مشيرا إلى أن هناك إشكالات حقيقية للواقع الفلسطيني الأساس الأول منها هو ليس سياسي بل هو أساس اجتماعي فهذه الحكومة سقطت على خلفية فشلها في تمرير القانون.. ولعدم وجود غطاء سياسي لتمريره.
ويضيف أن الخلاف السياسي بين حركة فتح والفصائل يزيد من إضعاف حضور كل الأحزاب والفصائل الفلسطينية في الشارع الفلسطيني، ما يعني أن الفصائل لم يعد لها دور وتجاوزها الزمن وكل قياداتها، خاصة في اليسار الفلسطيني، بعيدة تماما عن نبض الشارع والواقع السياسي.
ويؤكد ترجمان أن حماس ترفض أي تنازل هي من دعت حكومة رامي الحمد الله إلى استلام الوزارات في غزة ثم انقلبت عليها وبالتالي اليوم الوضع الفلسطيني وضع معقد وهذا الوضع لا يمكن أن يستمر إلى مالا نهاية. لذلك كان لا بد لحكومة جديدة. لكن يجب أن تكون حكومة كفاءات لأن الفصائلية السياسية فشلت.
وكانت حركة حماس قالت إن أي حكومة فلسطينية تشكلها حركة فتح دون توافق “لن تحظى بأي شرعية”. وصرح القيادي في حماس سامي أبوزهري، في بيان صحافي، بأن “تشكيل أي حكومة بعيدا عن التوافق الوطني هو استمرار لحالة العبث والتفرد الذي تمارسه فتح ومثل هذه الحكومة لن تحظى بأي شرعية”.
الواقع الفلسطيني معقد
الواقع المعقد
ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن مصادر في حماس أن الحركة تدرس جديا مسألة إعادة تشكيل لجنتها الإدارية للإشراف على العمل الحكومي في غزة فور إعلان فتح عن الحكومة الجديدة دون توافق عليها.
من جهته، يقول المحلل السياسي الفلسطيني محمد دراغمة إن الحكومة الجديدة ستكون حكومة حركة فتح بالدرجة الأولى مع مشاركة لشخصيات مستقلة وفصائل حليفة لها في منظمة التحرير، مشيرا إلى وجود مطالبات واسعة من فصائل منظمة التحرير بتشكيل حكومة وحدة وطنية تشمل جميع الفصائل بما فيها حماس والجهاد الإسلامي من أجل إنهاء الانقسام والذهاب إلى انتخابات عامة.
واعتبر أن ما يجري “هو إعادة لبناء النظام السياسي الفلسطيني بقيادة فتح وقطع كبير للعلاقة مع حماس في ظل وصول ملف المصالحة إلى طريق مسدود”.
وبحسب دراغمة، فإن “تشكيل الحكومة الجديدة بالصورة المتوقعة وفي ظل تصاعد الخلافات الداخلية يهدد بالعودة إلى واقع إدارتين فلسطينيتين إحداهما في الضفة الغربية تحت سيطرة فتح والأخرى في قطاع غزة بقيادة حماس وبالتالي تعميق الانقسام الداخلي”.
وكان عباس أعلن في 22 ديسمبر 2018 أن المحكمة الدستورية الفلسطينية قررت حل المجلس التشريعي الذي تسيطر حركة حماس على غالبية مقاعده وإجراء انتخابات تشريعية خلال ستة أشهر.
وتشكلت حكومة الوفاق الحالية من شخصيات مستقلة في منتصف عام 2014 بموجب تفاهمات للمصالحة الفلسطينية بين منظمة التحرير وحركة حماس. إلا أن استمرار الخلافات بين حركتي فتح وحماس حال دون استلام حكومة الوفاق إدارة قطاع غزة وسط تبادل للاتهامات بين الحركتين بشأن المسؤولية عن ذلك.
ويشير ترجمان إلى أن الواقع السياسي في فلسطين يجب أن يسير باتجاه إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وكل من يحاول تعطيل هذه الانتخابات هم الناس التي تعي تماما أن مستقبلها في الساحة السياسية خلفها وليس أمامها، موضحا أن هناك فصائل فلسطينية لم تعقد مؤتمرا أو اجتماعا أو انتخابات لقياداتها منذ سنين. وبالتالي الواقع الفلسطيني معقد جدا لكن من المهم هذا الحراك لأنه سيعطي أمل في الشارع الفلسطيني بأن حالة الجمود المستمرة منذ عام 2007 ستزول.
العرب