قبل خمسة أعوام، وصل الشاب يحيى العسيري إلى المملكة المتحدة في مهمة دراسية، ولكنه ما لبث أن فاجأ السلطات في لندن بطلب منحه حق اللجوء والأمان.
ولا ينتمي العسيري لأي من الدول المصدرة للاجئين في أفريقيا والشرق الأوسط، إنما يحمل جنسية المملكة العربية السعودية وسبق أن عمل ضابطا في القوات الجوية.
وحتى عهد قريب كان طلب السعوديين للجوء في الخارج أمرا نادرا، كونهم ينتمون لأكبر دولة نفطية في العالم وهي تطبق إجراءات أمنية مشددة، مما يعني أن بإمكانها إغراء المعارضين أو قمعهم ومنعهم من السفر إذا تعذرت استمالتهم.
وفي 1993، كان عدد اللاجئين السعوديين في الخارج لا يتجاوز ثلاثة أشخاص يقيمون في بريطانيا ولبنان والأردن.
وفي 1994، سار على درب اللجوء عالم الفيزياء النووية محمد المسعري، فتسلل إلى اليمن ومنها إلى بريطانيا حيث خاض معركة حقوقية شرسة انتهت بمنحه حق اللجوء.
لاحقا اتسعت دائرة لجوء السعوديين، وفي الفترة بين 2011 و2014 وصل عددهم إلى 211 شخصا.
ومثل يحيى العسيري، طلب العديد من الشباب السعودي حق اللجوء في الخارج، بحجة تعرضهم للقمع وانتهاك حرياتهم والخوف على حياتهم إذا ما عادوا إلى وطنهم.
الأمير والرعب
وتوضح بيانات المنظمات الحقوقية الدولية أن طلبات اللجوء السعودي شهدت تصاعدا مذهلا منذ هيمنة الأمير محمد بن سلمان على الشأن العام في المملكة، إثر تعيينه وليا لولي العهد في 2015 وترقيته لاحقا إلى منصب ولي العهد منتصف 2017.
وقد أعلنت منظمة العفو الدولية أن أعداد السعوديين المتقدمين بطلبات لجوء على مستوى العالم آخذة في الزيادة، معتبرة ذلك مؤشرا على تدهور الحريات في السعودية.
وفي تقرير حديث، نقلت وكالة الأنباء الألمانية عن متحدث باسم المنظمة أن عدد السعوديين اللاجئين في الخارج تضاعف ثلاث مرات في عام 2017.
ويشير المسؤول الحقوقي إلى “أن العدد المتنامي لطالبي اللجوء السعوديين وقمع ناشطين ومنتقدين للحكومة، يعد علامة تحذيرية لوضع حرية الرأي في المملكة”.
وبحسب بيانات الهيئة الأوروبية للإحصاء، فإن عدد السعوديين الذين تقدموا بطلبات لجوء إلى ألمانيا وحدها خلال الأعوام الأربعة الماضية بلغ نحو 180 شخصا.
وقد بلغ عدد اللاجئين السعوديين نحو 700 شخص على مستوى أوروبا، مقابل 210 فقط في الفترة بين 2011 و2014.
أرقام ناقصة
وسبق أن كشفت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أن عدد طالبي اللجوء السعوديين تضاعف في عام 2017 بنسبة 318% مقارنة بعام 2012، حيث وصل إلى نحو 815 مقابل أقل من مئتين عام 2012.
وتشير بيانات مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين إلى أن عدد اللاجئين وطالبي اللجوء السعوديين عام 2017 بلغ 2392 شخصا.
وتظهر البيانات أن خمسة بلدان استضافت غالبية اللاجئين وطالبي اللجوء السعوديين عام 2017، وهي الولايات المتحدة (1143) وكندا (453) وأستراليا (191) والمملكة المتحدة (184) وألمانيا (147).
وقبل نحو شهر، قالت مجلة إيكونوميست البريطانية إن طلبات اللجوء التي تسجلها المفوضية لا تعكس الحقيقة كاملة، إذ إن طلب اللجوء خطوة لا يجرؤ على اتخاذها الكثير من السعوديين غير الراضين عن الأوضاع داخل المملكة.
وتستدل المجلة على ما ذكرته بحالة الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي تمت تصفيته داخل قنصلية في بلاده في إسطنبول في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ولم يعثر على جثته حتى الآن.
وتوضح الإيكونوميست أن خاشقجي لم يطلب اللجوء لأنه لم يكن يرى نفسه معارضا للنظام السعودي، ولكنه هرب إلى الولايات المتحدة خوفا على نفسه من الأذى بسبب كتاباته المنتقدة لبعض سياسات بلده.
زنازين العودة
ويخشى طالبو اللجوء من مصير أعداد كبيرة من الناشطين والحقوقيين الذين تعتقلهم السلطات السعودية ويواجه بعضهم أحكاما قاسية تصل إلى الإعدام.
ولا تتوفر أرقام رسمية عن أعداد سجناء الرأي في السعودية، ولكن التقارير الحقوقية والصحفية تتحدث عن اعتقال آلاف من نشطاء حقوق الإنسان والكتاب والمناصرات لحقوق المرأة.
وقبل أسبوعين قالت “سي أن أن” الأميركية إن طلب اللجوء في الخارج صار غاية منشودة لكثير من السعوديين “بسبب حملة ولي العهد محمد بن سلمان لقمع المعارضة في المملكة”، وفقا لما نقلته عن ناشطين ومحللين.
وأشارت في تقرير طويل إلى أن ارتفاع عدد اللاجئين وطالبي اللجوء السعوديين حدث بعد 2015، وهي السنة التي برز فيها الأمير محمد بن سلمان في المشهد السياسي بالمملكة.
وتعليقا على الأرقام الحديثة، قال الباحث في منظمة هيومن رايتس ووتش آدم كوغل “هناك أشخاص يفرون من القمع السياسي، وهذا يمكن ربطه بسهولة شديدة بمحمد بن سلمان وما فعله. وأعتقد أن الرقم الذي تراه هنا (عدد اللاجئين) يعكس ذلك”.
المصدر : الجزيرة + وكالات,مواقع إلكترونية