يضع العراقيون اليوم على الطاولة مجددا لائحة الأولويات لتحديد المهمة المقبلة، وعليه تقف فصائل عراقية مقربة من إيران في موقع المنتظر لانسحاب أميركي تام ونهائي، وفي جعبتها سلاحان قانون برلماني أو المواجهة.
منذ ما قبل حرب الخليج الأولى (الحرب العراقية الإيرانية) كان التذبذب عنوانا في العلاقة بين العراق والولايات المتحدة.
فمن حرب ضروس وحصار خانق مع بداية التسعينيات، فغزو لإسقاط نظام صدام حسين، وانسحاب نهاية العام 2011، عاد الأميركيون عام 2014 شركاء في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية الذي استوطن حينها في ما يقارب ثلث مساحة البلاد.
وبعد دحر التنظيم، عادت القوات الأميركية لتصبح قوة احتلال غير مرغوب بها. وفي حال عارضت تلك القوات الرحيل، عندئذ “يحق للشعب العراقي مواجهتها بأي شكل من أنواع المواجهة” بحسب المتحدث الرسمي لكتائب حزب الله العراقية محمد محيي.
وإذا ما قررت واشنطن الذهاب بعيدا، يؤكد الأمين العام لعصائب أهل الحق الشيخ قيس الخزعلي لوكالة الصحافة الفرنسية فـ “نحن حاضرون”.
ولكن قبل الوصول إلى تلك المرحلة، في بلد قتل فيه 4500 جندي أميركي بين عامي 2003 و2011، يؤكد محيي أن على البرلمان أن يقول كلمته في بادئ الأمر.
وبالفعل، فقد تم تقديم مشروع قانون بالبرلمان، وفي صورة نادرة، قد يكون هناك إجماع عليه من قبل أكبر كتلتين بالمجلس، الأولى بقيادة مقتدى الصدر الذي يسعى ليكون صانع استقلال العراق، والثانية المقربة من إيران والتي تضم الفصائل المنخرطة في الحشد الشعبي وأسهمت بحرب تنظيم الدولة.
الأميركيون قلقون
يشير الخبير بالسياسة العراقية الباحث في معهد “تشاتام هاوس” ريناد منصور إلى أن التنافس في البرلمان منذ ثلاث سنوات بين القوى الشيعية.
ويضيف أن هؤلاء لا يمكنهم الاتفاق على وزير، ولكنهم يلتقون عند نقطة واحدة هي أن التجربة الأميركية بالعراق كانت سيئة.
المفارقة هنا، أن من أعاد بث الروح في هذا المقترح الذي يرمي لجدولة الانسحاب الأميركي من العراق هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه.
قبل أيام عدة، أعلن ترامب في مقابلة مع شبكة “سي بي أس” الأميركية أنه يريد إبقاء قواته في قاعدة عين الأسد بمحافظة الأنبار غرب العراق لـ “مراقبة إيران” المجاورة، وهو ما أثار استياء العديد من القوى في العراق.
لكن النفور العراقي ليس وليد اليوم، بل برز قبل أكثر من شهر، حين زار ترامب جنوده في العراق بشكل سري ومفاجئ أربك المشهد السياسي في بغداد، خصوصا وأن زيارته كانت بعيد إعلانه سحب قواته من سوريا.
وما زاد الطين بلة، أن الرئيس الأميركي أكد خلال تلك الزيارة أنه لا ينوي “إطلاقا” سحب قواته من العراق، بل يرى “على العكس” إمكانية لاستخدام هذا البلد “قاعدة في حال اضطررنا للتدخل في سوريا”.
ولهذا، فإن الدبلوماسيين والعسكريين الأميركيين بالعراق “قلقون جدا” ويعملون حاليا على “تقليص أضرار” تلك التصريحات، بحسب منصور.
وذلك لأن ترامب “كشف عن الوجه الحقيقي للوجود العسكري الأميركي، وهو ليس لغرض مساعدة العراق وإنما (…) منصة للاعتداء على دول الجوار” بحسب الخزعلي.
عناصر من قوات الحشد الشعبي بمحافظة نينوى خلال مواجهات مع تنظيم الدولة (غيتي)
تكلفة باهظة
ويضيف الخزعلي “ترامب حتى الآن لم يفهم، لم يدرك جيدا، لم يستوعب الدرس (…) أن هذا البلد (العراق) قوي الآن”.
ويشدد على أنه “لو أراد ترامب، التاجر، أن يذهب بعيدا في هذا القرار، فعليه أن يعلم علم اليقين أن تكلفة هذا القرار ستكون باهظة جدا”.
وسيكون القانون في البرلمان “الخطوة الأولى” كما يوضح محيي، لكنه يلفت إلى أن “الولايات المتحدة ستتحدى هذه الإرادة الشعبية من جديد” وبالتالي فإن حزبه سينتقل إلى “المرحلة الثانية” وهي مواجهة “قوات احتلال”.
ويستطرد بالقول إن فصائل المقاومة العراقية لديها من الإمكانات والقدرات والخبرات التي حصلت عليها في مواجهة “عصابات داعش (تنظيم الدولة” مما يمكنها من مواجهة أي قوة عسكرية ربما تهدد أمن العراق وسيادته.
ويرى محيي أن على القوات الأميركية أن تغادر العراق وأن تجنب البلد وشعبه إراقة دماء وأزمات جديدة، وتجنب أيضا الجنود الأميركيين أن يذهبوا بتوابيت من خشب مرة أخرى إلى الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، يؤكد منصور أن هذه الموجة الآن ستسمح للقوى الشيعية في “إيجاد تهديد خارجي تتوحد ضده، بدلا من الانقسام حول مشاكلها الداخلية”.
المصدر : الفرنسية