بينما كانت الأمور هادئة، كعادتها في يوم جمعة طبيعي قبالة جزيرة سولاويسي بوسط إندونيسيا، انطلقت موجات التسونامي العاتية لتجتاح شواطئ مدينة “بالو” الساحلية، مع زلزال مهيب بقوة 7.5 ريختر، ليتسبب في المجمل بحوالي 1500 قتيل، مع تشريد مئات الآلاف من الناس الذين تحطمت منازلهم.
كان هذا الزلزال هو الأكثر كارثية في 2018 على مستوى العالم، وهو ما دفع فريق بحث دولي في محاولة لفهم سر فداحة الحادثة، لتظهر النتائج في ورقتين بحثيتين صدرتا قبل عدة أيام في دورية “نيتشر”، وتقول النتائج إنه كان بالفعل زلزالا ذا طبيعة خاصة.
حيث أظهرت بيانات الأقمار الصناعية، بحسب الدراسة، أن سرعة تحرك طبقات القشرة الأرضية التي تسببت في هذه الهزة الأرضية كانت أكبر من المعتاد (ثلاثة كيلومترات في الثانية) بفارق واضح، ما يضع هذا الزلزال تحديدا في فئة خاصة نادرة تدعى الزلازل فائقة السرعة أو فائقة الجز Supershear earthquakes.
تحدث الزلازل بسبب تحرك إحدى طبقات القشرة الأرضية بشكل مفاجئ بالنسبة إلى الصفيحة المجاورة لها، يمكن فهم ذلك -بدرجة من التبسيط- عن طريق تخيل أن القشرة الأرضية هي مجموعة من قطع الليغو الضخمة جدا والمتراصة بجوار بعضها، لكنها ليست دائما بنفس المساحة أو الشكل.
حينما تتحرك واحدة من تلك الصفائح بالنسبة للأخرى فإن منطقة التحرك تكون هي مركز انطلاق الموجة الزلزالية، في الحالة الطبيعية تنشأ موجة الزلزال كرد فعل على ذلك التحرك في كل الاتجاهات، على شكل دائرة مركزها هو منطقة التحرّك.
زلزال فائق السرعة
وبحسب الدراستين الجديدتين، فإنه في حالة الزلازل فائقة السرعة، تتحرك القشرة الأرضية في مركز انطلاق الزلزال بشكل أسرع من الموجات الزلزالية نفسها، مما يتسبب في مضاعفة أثر الموجة الزلزالية، حيث لا تتوزع على جوانب نقطة المركز، بل تنطلق في اتجاه حركة هذه الصفيحة من القشرة الأرضية.
لفهم الفكرة بشكل أفضل دعنا نتأمل طائرة نفّاثة، حينما تجري بسرعة فائقة مخترقة الهواء حولها فإن هذا الهواء في المقدمة لا يمتلك السرعة الكافية للذهاب للخلف مقارنة بسرعة الطائرة، لهذا ينشأ صوت غاية في الارتفاع، هذا هو ما يحدث في حالة الزلزال فائق السرعة، لكن بدلا من الصوت تحدث الهزّات الأرضية بصورة أكثر عنفا.
نتائج كارثية
أحد أشهر الأمثلة على هذا النوع من الزلازل هي حالة زلزال سان فرانسيسكو عام 1906 التي قتل فيها أكثر من 3000 شخص وترك حوالي نصف مليون شخص منازلهم.
بحسب الدراستين الجديدتين، فإن الأمر قد أخذ من قشرة الكرة الأرضية في حالة زلزال إندونيسيا حوالي 34 ثانية فقط للتحرّك لمسافة قدرها 150 كيلومترا (أي حوالي 4.4 كيلومترات في الثانية الواحدة)، ما يجعله مرشحا ليكون أحد الزلازل الفائقة السرعة، وهي ما يفسر فداحة أثره.
ويأمل باحثو الدراسة أن تساعد تلك النتائج في تحقيق فهم أفضل لأحد أهم الكوارث التي تهدد حياة البشر، ما قد يساعد على تجنبها مستقبلًا إن أمكن ذلك.
المصدر : الجزيرة