في الوقت الذي يُحجم فيه السياح الغربيون عن زيارة مصر منذ أزمة سقوط الطائرة الروسية نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2015، يقبل الإسرائيليون بشدة على قضاء إجازاتهم في منتجعات جنوب سيناء (شمال شرقي البلاد).
الأسبوع الماضي، نشر حساب “إسرائيل بالعربية” التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، تقريرا متلفزا أعدته هيئة البث الإسرائيلية (مكان) ويقول إن “السياحة من إسرائيل إلى مصر ارتفعت إلى خمسة أضعاف” (دون مزيد من التفاصيل).
وبحسب توقعات مدير معبر طابا بين مصر وإسرائيل يتسحاق حي، فإن عدد الإسرائيليين الذين زاروا مصر خلال العام الماضي وصل لمليون سائح، مقابل سبعمئة ألف عام 2017.
الانتعاش في أعداد السياح الإسرائيليين يأتي بعد فترة انقطاع استمرت ما يقرب من أربع سنوات، حيث وصل أول فوج سياحي في عيد الفصح اليهودي عام 2015 (يحلّ بداية أبريل/نيسان كل عام).
وانقطع السياح الإسرائيليون عن زيارة مصر إثر إنذارات عديدة أطلقتها السلطات الإسرائيلية بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، التي أطاحت بالرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، بسبب الأوضاع الأمنية التي سادت البلاد.
وتركز السياحة الإسرائيلية في مصر على مناطق دهب ونويبع وطابا وشرم الشيخ بمحافظة جنوب سيناء، وذلك بحسب ما أوضحه المرشد السياحي جمال إبراهيم.
ويشير إبراهيم -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن أغلب السُياح الإسرائيليين يصلون إلى شبه جزيرة سيناء عن طريق الحدود البرية بوسائل النقل الخاصة بهم، ويحملون أحيانا الطعام والشراب، ويقيمون في بعض البيوت والأماكن البدوية رخيصة الثمن.
ويدخل الإسرائيليون لمصر بهذه السهولة في إطار اتفاقية السلام التي أبرمتها القاهرة مع تل أبيب في 26 مارس/آذار 1979، حيث يحق للإسرائيليين دخول سيناء بالهويات الشخصية فقط، ودون الحاجة لتأشيرات للدخول.
مردود اقتصادي ضعيف
تكشف أرقام معدلات الحركة السياحية الوافدة لمصر خلال النصف الأول من عام 2018 أن الأوروبيين والروس الآسيويين والأميركيين يمثلون 70%، أما العرب فهم نحو 27%، وباقي الجنسيات تشكل 3%، ومن بين هذه الجنسيات الإسرائيليون، وذلك استنادا إلى إحصاءات رسمية صادرة مطلع العام الجاري.
ويعد السائحون الإسرائيليون من أقل السائحين عائدا من الناحية الاقتصادية لمصر، ليس فقط لقلة أعدادهم، بل أيضا لأنهم في الأغلب يأتون في إطار سياحة السفاري، لزيارة الصحاري والمناطق الجبلية، بحسب ما أوضحه الصحفي الاقتصادي عمرو خليفة.
ارتفاع أعداد السياح الإسرائيليين لمصر لا يمكن فصله عن نظرية الدعم التي تتبناها الحكومة الإسرائيلية تجاه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وذلك وفقا لرؤية الصحفي والباحث في العلاقات الإسرائيلية المصرية أبو بكر خلاف.
وفي عهد السيسي -الذي تولى الحكم في يونيو/حزيران 2014، بعد الانقلاب على الرئيس المنتخب في صيف 2013- وصلت العلاقات إلى حد التعاون العسكري، وذلك بحسب ما كشفه الرئيس المصري خلال لقاء له مع برنامج “60 دقيقة” على قناة “سي بي أس” الأميركية، في يناير/كانون الثاني الماضي.
ويشير خلاف في حديثه للجزيرة نت إلى أن مصر تعتبر مصدر جذب للإسرائيليين، وذلك لكون السياحة في سيناء أرخص من إيلات الإسرائيلية بكثير؛ فالتكاليف التي يمكن للإسرائيلي أن ينفقها في فندق ثلاث نجوم في تل أبيب، من الممكن أن يقيم بها في فندق خمس نجوم في سيناء، فضلا عن أن طبيعة أرض الفيروز تفوق الطبيعة في الشواطئ الإسرائيلية.
ويبلغ متوسط سعر الغرفة في فندق ثلاث نجوم في تل أبيب مئة دولار أميركي فأكثر، في حين يبدأ متوسط سعر الغرفة في فندق خمس نجوم في مصر من تسعين دولارا أميركيا تقريبا، وذلك وفقا لثلاثة مواقع حجز فنادق اطلع عليها مراسل الجزيرة نت.
هناك سبب آخر يقف وراء زيادة أعداد السياح الوافدين من إسرائيل لمصر، وهو أن بعض السياح الروس يفضلون السفر إلى مصر عن طريق مطار “عوفداه” الإسرائيلي في النقب الجنوبي، وذلك بحسب المرشد السياحي محمد سمير.
ويوضح سمير في حديثة للجزيرة نت أن منع موسكو مواطنيها من زيارة مصر بعد حادث الطائرة الروسية دفع الشركات الإسرائيلية -بالتعاون مع نظيرتها في موسكو- لتسيير رحلات إلى مصر عبر تل أبيب، مستغلة قرار الحظر.
وفي نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، استقبل مطار شرم الشيخ بجنوب سيناء أول طائرة قادمة من روسيا، بعد غياب لنحو ثلاث سنوات، ولكن ما زالت أعداد السياح الروس ضئيلة، ولم تصل إلى ما كانت عليه قبل أكتوبر/تشرين الأول 2015.
رفض شعبي
ورغم تعثر ملف السياحة المصري منذ 2011، ووجود علاقات رسمية بين مصر وإسرائيل، فإنه في اعتقاد أماني ربيع (مديرة تسويق في إحدى شركات القطاع الخاص) (38 عاما) أن أغلب المصريين يرون إسرائيل عدوا أبديا، ولا يجب الارتقاء بالعلاقات إلى ما أبعد من إطار معاهدة السلام.
ويدعم هذا التوجه استطلاع رأي أعدته صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية بمناسبة مرور أربعين عاما على اتفاقية السلام، وكشف عن أن أغلب المصريين يرفضون إسرائيل، على الرغم مع وجود علاقات دبلوماسية بين تل أبيب والقاهرة.
وتمثل السياحة أكثر من عُشر الناتج المحلي الإجمالي لمصر قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، التي حققت عائدات تقدر بنحو 12.5 مليار دولار، لكن هذا العدد انخفض في 2011 إلى 8.8 مليارات دولار، وظل في انخفاض مستمر، حتى تلقت السياحة ضربة قاصمة في 2015 بعد تحطم الطائرة الروسية ومقتل جميع ركابها.
استعادت السياحة عافيتها بشكل طفيف، وحققت خلال النصف الأول من عام 2018 نحو 4.8 مليارات دولار، بارتفاع 78% عن الفترة نفسها من 2017، لتتفوق على عائدات الفترة نفسها من عام 2015 قبل أزمة الطائرة الروسية، التي بلغت 3.4 مليارات دولار، وفقا لإحصاءات رسمية.
المصدر : الجزيرة