حطّت طائرة وزير الدفاع الأمريكي بالوكالة، باتريك شاناهان، يوم الثلاثاء الماضي، في بغداد، في زيارة لم يعلن عنها البنتاغون لدواعٍ أمنية؛ لمناقشة سحب القوات الأمريكية من سوريا، ومناقشة مستقبل القوات الأمريكية في العراق. ونقلت وكالة “رويترز” أن شاناهان، الذي يزور بغداد في أول زيارة له منذ تعيينه في هذا المنصب خلفاً للجنرال المستقيل جيمس ماتيس، سيؤكد خلال زيارته دعم الولايات المتحدة لسيادة العراق. وقال شاناهان للصحفيين المسافرين برفقته: “نحن في العراق بدعوة من الحكومة، ومن مصلحتنا بناء قدرات الأمن العراقية”.وأضاف: “أريد أن أسمع منهم بنفسي عن مخاوفهم والعوامل السياسية، التي تواجههم ثم سنأخذ ذلك بوضوح في الاعتبار في تخطيطنا”.وكان شاناهان قبل وصوله لبغداد في زيارة غير معلنة إلى أفغانستان، لتقييم الأوضاع هناك بعد نيّة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، سحب قواته منها.
وقد التقى رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، القائم بأعمال وزير الدفاع الأميركي، باتريك شاناهان، وخلال اللقاء أكد له رفض بلاده وجود أية قواعد عسكرية أجنبية على الأراضي العراقية.وقال رئيس الحكومة العراقية إن بلاده حريصة على علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية في ما يتعلق بمحاربة الإرهاب وتنظيم “داعش” الإرهابي، موضحًا أن مهام الأميركيين يجب أن تقتصر على محاربة الارهاب، وتدريب القوات العراقية.ونقل مكتب رئيس الوزراء العراقي عن عبد المهدي قوله، إن العراق يرفض وجود قواعد أجنبية على الأراضي العراقية، مؤكدًا في بيان أن الجانبين ناقشا العلاقات بين البلدين، ومحاربة الارهاب، والتطورات في المنطقة.وبيّن عبد المهدي أن القرار العراقي “مستقل ولا يتأثر بأي نفوذ وإملاءات من أي طرف”، مؤكدًا “انفتاح بغداد على المحيط العربي والإقليمي، وحرصه على إقامة علاقات تعاون تخدم مصالح العراقيين، وتعزز فرص التنمية والاستقرار لشعوب المنطقة”. وشدد على ضرورة مساندة جهود الاستقرار والإعمار وتطوير الاقتصاد، مبينًا أن “بلاده حققت نجاحات واضحة، وتشهد اليوم استقرارًا بعد دحر عصابات تنظيم (داعش) الإرهابي”.من جهته، قال وزير الدفاع الأميركي إن واشنطن تعتز بعلاقات التعاون مع العراق، مؤكدًا أنه جاء ليستمع بشكل مباشر لرؤية الحكومة العراقية لطبيعة ومستقبل العلاقات بين البلدين. وأشاد بجهود بغداد وتوجهاتها لخدمة جميع أطياف الشعب العراقي، موضحًا أن مهمة القوات الأميركية تتمثل بمحاربة تنظيم “داعش”، ودعم القوات العراقية وتدريبها في قتالها للتنظيم.
