من بيئته الغربية التي شنت حربا شعواء على الدين بمفهومه الكنسي لتعارضه مع العلم بمنهجه التجريبي، وبعد عقود زمنية وهو يحاول فهم الكيفية التي يعمل بها العقل البشري، يتساءل أستاذ علم النفس بجامعة نورث إيسترن بمدينة بوسطن الأميركية الدكتور ديفد دي ستينو في مقال له: ما الذي يمكن للعلم أن يتعلمه من الدين؟
ويقول إن النزعة العدائية تجاه التعاليم الدينية قد تعيق البحث التجريبي، مضيفا أن العلم والدين أصبحا مادتين لتبادل الاتهامات، على الأقل بين غلاة المتشددين المدافعين عن كل طرف.
ويتابع أنه بينما ترمي العقائد الأصولية العلم بالتضليل وأنه مصدر خبيث للمعلومات، يجادل العلماء بأن الدين ليس معتقدا خاطئا أو لا معنى له فحسب، بل هو خطير أيضا.
ويؤكد الكاتب أنه لا يدافع في مقاله عن الدين، لكنه يعتقد كعالم نفسي أن النهج العلمي يوفر أفضل الأدوات اللازمة لفك طلاسم الطبيعة البشرية.
أفكار وبحث
ويضيف دي ستينو أنه بعد استغراقه لعقود من الزمن محاولا فهم الكيفية التي يعمل بها العقل البشري، بدأ القلق يساوره من أن الفجوة بين أهل العلم والدين قد تذكي العداء بينهما بلا داعٍ، وربما تؤدي إلى إبطاء عملية الاكتشافات العلمية نفسها.
ويتابع أن التعاليم الدينية توفر مخزونا غنيا من الأفكار عن بني البشر: من هم؟ وكيف يتسنى لهم تلبية احتياجاتهم الأخلاقية والاجتماعية الأشد إلحاحا؟
ويستطرد أن البشر ظلوا لآلاف السنين يلتمسون من الزعماء الروحيين والجماعات الدينية الهداية والتوجيه بشأن كيفية التصرف والتعايش مع الآخرين، وكيفية العيش حياة هادفة ومجدية، وما السبيل إلى تحقيق ذلك في ظل العقبات الكثيرة.
ويرى دي ستينو أنه من التعالي بمكان الادعاءُ بأن رجال الفكر الديني الذين ظلوا لقرون ضد إعمال العقل، لم يكتشفوا شيئا أبدا يثير اهتمام العلماء الذين يدرسون السلوك البشري.
ويقول إن الأفكار لا تتصف دوما بالحكمة لمجرد قدمها، لكنها لا تعني أنها تافهة كذلك، كما يعتقد كاتب المقال الذي يردف قائلا إن الطريقة الوحيدة لتحديد ذلك هي بإخضاع تلك الأفكار للبحث التجريبي.
ويوضح أن البحوث التجريبية التي ظل يجريها أثبتت له أن الأفكار الدينية حول السلوك البشري وكيفية التأثير فيه، يتم في بعض الأحيان إثباتها باختبارات علمية.
تقنيات روحية
ويقر العالم النفساني بأن لكل ديانة أدواتها للتحقق من صحة تلك الأفكار، فمثلا استحدثت البوذية التأمل وسيلة لتخفيف معاناة البشر وتعزيز سلوكهم الأخلاقي.
ويتابع أن البحوث التي أجراها هو وغيره من العلماء في المختبرات تؤكد قدرة تلك الوسيلة على تحقيق ذلك حتى عندما يُدرس التأمل ويُؤدى في سياق علماني بحت.
ويضيف أن هناك أداة دينية أخرى تتمثل في الطقوس التي غالبا ما تتميز بالقيام بأفعال متكررة وصارمة أو مشاركة آخرين في أداء أغنية أو حركات متزامنة.
كما تظهر الدراسات أن ممارسة الشعائر -حتى لو جُرِّدت من سياقها الديني- لها تأثير على العقل يتراوح ما بين ضبط النفس بشكل أكبر إلى تقوية مشاعر الانتماء والتعاطف.
ويمضي دي ستينو إلى أن الشعائر الدينية يمكن أن تلعب دورا في تمتين المعتقدات. وخلص إلى أن النتائج التي توصل إليها العلماء تشي بأن الأديان تتيح من الوسائل -أو ما سماها هو بالتقنيات الروحية- ما يعين الناس على تحمل المصاعب، أو يساعدهم على تغيير آرائهم أو تحويلها إلى أفعال.
المصدر : نيويورك تايمز,الجزيرة