موسكو – وجهت روسيا، الخميس، رسالة واضحة وحازمة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل ساعات من انعقاد قمة جمعته مع نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن الروحاني بمنتجع سوتشي في روسيا، ومفادها أن تركيا لا تملك الحق في إنشاء “منطقة آمنة” داخل سوريا ما لم تطلب موافقة من الرئيس السوري بشار الأسد وتحصل عليها.
ويتزامن هذا الضغط الذي يدفع أردوغان إلى البحث عن مباركة عدوّه اللدود بشار الأسد، مع ضغط روسي كبير على أنقرة للتحرك بجدية لمواجهة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا)، فيما يعتقد مراقبون أن أنقرة تستبقي ورقة المتشددين لمقايضتها بالمنطقة الآمنة.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، ردا على سؤال بشأن خطة المنطقة الآمنة التركية، إن “مسألة وجود قوة عسكرية تعمل بتعليمات من بلد ثالث على أرض دولة ذات سيادة، لاسيما سوريا، يجب أن تحسمها دمشق مباشرة. هذا هو موقفنا الأساسي”.
وترى مصادر روسية مطلعة أن الموقف الروسي ليس جديدا لجهة الترويج لتمدد القوات التابعة للنظام السوري داخل كافة المناطق التي يتم تحريرها من تنظيم داعش، أو تلك التي من المزمع إخلاؤها من قبل القوات الأميركية استجابة لقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب في هذا الشأن في ديسمبر الماضي.
وتضيف المصادر أن موقف موسكو وتأكيده أثناء انعقاد القمة الثلاثية في سوتشي، يراد منه تثبيت مبدأ روسي في هذا الشأن، مع احتمال إدخال البعض من المرونة عليه في المحادثات، لاسيما تلك الثنائية بين الرئيسين الروسي والتركي.
وقال أردوغان في الكلمة الافتتاحية للقمة إن الدول الثلاث المشاركة نجحت في الحفاظ على روح مسار أستانة رغم كافة التحديات.
وأضاف أن الشعب السوري في انتظار أخبار سارة منا خلال هذه القمة. مشيرا إلى وجود أطراف تسعى لاستمرار الصراعات في سوريا، بقوله “بينما نسعى لوقف نزيف الدماء في سوريا، ثمة آخرون يعملون سرا وعلانية على استمرار النزاعات”.
من جانبه، قال بوتين إن “حالة عدم الاشتباك سائدة حاليا على مساحة كبيرة من الأراضي السورية، وهذا نتاج جهودنا الإيجابية والملموسة”.
وأضاف “نبذل جهودا مشتركة مع تركيا وإيران لإعادة الحياة إلى طبيعتها في سوريا”. وأشار إلى أن “مسار أستانة أدى إلى عملية تسوية سياسية دائمة للأزمة السورية”.
غير أن هذا الكلام الدبلوماسي لا يخفف من حالة التشنج في مقاربة ملف إدلب بين روسيا وتركيا.
وقال بوتين إن التحركات العدوانية التي يقوم بها المتشددون لن تمر دون عقاب، وإن المنطقة منزوعة السلاح هي مجرد إجراء مؤقت.
وقبل ذلك، أوضح الكرملين أن صبره على تركيا بشأن اتفاق مشترك لفرض منطقة منزوعة السلاح في شمال غرب إدلب بدأ ينفد.
وأبرمت موسكو وأنقرة الاتفاق في سبتمبر الماضي، حيث قال البلدان إنهما يريدان إخلاء المنطقة من الأسلحة الثقيلة والمتشددين. وقد ساهم الاتفاق في تجنب هجوم للقوات الحكومية في المنطقة، آخر معقل رئيسي لمعارضي الأسد.
وقال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، إن موسكو تريد تحركا جديا في إدلب وأشار إلى “استمرار وجود الجماعات الإرهابية هناك”.
وترى مصادر دبلوماسية أن بوتين يحتاج إلى تنفيذ تركيا ما تم الاتفاق عليه لجهة التعامل مع حالة إدلب التي صارت هيئة تحرير الشام، العنوان الجديد لتنظيم النصرة، تسيطر عليها بشكل شبه كامل بعد تمكنها من السيطرة على كافة المناطق التي كانت تنظيمات أخرى تابعة للجيش السوري الحرّ تهيمن عليها.
وتعتبر موسكو أن إنهاء أمر إدلب صار شرطا لترتيب وضع نهائي في سوريا يواكب الجهود المبذولة لإنتاج تسوية سياسية. وترى موسكو أن أمر ذلك من شأنه إقناع المجتمع الدولي، لاسيما الدول الغربية، بالرؤية التي تسوق لها موسكو للتسوية السورية.
وقال بيسكوف إن “تطبيق القرار في إدلب هو أحد المكونات الكلية في سياستنا لاستقرار سوريا وبالطبع تهيئة الظروف لمضي الأمور في اتجاه تسوية سياسية”، مضيفا أن بوتين سيضغط على أردوغان بخصوص هذا الشأن.
وينقل عن مراقبين في تركيا أن الموقف الروسي لن يكون مستساغا لدى أردوغان الذي يودّ الاستفادة من الانسحاب الأميركي من مناطق شمال شرق الفرات ومن موافقة ترامب على إقامة منطقة عازلة، من أجل تثبيت بقاء شرعي يحظى برعاية الدول الكبرى للقوات التركية في شمال سوريا.
وتريد تركيا إنشاء ما تطلق عليه منطقة آمنة في شمال شرق سوريا، الذي تسيطر القوات الأميركية على بعض أجزائه في الوقت الراهن، كما تريد إخلاء المنطقة القريبة من حدودها من وحدات حماية الشعب الكردية التي تدعمها الولايات المتحدة.
العرب