“السلطان” أردوغان يغادر الشعبوية ويبدأ بتقديم التنازلات

“السلطان” أردوغان يغادر الشعبوية ويبدأ بتقديم التنازلات

أنقرة – لا يكفّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن إطلاق الشعارات القوية بشأن عزمه إقامة منطقة آمنة شرق الفرات، ولو أدى الأمر إلى تحدي الوجود الأميركي. لكن من وراء كمّ الشعارات تظهر مواقف أنقرة سلسلة من التراجعات، أهمها التسليم بالطوق الروسي الذي يحيط بالموقف التركي سواء ما تعلق بخارطة طريق منبج أو بالتقارب مع دمشق والاعتراف بذلك علنا.

وقال الرئيس التركي، الثلاثاء، إنه إذا لم يتم إخراج المقاتلين الأكراد من مدينة منبج السورية في غضون عدة أسابيع، فإن صبر أنقرة سينتهي. وجاء ذلك في خطاب ألقاه أمام الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية بالبرلمان التركي في العاصمة أنقرة.

وأوضح أردوغان أن الأوضاع الراهنة في شرق الفرات ومنبج على رأس أجندة تركيا، مجدّدا إصراره على ضرورة أن تكون المنطقة الآمنة المزمعة في سوريا تحت سيطرة بلاده.

ولا يفسر التصعيد التركي تجاه واشنطن، رغم أنه لا يتجاوز التصريحات القوية، سوى برهان أنقرة على الدعم الروسي، وخاصة الاستعاضة عن أي اتفاق مع الولايات المتحدة باتفاق بديل مع روسيا التي يبدو أنها تجاري أردوغان على مستوى التصريحات لكنها تضغط عليه ليتحرك عمليا وفق رؤيتها للحل في سوريا، وهو حل يقوم على إعادة أي أراض تتم استعادتها من داعش أو من الأكراد إلى نفوذ الرئيس السوري بشار الأسد، وهو ما لا تعارضه أنقرة بشكل نهائي وتحاول أن تجاريه بالتأكيد على دعمها لوحدة الأراضي السورية.

لم يكن الاعتراف بوجود علاقات مع نظام الأسد أمرا معزولا عن استدارة تركية لافتة لتجاوزات مخلفات موقفها من الملف السوري

واستغرب متابعون للموقف التركي من انتقال المسؤولين الأتراك من الموقف إلى نقيضه، وفيما يهدد الرئيس أردوغان بحسم ملف منبج بالقوة، فإن المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم قالن يقول إن بلاده “توصلت إلى تفاهم” مع روسيا بشأن تطبيق خارطة الطريق بشأن منطقة منبج وفق الاتفاق المبرم بين أنقرة وواشنطن.

وتساءل المراقبون كيف يمكن أن تنفذ روسيا التزامات لا تنفذها سوى واشنطن التي لا تزال قواتها تتمركز في مناطق سيطرة الأكراد وتستمر بدعمهم بشكل سري وعلني، معتبرين أن الحديث عن تفاهم روسي تركي بشأن منبج لا يعدو أن يكون محاولة للاستثمار في الخلاف الأميركي الروسي، وإظهار القدرة على المراوغة دون أي تأثير فعلي على الأرض.

ونقلت وكالة الأناضول التركية أن الولايات المتحدة أرسلت إلى مناطق سيطرة الأكراد في سوريا، 150 شاحنة محملة بعربات مصفحة وآليات حفر ومولدات كهربائية، إلى جانب شاحنات مغلقة، وأن الشاحنات دخلت سوريا، مساء الاثنين، عبر معبر “سيمالكا” الحدودي مع العراق، وأنها وصلت إلى مستودعات بلدتي خراب عشك وصرين، شمالي محافظة الرقة السورية (شمال شرق)، حيث أفرغت حمولتها هناك.

وإلى حدّ ما، فشل الأتراك في اللعب على التناقضات الأميركية الروسية، وعلى العكس فقط باعدوا بينهم وبين واشنطن ووضعوا أنفسهم في نطاق الطوق الروسي، خاصة أن موسكو تحكم بقبضة قوية على تفاصيل الملف السوري، وهو ما يفسر التنازلات التي أبداها أردوغان، الاثنين، تجاه دمشق حين أعلن أن حكومته أبقت اتصالات على مستوى منخفض مع النظام السوري عبر جهاز الاستخبارات.

وصرّح أردوغان في مقابلة مع تلفزيون تي.آر.تي الرسمي بأن “السياسة الخارجية مع سوريا تتم على مستوى منخفض”، مضيفا أن أجهزة الاستخبارات بإمكانها البقاء على تواصل حتى وإن كان التواصل مقطوعا بين القادة.

ولم يكن الاعتراف بوجود علاقات مع نظام الأسد أمرا معزولا عن استدارة تركية لافتة لتجاوزات مخلفات موقفها من الملف السوري ومن جماعات الإسلام السياسي التي توتر علاقاتها بالدول العربية، ومردها نزوع أردوغان إلى تقمص دور السلطان العثماني الجديد الذي رغب في ركوب موجة الإسلام السياسي للتحكم في المنطقة.

وبشكل مفاجئ أرسلت أنقرة رسالة ودّ تجاه القاهرة من خلال تسليم أحد المطلوبين أمنيا في قضايا تتعلق بالإسلاميين، وربما تهدف هذه الخطوة إلى اختبار مدى استعداد مصر للتفاعل مع الاستدارة التركية. لكنّ الأمر صعب في ضوء استمرار الحملة التركية على السعودية من بوابة قضية خاشقجي التي لا يتوقف أردوغان عن محاولة إحياء زخمها الإعلامي.

وأوردت مصادر مقربة من جماعة الإخوان أن تركيا قامت بترحيل شاب مصري يدعى محمد عبدالحفيظ إلى مصر مطلوب للحكم عليه بالإعدام، في قضية النائب العام المصري. ونشر نشطاء صورة لعبدالحفيظ في مطار أتاتورك بإسطنبول أثناء ترحيله.

العرب