عملت الولايات المتحدة الأميركية على الضغط على حلفائها من أجل أن يتبعوا نفس الخطى التي أقدمت عليها ويقصوا شركة هواوي الصينية للاتصالات من أنظمتهم التكنولوجية، لكن الشركة تحظى بدعم بكين، وبطبيعة الحال يترتب على مواجهة الصين تبعات عديدة.
وفي تقرير نشر بصحيفة الكونفدنسيال الإسبانية، أشار الكاتب دانييل إيريارتي إلى أن مشاكل هواوي مع الولايات المتحدة ما زالت حتى الآن ذات أبعاد اقتصادية وقانونية أكثر مما يمكن اعتبارها جيوسياسية، أو على الأقل هذا ما تؤكده السلطات الأميركية. لكن في حال أصبح الصراع دوليا، يمكن أن يتغير كل شيء وبسرعة.
ونقل الكاتب أن الولايات المتحدة تمارس ضغوطا على حلفائها من أجل قطع علاقاتها بالشركة الصينية، ولا يمكن أن تكون الآثار المترتبة على هذا الموقف اقتصادية فحسب، إذ يمكن أن تؤدي إلى مواجهة مع العملاق الذي يمثل الصين. ومن جهتها، لا تعد أوروبا مقتنعة بهذا التوجه.
يشار إلى أن بداية الأزمة بين الصين والولايات المتحدة تعود إلى أوائل ديسمبر/كانون الأول الماضي، عندما ألقي القبض على المديرة المالية لشركة “هواوي” منغ وانزو في كندا، بناء على طلب من الولايات المتحدة بتهمة انتهاك العقوبات المفروضة على إيران.
علاوة على ذلك، أصدرت وزارة العدل الأميركية قائمة من 23 تهمة رسمية ضد شركة هواوي؛ شملت تهما بالتحايل وسرقة أسرار تكنولوجية من الشركات الأميركية. وفي الوقت نفسه، يؤكد مسؤولون أميركيون كبار أن الشركة تشكل تهديدا للأمن القومي ويشتبه في أن تكون تقنيتها بوابة للتجسس.
لماذا دخلت الصين المعركة بكل ثقلها؟
وأوضح الكاتب أن منغ وانزو تعد وجها بارزا لشركة هواوي، كما أنها ابنة مؤسس الشركة الذي يعتقد أن له صلات وثيقة مع الحزب الشيوعي الصيني الحاكم، ويساعد هذا المعطى على وجه الخصوص على فهم السبب الذي جعل الصين تدخل المعركة بكل ثقلها.
وخلال هذه المعركة، استخدمت الصين كل إمكاناتها الدبلوماسية، وضغطت على حلفائها ومنافسيها على حد سواء. واتخذت الصين إجراءات غير اعتيادية، وانتهجت “دبلوماسية الرهائن” -مثلما وصفها الخبير شيمير كيتنر- حيث اعتقلت مواطنين كنديين بتهمة تهديد الأمن القومي، في محاولة لإنجاز نوع من تبادل السجناء مع كندا، وفقا للكاتب.
وأوضح الكاتب أنه توجد سابقة في التاريخ لمثل هذه الصراعات الجيوسياسية. ففي وقت سابق، تدخل الرئيس الأميركي دونالد ترامب شخصيا لتخفيف العقوبات التي فرضتها وزارة التجارة الأميركية على شركة الاتصالات الصينية “زد تي إي”، واعتبرت تلك المبادرة بمثابة محاولة من ترامب من أجل عقد سلام شخصي مع الرئيس الصيني شي جين بينغ.
ونقل الكاتب عن إدوارد ألدن المحلل في مجلس العلاقات الخارجية (مؤسسة أميركية غير حكومية)، أن “استعداد الإدارة الأميركية لمقايضة الأمن القومي بمزايا تجارية أمر مثير للقلق. ويقود هذا الأمر الصين ودولا أخرى إلى استنتاج أن الاتهامات الأميركية بشأن تهديد الأمن القومي الذي تمثله شركة هواوي ليست إلا ذريعة خبيثة من أجل الحصول على مزايا تجارية”، وأردف المحلل أن “هذا الانطباع خطير وسيشجع الصين على الانتقام”.
وقد استجاب بعض حلفاء الولايات المتحدة لطلبها إقصاء شركة هواوي من أنظمتهم التكنولوجية، على غرار نيوزيلندا وأستراليا، فيما لا يزال حلفاء آخرون يدرسون هذه الخطوات، وأبرزهم ألمانيا وفرنسا وبولندا والمملكة المتحدة.
