هو عنوان كتاب ساخر لرسام الكاريكاتير والمخرج السينمائى السورى الأب والفرنسى الأم رياض سطوف (قرأت الترجمة الألمانية للكتاب)، وبه يروى رسام مجلة «شارلى ابدو» ذكرياته عن سنوات حياته الأولى التى أمضاها مع والديه بين ليبيا وسوريا فى نهاية سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن العشرين، وبه يمزج سطوف بين استخدام الكاريكاتير وبين توظيف الكتابة الساخرة لتقديم نقد لاذع للأوضاع المجتمعية والسياسية فى البلدين العربيين ــ وكان الطفل رياض سطوف وأمه قد ذهبا مع أبيه الحاصل على إجازة الدكتوراه من فرنسا إلى ليببا لتدريس التاريخ فى جامعة هناك ثم رافقاه إلى سوريا حين التحق كمدرس بجامعة فى دمشق.
بعيون الطفل الغريب، وبالتأكيد بعيون ووعى وخبرات وتفضيلات الرجل الذى صار إليه عندما أنجز كتابه بعد أن حركت ثورات وانتفاضات 2010 و2011 الكثير من مياه الاستبداد والفساد والتخلف الراكدة فى بلاد العرب، ينقل «عربى المستقبل» المشاهد الصادمة لجمهوريات الخوف التى أسسها المستبدون العرب وحمتها بعنف وقمع ومظالم وانتهاكات ومغامرات إقليمية متكررة أجهزة أمنية لم تترك مجالا فى حياة المواطن والمجتمع والدولة إلا وسعت للسيطرة عليه.
ينقل الكتاب، ثانيا، المظاهر الكوميدية لحكم الفرد فى ليبيا وسوريا سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، من صور العقيد معمر القذافى «الأكبر من الحياة» إلى ملصقات حافظ الأسد (بزيه العسكرى وبنظارة الشمس وبدون زيه العسكرى وبدون نظارة الشمس) التى لا تترك جدارا فى سوريا «إلا وزينته»، وبينهما «المارشات العسكرية والأغانى الوطنية» التى تتوعد الأعداء والمتآمرين ونشرات «الأخبار التليفزيونية» وبها تشغل المساحة الزمنية الأكبر أنشطة «الأخ القائد» و«الأخ الرئيس» من إمامة صلاة الجماعة إلى إلقاء الخطب الجماهيرية (القذافى) واستقبال مسئولى «الدول الصديقة» (الأسد).
ينقل الكتاب، ثالثا، الحقائق المؤلمة لامتهان كرامة الإنسان بسبب تدهور المرافق العامة (مياه الشرب غير الصالحة وشبكات الصرف الصحى المنهارة) وتدنى مستويات الخدمات الأساسية خاصة التعليم (المدرسة الحكومية فى قرية الأب بالقرب من مدينة حمص السورية) والرعاية الصحية (الاحتياج لعملة أجنبية أو لنفوذ المسئولين للحصول على الدواء) وشيوع الفساد وسوء استغلال المنصب العام (من مدير برنامج اللغة الفرنسية فى الإذاعة الليبية الذى يساوم «أبورياض» على زوجته الفرنسية لكى يمكنها من العمل إلى بعض أفراد الأمن فى مطار دمشق الذين يرتشون علنا ودون الرشوة لا يسمحون للأسرة السورية ــ الفرنسية بالدخول للوطن «آمنين»).
ينقل «عربى المستقبل»، رابعا، بسخرية لاذعة ظواهر الرياء (ادعاء الالتزام الدينى والابتعاد الحاد عنه فى المعاملات الشخصية والأسرية) والنفاق (التودد للمسئولين وأبنائهم أو من يظن أنهم من المسئولين) وكراهية الآخر (العرب للأفارقة فى ليبيا، والسنة للعلويين والشيعة والمسيحيين فى سوريا وفى جميع الاتجاهات العكسية، والعرب للأكراد ومن الأكراد للعرب فى سوريا أيضا) والعنف ضد الآخر وضد الضعفاء والمخلوقات المستضعفة (تعذيب الإنسان والحيوان) والاحتفاء بالجهل وبأنصاف الحقائق واللامعلومات وإهدار العقل والعلم (أكاديميون لا يتحرون الدقة والمنهجية فى مهامهم التعليمية، وإعلاميون يروجون للزيف إلى حد العبث واللامعقول) على نحو يسهل كثيرا على الحاكم المستبد مهمة إخضاع الشعب ويصنع مجتمعا متخلفا وخائفا ومنسحبا إزاء الحكم وعنيفا وانتقاميا ودمويا بين قطاعاته ومجموعاته المختلفة.
قرأت «عربى المستقبل» مستمتعا بسخريته اللاذعة، ومتألما من سطوة الرياء والنفاق وكراهية الآخر والعنف والجهل إلى اليوم فى أغلبية بلاد العرب وليس فقط فى ليبيا وسوريا. منذ سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين لم تتبدل أوضاعنا، ولم تتراجع حقائق الاستبداد والتخلف والخوف، فقط طلبت بعض الشعوب العربية الديمقراطية والتقدم والحرية وقمعها تحالف المستبدين العرب وثوراتهم المضادة ــ وربما نجت تونس!
عمرو حمزاوي
صحيفة الشروق المصرية