وتحمل الزيارة رسائل متعددة إلى الحكومة العراقية وإلى الميليشيات الشيعية وإلى طهران مفادها أن واشنطن جادة في مواجهة النفوذ الإيراني في العراق. ويرى المتابعون للشأن العراقي أن زيارة القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكي إلى العراق، ليشرح للزعماء العراقيين أسباب الحاجة الفعلية لتعزيز مستوى الوجود العسكري الأميركي في البلاد خلال الأشهر القليلة القادمة، تطبيقا لاستراتيجية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الرامية إلى مراقبة الأنشطة الإيرانية انطلاقا من الأراضي العراقية.وأن المصادر الهدف الرئيسي للزيارة هو شرح خطة عمل القوات الأميركية في العراق خلال المرحلة المقبلة. إن زيارة وزير الدفاع الأميركي للعراق جاءت من أجل ولممارسة الضغط على عبد المهدي بهدف منع تمرير مسودة قانون إخراج القوات الأميركية. وأشاروا إلى أن الخطة الأميركية الجديدة في العراق تستهدف تعزيز نفوذ واشنطن العسكري في مناطق شمال وغرب العراق، في محاولة لعزل السكان الأكراد والعرب السنة عن تأثير النفوذ الإيراني المهيمن في وسط وجنوب البلاد.
وهذا ما يعززه تدفق قوات أميركية جديدة على قواعد عسكرية في أربيل ونينوى شمالا، وصلاح الدين شمال غرب العراق، والأنبار غربا. ونقل الولايات المتحدة جزءا من جيشها في سوريا إلى موقعين عسكريين في أربيل، كما عززت وجودها العسكري في قاعدتي “القيارة” جنوب مدينة الموصل مركز محافظة نينوى، و”بلد” قرب مدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين. وبذلك تكون القوات الأميركية أكملت عملية نقل جنودها ومعداتها إلى قاعدة “عين الأسد” في غرب الأنبار، وبدأت تتحرك بشكل عكسي نحو الحدود السورية، لتمشيط المناطق الواقعة بين القاعدة والحدود مع سوريا، وكشف مناطق انتشار فصائل مسلحة موالية لإيران في المنطقة.وبحسب مراقبين، فإن الخطة الأميركية الجديدة تستند إلى ترحيب كردي سني، في محاولة للحد من النفوذ الإيراني الذي يحاول أن يتمدد في مناطق شمال وغرب العراق.
ويرى مراقبون للشأن العراقي أن زيارة باتريك شاناهان محاولة للعمل في اتجاهين، أولهما يتمثل بطمأنة حكومة عادل عبدالمهدي بأن العراق لن يكون قاعدة لضربة متوقعة لإيران، وثانيهما هو الضغط على الميليشيات لوقف تحركاتها لدفع الحكومة إلى مراجعة بنود الاتفاقية المبرمة مع الولايات المتحدة. واعتبر المراقيون أن زيارة مسؤول عسكري أميركي رفيع المستوى إلى بغداد، تأكيد على أن الولايات المتحدة ماضية في تنفيذ خطتها لمراقبة إيران من الأراضي العراقية وهي الخطة التي أعلن عنها الرئيس ترامب في وقت سابق. وتبدو الزيارة المفاجئة للقائم بأعمال البنتاغون رسالة إلى إيران كما أنها في وجهها الآخر رسالة إلى القوى العراقية المناهضة للهيمنة الإيرانية على العراق، والتي سترحب بالخطوة الأميركية وستكسب المزيد من التأييد الشعبي حين يتسع نشاطها مع شعورها بأن الولايات المتحدة جادة في إنجاز مشروعها في احتواء الدور الإيراني في المنطقة.
خلاصة القول، تشكل الزيارة إحدى الوسائل الأكثر فعاليةً للحد من النفوذ الإيراني الشنيع، الذي يستغل ضعف سيادة القانون والمؤسسات من أجل تعظيم مكانة إيران كحكَمٍ قوي (ومنفّذ متنمر) في السياسة العراقية القائمة بشكلٍ كبير على العلاقات الشخصية والتبادلات. وخلافاً للولايات المتحدة، لا تملك إيران الكثير لتقدّمه للعراقيين، إذ لا يمكنها أن توفّر نموذجاً سياسياً أو اقتصادياً، ولا حتى احتمال تحسين الخدمات أو الوظائف أو الإصلاح. يتعيّن على واشنطن اغتنام هذه الفرصة وتجديد سياستها في العراق وفقاً لذلك.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية