شيرين عبادي، شهدخت دجفان، مرجان ساترابی، سحر دليجاني، آذار نافيسي… والقائمة تطول لتشمل العديد من الكاتبات والناشطات الإيرانيات اللواتي استطعن مغادرة إيران بعد أن أفرد النظام قيوده على كل الحريات، وبشكل خاص على حرية المرأة وألغى حقوقها وحدّد تحركاتها ومهامها. مؤخرا، أضيف إلى هذه القائمة الطويلة اسم آخر هو اسم أعظم جنجروي، رمز احتجاجات 2017، وهي الشابة الإيرانية التي ظهرت مكشوفة الرأس واقفة على أحد صناديق الكهرباء ملوّحة بحجابها، وسط تظاهرة عارمة بأحد أكبر شوارع طهران، في خطوة جريئة فجرت 40 سنة من الغضب.
طهران – كان قلب أعظم جنجروي يخفق بشدة حينما اعتلت سطح صندوق محوّل كهربائي في شارع الثورة الرئيسي بطهران. وازدادت قوة دقات قلبها بينما كانت تنزع حجابها عن رأسها وتلوّح به في الهواء مثل العلم، في مشهد من أقوى مشاهد الاحتجاجات التي شهدتها إيران سنة 2017.
وتجمع الناس حولها وصرخ فيها البعض وطالبوها بالنزول. كانت الشابة الإيرانية تعرف أن الاعتقال مصيرها، لكن في تلك اللحظة الفارقة كان عليها فعل ذلك، وهي تفكر في ابنتها البالغة من العمر ثماني سنوات، والتي تتمنى لها أن تعيش في إيران مختلفة عمّا عاشت هي فيها.
مضى أكثر من عام على تلك الحادثة، لكنها بقيت راسخة تتصدر الذاكرة، حضر كلّ حديث عن الاحتجاجات في إيران وعن وضع المرأة في هذا البلد، الذي قمعها وأغرقها بكل القوانين الزجرية الكاتمة لحرياتها وحياتها.
بعد احتجاجها أُلقي القبض عليها وفُصلت عن وظيفتها في معهد أبحاث، وحُكم عليها بالسجن ثلاث سنوات بتهمة الحض على الفسق ومخالفة الشريعة الإسلامية عمدا. وهددت المحكمة بحرمانها من ابنتها لكنها تمكنت من الهروب من إيران مع ويانا قبل أن تبدأ فترة سجنها. وقالت “وجدت مُهرّب بشر بشق الأنفس. حدث كل شيء بسرعة كبيرة.. تركت حياتي وبيتي وسيارتي”.
تنتظر جنجروي الرد على طلب لجوء. وتقول، في مقابلة مع وكالة فرانس برس، في شقة بمكان غير معلوم خارج إيران، وهي تستعيد ذكريات ما جرى “ظللت أردد لنفسي “لا يجب أن تكبر ويانا في نفس الظروف التي نشأت فيها بهذا البلد”. وتضيف “ظللت أقول لنفسي “يمكنك القيام بذلك، يمكنك القيام بذلك”… كنت أشعر بنوع خاص من القوة. كان الأمر كما لو أنني لم أعد هذا الجنس الثانوي”.
وأثناء حديثها تحدّثت جنجروي بأنها أقدمت على تصرفها هذا بعد إلقاء القبض على امرأتين لنفس السبب وفي ذات الشارع. تقول “ما فعلناه جعل هذه الحركة تستمر”.
وبينما كانت الناشطة الإيرانية تتحدث كانت ابنتها ويانا ترسم رسومات لأمها وهي تلوّح بغطاء رأسها الأبيض.
بوادر تمرد
في 8 يناير 1936، أعلن شاه إيران رضا بهلوي قرارا يقضي بمنع الحجاب، في خطوة ثورية لقيت ترحيبا كبيرا في الأوساط الإيرانية، وأعقبتها قرارات أخرى منها قوانين تتعلق بالحق في التعليم وحماية الأسرة والسن الدنيا للزواج ونزع حق الطلاق من الزوج ومنحه إلى المحكمة، وتقييد تعدد الزوجات.
لكن، بعد قيام الجمهورية الإسلامية في سنة 1979، ألغيت كل هذه القوانين، وأعيدت الإيرانيات إلى عصور غابرة، حيث أكد النظام الجديد على “ضرورة الالتزام بالقيم الإسلامية، التي تطالب المرأة بإعطاء الأسبقية لدورها كأم وزوجة على رغبتها في أن تصبح قاضية وسيدة أعمال ورئيسة في العمل”. وفي غضون عامين، أصبح ارتداء الحجاب إلزاميا في الأماكن العامة. ومنعت النساء من مزاولة بعض المهن والرياضات والفنون.
وظلت المرأة الإيرانية على مدى أربعين سنة تحكم بسوط نظام ولاية الفقيه وتواجه صنوفا من التمييز والتهميش على جميع المستويات، فضلا عن فرض قيود على حريتها الشخصية. لكن، تلوح بوادر تمرد من خلال الشجاعة التي أظهرتها جنجروي، وغيرها من الإيرانيات اللاتي خرجن خلال التظاهرات وقد علت أصواتهن.
وكانت بعض بوادر التغيير والقلق الاجتماعي تظهر بوضوح في شوارع طهران، حيث ترتدي بعض الشابات الحجاب الذي تفرضه الدولة على رؤوسهن لكن بشكل غير محكم. وتتركه البعض منهن ينزلق إلى أكتافهن أثناء القيادة، كما الصور التي تعرضها الإيرانيات في مواقع التواصل الاجتماعي.
وتقول منظمة العفو الدولية إن جنجروي كانت من بين 39 امرأة على الأقل ألقت السلطات القبض عليهن في احتجاجات ضد الحجاب. وتضيف أن 55 شخصا آخرين محتجزون لمواقفهم من أجل حقوق المرأة من بينهم نساء حاولن دخول ملعب لكرة القدم بصورة غير قانونية ومحامون مناصرون لقضايا المرأة.
تغييرات مؤثرة
ذكرت منصورة ميلز، الباحثة في الشأن الإيراني بمنظمة العفو الدولية، أن السلطات “ذهبت إلى أقصى مدى وبصورة غير معقولة لوقف حملتهن… مثل تفتيش بيوت الناس بحثا عن شارات مكتوب عليها “أنا ضد الحجاب القسري””. وهذه الشارات جزء من جهود متواصلة لإلقاء الضوء على قضية الحجاب إلى جانب حملة تدعو النساء إلى ارتداء أغطية رأس بيضاء أيام الأربعاء.
وتؤكد هالة اسفندیاري، السجينة السياسية السابقة، أن “التحول في إيران سيأتي على أيدي النساء”. وتروي اسفندیاري في حوار مع مجلة فورين بوليسي عن التغييرات التي رصدتها في المجتمع الإيراني خلال زياراتها المتقطعة إلى عائلتها في إيران، مشيرة إلى أن هناك تغييرات قد لا تبدو واضحة للعيان لكنها مؤثرة في العمق.
تتحدث اسفندیاري عن تجربتها قائلة “بمجرد عودتي، بعد سقوط نظام الشاه، فوجئت بما رأيت في الشوارع. رأيت نساء يرتدين معاطف طويلة ذات ألوان داكنة. والأوشحة السوداء تغطي رؤوسهن. ولا تضع النساء أي ماكياج”.
كانت اسفندیاري تذهب ثلاث أو أربع مرات في السنة إلى إيران. وكانت تراقب تطور ملابس النساء، وكيف أصبحت المعاطف أقصر وأقصر، والشابات يخرجن إلى الشارع بالماكياج، ويظهرن أظافرهن المصبوغة وجزءا كبيرا من أرجلهن في الصيف، ويعمدن إلى إظهار غرّاتهن.
هالة اسفندیاري ترى أن التغيير في إيران سيأتي على أيدي النساء
وتضيف “كان إحساسي منذ المرة الأولى التي عدت فيها إلى إيران وبدأت الحديث مع النساء، أنه إذا كان هناك أي تغيير في هذا المجتمع، فسيكون بسبب ضغط النساء من أجل التغيير؛ يتم جلد المرأة إذا أظهرت قليلا من الشعر، وضعت النساء في السجن لأنهن كن برفقة رجال ليس لهن صلة بهم. ومع ذلك، كانت النساء هن المجموعة التي وقفت في الأيام الأولى للثورة في إيران”.
على الرغم من الجهود التي تبذلها الدولة لتفكيك الحركة النسائية، فقد تحملت وتكيفت مع مختلف الأزمنة.
وتؤكد اسفندیاري “حاولوا فصل الجامعات وحظروا على النساء البعض من مجالات التعليم مثل الزراعة. لكنهن قاومن. أصررن على حقوق متساوية في الجامعة من خلال الالتماسات، والمظاهرات، وحتى مجرد حضورهن. غالبية الملتحقين بالجامعات الآن هن من النساء. لقد تعلمت النساء، وأصبحن على اتصال بالعالم الخارجي عبر الإنترنت، في إنستغرام وتليغرام، أو أي موقع آخر. النساء لا يخفن. وضعوهن في السجن، ثم خرجن وتحدثن”.
وتقول المحللة في وكالة بلومبيرغ، كرستين ثوريا بتمنغليشبي، “قبل أربعين عاما، وقف ائتلاف واسع من النساء الإيرانيات من مختلف الأطياف الاجتماعية جنبا إلى جنب مع الرجال لتخليص البلاد من الشاه. واليوم، تفشل الجهود التي يبذلها النظام الإيراني لتفكيك الحركة النسائية، التي تحملت وتكيفت مع مختلف الأزمنة”.
العرب