تضامن مع هواوي أمام مقر انعقاد جلسة قضائية بشأن احتجاز منغ وانزو في مدينة فانكوفر الكندية (رويترز)
المخاوف من قوة هواوي؟
ونبّه الكاتب إلى أن هناك مخاوف من احتمال أن تسمح أنظمة هواوي للصين بجمع كميات هائلة من البيانات السرية والمعلومات السياسية، أو تعطيل البنى التحتية في حال اندلاع صراع دولي بين الشركة وبين القوى العالمية.
ومن بين العلامات التي تدل على ذلك التوجس، انتهاء الاجتماع الألماني بهذا الخصوص دون قرار، وكذلك إحجام السلطات الفرنسية عن اتخاذ تدابير بعد عقد اجتماع لهذا الغرض.
وذكر الكاتب أن من بين البلدان التي تواجه فيها هواوي عداء محتملا من جانب السلطات، تبرز بولندا. وفي هذا البلد توجد معلومات شبه مؤكدة عن إقصاء هواوي من شبكة اتصالات الجيل الخامس، بعد اعتقال موظف بالشركة الشهر الماضي مع مسؤول أمني بولندي سابق بتهمة التجسس.
وأمام هذا الوضع، عرضت هواوي بناء مركز أمني في بولندا، شبيه بذلك الذي يعمل بالفعل في المملكة المتحدة وألمانيا، من أجل تعزيز الثقة وإثبات أن معداتها لا تساعد على التجسس لصالح أجهزة الاستخبارات الصينية.
وأورد الكاتب أن المحلل كيفن أليسون كتب في مدونة جي زيرو ميديا التابعة لمؤسسة مجموعة أوراسيا، أنه “على الرغم من أن حلفاء الولايات المتحدة مثل المملكة المتحدة وألمانيا وبولندا، يتشاركون المخاوف الأميركية نفسها المتعلقة بالأمن، فإن حساباتهم الأخرى تمثل تحديا كبيرا”.
ويتابع المحلل أنه “من جهة أولى، وعلى خلاف الولايات المتحدة، تملك شركة هواوي بصمة كبيرة في شبكات البيانات الأوروبية الحالية، خاصة في المملكة المتحدة وألمانيا. ومن جهة ثانية، فإن إقصاء شركة هواوي وإن كان خطوة سترضي الشريك الأمني الرئيسي لأوروبا، فإنه سيضعها في مواجهة مع شريكها التجاري الثاني في الوقت نفسه”.
وأضاف المحلل “أما ثالثا، فسيكون الاستغناء عن معدات الشبكات الرخيصة نسبيا، التي تزود بها الصين هذه البلدان، خطوة مكلفة. وفي الوقت نفسه قد يتسبب الوقت والنفقات الإضافية المطلوبة لبناء شبكات من دون المكونات الصينية في تأخير عملية طرح تقنيات جديدة ومبتكرة”.
ويرى كاتب التقرير أن القرار الأميركي بشأن شركة هواوي يولد الكثير من الشكوك على جانبي المحيط الأطلسي. ومن بين الأسئلة التي تطرح نفسها: هل قضية هواوي هي نزاع قانوني وتجاري شرعي، أم أن واشنطن تحاول استخدامها كنوع من الضغط في حربها التجارية مع الصين؟ وهل من المحتمل أن تكون هذه الخطوة محاولة لإفشال شركة تهدد هيمنة شركات التكنولوجيا الأميركية في مجال حيوي مثل شبكات اتصالات الجيل الخامس؟
ووفقا لرأي المحلل ألدن، فإن حلفاء الولايات المتحدة إذا استنتجوا أنها مستعدة للتنازل عن أهدافها الأمنية للحصول على مزايا تجارية، فلن تحصل واشنطن على دعم دولي في كل الحالات.
وفي الختام، ذكر الكاتب أن هواوي تحولت إلى رأس حربة في المواجهة بين الولايات المتحدة والصين التي تذهب إلى أبعد مما هو اقتصادي. وفي الإجمال، يبدو أن كلا البلدين يزداد قوة في المجال الاقتصادي ويضمن قدرا من “القوة الناعمة” لدعم بيادقه التجارية.
وفي ظل هذا الوضع، تضطر بقية دول العالم إلى اتخاذ قرارات يمكن أن تهدد مستقبل شبكاتهم التكنولوجية لعقود.
الجزيرة