تستعد مصر لاستلام الرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي وسط آمال قوية بأن هذه الرئاسة ستعيد القاهرة إلى مجالها الحيوي التقليدي الذي نجحت بواسطته في تزعم القارة في فترة مقاومة الاستعمار ومن بوابة منظمة عدم الانحياز.
وتطرح هذه العودة تساؤلات بشأن فاعليتها وكيف يمكن أن توظفها مصر لتحقيق ريادة جديدة في عمقها الأفريقي، ولكن ما الذي سيتغير بين فترة جمال عبدالناصر التي طغى عليها بعد التحرر وسياسة المحاور المرتبطة بالحرب الباردة، وبين فترة عبدالفتاح السيسي وهل تكفي اللباقة الدبلوماسية للنفاذ إلى قلب قارة أصبحت محورا رئيسيا في صراع النفوذ بين قوى دولية كبرى مثل الصين والولايات المتحدة وروسيا وفرنسا، وقوى إقليمية باحثة عن إعادة التمركز مثل تركيا وإيران.
وقال المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية بسام راضي في بيان إن السيسي يقوم بزيارة تاريخية للعاصمة الإثيوبية أديس أبابا ستشهد تسلمه رئاسة الاتحاد الأفريقي، الأحد، ولمدة عام.
واعتبر راضي أن رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي، للمرة الأولى منذ نشأته عام 2002 خلفا لمنظمة الوحدة الأفريقية، تعدّ تتويجا لجهود مصر بقيادة السيسي خلال السنوات الأخيرة لتعزيز العلاقات مع القارة الأفريقية سواء على المستوى الثنائي أو متعدد الأطراف، و”تجسيدا لاستعادة الدور المحوري المصري كإحدى الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الأفريقية الأم في ستينات القرن الماضي”.
ولا تحتاج المساعي المصرية للعب دور محوري جديد في القارة سوى إلى رؤية جديدة تقوم على بناء علاقات على قاعدة المصالح المشتركة مع دول القارة منفردة، أو مع الاتحاد الأفريقي ككيان إقليمي صاعد، وهو ما نجح فيه المغرب إلى حدّ كبير من خلال التأسيس لشراكة اقتصادية مرحليا واستراتيجيا.
ويمكن أن تستفيد القاهرة من تجربة الرباط التي قلبت المعادلة تماما بأن جعلت الشراكة الاقتصادية مدخلا قويا للحصول على الدعم الأفريقي لوحدة أراضيها وانتصارا لرؤيتها في قضية الصحراء، وهو ما يعني أن مصر لا يمكن أن تبحث عن استعادة سيطرتها على مواقع القرار في الاتحاد الأفريقي دون أن تؤسس لشراكات على أساس المصالح المشتركة، وهو الخيار الذي سيعيد لها الريادة التي حازت عليها في فترة عبدالناصر.
وسيكون على مصر أن تمشي في هذا الطريق للمرة الثانية بعقلية مختلفة وبنظرة أبعد، فمرحلة الشعارات أو الرهان على الثقل الجغرافي والتاريخي للبلاد لم يعد ذا قيمة، وفكرة التحرر من الاستعمار التي استفاد منها عبدالناصر ذهبت كما ذهبت فكرة عدم الانحياز التي كانت الزعامة فيها تقوم على عناصر مغايرة تماما.
ويقول خبراء في الشأن الأفريقي إن القوى الناعمة المصرية تحتاج إلى إعادة تأسيس حتى تتحول إلى داعم حقيقي للنفوذ المصري بوجه صراع المصالح متعدد الأوجه في القارة، متسائلين ماذا يمكن أن يلعب الأزهر من دور لوضع مصر على سكة التأثير الاستراتيجي الفعال في المجال الديني ومقاومة التيارات المتشددة، وهو مجال مؤثر في ضوء حاجة دول أفريقية إلى دعم قوي لمواجهة التيارات المتشددة التي تسعى لنقل معاركها لأفريقيا بعد تطويقها في أفغانستان وسوريا.
وللأزهر مشاكل في مصر في ضوء سيطرة الرؤى التقليدية عليه، وهو يحتاج إلى أن يحل أزمته قبل أن يتم تكييف أدائه كقوة ناعمة في أفريقيا بمواجهة دور تركي وإيراني متصاعد. وفيما تتمدد إيران أيديولوجيا وماليا، فإن تركيا تتمدد بالمشاريع والتسليح وتملأ الفراغ الناجم عن تراجع الدور التقليدي لمصر في مجالها الحيوي.
ويعتقد الخبراء أنه لا يمكن التعويل على لباقة دبلوماسية لا يساندها شيء موضوعي عدا بعض الحنين إلى الماضي، أو بقايا تأثير في مجالات جانبية مثل الرياضة، مشيرين إلى أن الأفارقة مثلا يعرفون ماذا يريدون من الصينيين، الذين يضخّون الأموال والقروض مستجيبين إلى المطالب العاجلة للدول الأفريقية، لكنهم لا يعرفون بالضبط ماذا يريدون من مصر التي تنكفئ إلى الآن على نفسها بسبب أزمات هيكلية في اقتصادها.
لكن يمكن للقاهرة أن تستفيد من خطوات المحور السعودي الإماراتي التي قطعها خصوصا في القرن الأفريقي من خلال التأسيس لعلاقات جديدة تنبني على المصالح المشتركة والبحث عن فضاء جغرافي جامع يحقق الأمن الإقليمي للدول المطلة على البحر الأحمر.
وساهم هذا المحور في تقريب المواقف بين مصر وكل من السودان وإثيوبيا، ما يساعد على التوصل إلى حل يحافظ على مصالح القاهرة في حصص المياه الخاصة بالنيل. وربما تكون القمة المرتقبة، الأحد، بين الرئيس المصري ورئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد والرئيس السوداني عمر البشير على هامش أعمال القمة الأفريقية مدخلا إلى تفاهم يقوي خيار القاهرة باستعادة نفوذها القاري.
وإذا كانت القاهرة لا تمتلك ثقلا اقتصاديا يساعدها في ذلك، فإنها قادرة على لعب أدوار أخرى ذات أهمية.
ويقول أشرف سويلم الذي يرأس مركز القاهرة لتسوية النزاعات وحفظ وبناء السلام، إن مهمة مصر “سوف تركز على الأرجح على الأمن وحفظ السلام”.
ومن المقرر أن يتولى السيسي رئاسة القمة الأفريقية المقرر اجتماعها بين 10 و11 فبراير في أديس أبابا، وتراهن القاهرة على إدخال إصلاحات على هياكل الاتحاد وآلياته في حل الأزمات.
ويقول مسؤول في الاتحاد الأفريقي إن المصريين “منخرطون بشكل كامل” في دفع إصلاحات أخرى للاتحاد.
وإحدى المبادرات الرئيسية المدعومة من القاهرة هي منطقة التجارة الحرة القارية، وهي مبادرة وافقت عليها 44 من بين 55 دولة من الأعضاء في مارس 2018.
وتتوقع إليسا جوبسون، المتخصصة في الدفاع عن أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، من السيسي “الاستفادة من الرئاسة لتعزيز وضع بلاده بين الدول الأفريقية الأخرى”.
وتقول جوبسون “أظهر بول كاغامي أن رئاسة الاتحاد الأفريقي، التي طالما اعتبرت مجرد منصب فخري، يمكن أن تعمل على تعزيز المصالح الوطنية وتعزيز المكانة الدولية للقائد”.
العرب