العمليات الإرهابية في مصر مادة للتوظيف السياسي بين الحكومة وخصومها

العمليات الإرهابية في مصر مادة للتوظيف السياسي بين الحكومة وخصومها

ردت الشرطة المصرية على مقتل ثلاثة من عناصرها، وإصابة ضابطين وثلاثة مدنيين إثر تفجير انتحاري لعبوة ناسفة بالقرب من جامع الأزهر، مساء الاثنين، بعملية واسعة في سيناء حصدت 16 إرهابيا، وضبط كمية كبيرة من المتفجرات والأسلحة، صباح الثلاثاء، ما يؤكد أن المواجهة لا تزال ممتدة.

وأوضحت وزارة الداخلية في بيان لها، الثلاثاء، أنه في إطار جهود البحث عن مرتكب واقعة إلقاء عبوة بدائية لاستهداف فوج أمني أمام مسجد الاستقامة بالجيزة (غرب القاهرة) الجمعة الماضي، أسفرت عمليات تتبع خط سير مرتكب الواقعة عن تحديد مكان تواجده في منطقة الدرب الأحمر، قرب جامع الأزهر، بوسط القاهرة، وقامت قوات الأمن بمحاصرته وحال السيطرة عليه انفجرت إحدى العبوات الناسفة التي كانت بحوزته وصُرع.

ويعد حادث الدرب الأحمر في منطقة الأزهر، ثالث هجوم تشهده البلاد خلال 4 أيام، حيث وقع تفجير محدود في الجيزة، تلاه استهداف حاجز أمني في شمال سيناء أدى إلى مقتل وإصابة 15 عسكريا، والقضاء على سبعة إرهابيين.

وطرح تزايد وتيرة العمليات الإرهابية بعد فترة من الهدوء النسبي الكثير من التساؤلات حول أسبابها خاصة لتزامنها مع مناقشة البرلمان لتعديلات دستورية تثير الانقسام في الشارع، وفتح غياب التفسيرات ومنطقية الترابط بين الحوادث بابا أمام الاستغلال السياسي لتلك الوقائع في صالح وجهة نظر معينة.

وكانت العمليات الإرهابية قد شهدت تراجعا ملحوظا العام الماضي مقارنة بالأعوام السابقة.

وظهر إصرار تنظيم الدولة الإسلامية على إعلان مسؤوليته عن الأحداث كمحاولة لنفي فكرة انهياره نتيجة العملية الشاملة للجيش المصري التي بدأت في فبراير العام الماضي.

وجاء توقيت الهجوم المنظم على كمين الصفا بالقرب من مطار العريش، الأسبوع الماضي، ليوحي بالرغبة في بعث رسالة مفادها أن التنظيم لا يزال حاضرًا وبقوة.

وأكدت حسابات تابعة لداعش على مواقع التواصل الاجتماعي أن الحسن عبدالله صاحب هجوم الجيزة والدرب الأحمر، هو أحد عناصره، ونشر التنظيم الجهادي مقاطع مصورة تبين لحظة الهجوم على الارتكاز الأمني في سيناء لتأكيد روايته.

ويرى البعض من المراقبين أن التطورات الأخيرة تدعم موقف الحكومة نحو حاجتها إلى المزيد من الأدوات في المواجهة المفتوحة مع المتطرفين. ويأتي ضمن تلك الأدوات تشديد القبضة الأمنية عبر وسائل تشريعية ولوجستية، وظهر ذلك بعد أن تقدم برلمانيون بمشروعات توفر لرجال الأمن المزيد من الصلاحيات للتعامل بشكل أفضل مع الإرهابيين في المناطق المزدحمة بالسكان.

وأشار نائب رئيس حزب حماة وطن (مؤيد للحكومة)، اللواء محمد الغباشي لـ“العرب” إلى أن صعوبة تحديد توقيتات زمنية للانتهاء من الحرب على الإرهاب تدفع باتجاه المزيد من الاستغلال السياسي للحوادث الإرهابية، ولا ينفي أن هناك تقدما حدث في ما يتعلق بالقضاء على العناصر الخطرة وأن معدل العمليات الإرهابية انخفض كثيرا. وأضاف لـ“العرب” أن المعركة مع المتشددين تقوم بشكل أكبر على الوعي، ومتوقع أن تزيد هذه العناصر من خطاباتها الموجهة للمواطنين للتأكيد على فشل الحكومة في المواجهة.

ولم تتخل جماعة الإخوان عن نهجها الثابت منذ عزلها عن السلطة في مصر عام 2013 باستغلال كل حدث أمني وسياسي واجتماعي واقتصادي لصالحها.

وزعمت قيادات إخوانية في تفسيرها للحوادث الأخيرة أنها “صناعة أمنية لامتصاص غضب الشارع من التعديلات الدستورية وتمريرها دون معارضة حقيقية”. وهو ما يرد عليه قريبون من الحكومة، بأن هذا يتسق مع ذهنية الجماعة المتبنية لنظرية المؤامرة. وحاولت جماعة الإخوان توظيف الأحداث الأخيرة للحصول على شرعية سياسية لتحسين صورتها المرتبكة والمتراجعة بالتلميح إلى أن ما تعيشه مصر يدعم مسار الجماعة في خلق ظهير سياسي معارض في الخارج ضد الحكومة.

وقال خالد الزعفراني، القيادي الإخواني المنشق، إن التنظيمات الإسلامية تستغل الحوادث الإرهابية لصالحها كالعادة، لتأكيد أن إفساح المجال أمام عملها وتواجدها بشكل شرعي هو السبيل الأوحد للقضاء على العناصر المتطرفة ومحاولة احتوائها.

وأوضح لـ“العرب” أن تنظيم الإخوان يوظف العمليات الإرهابية للإيحاء بأنه ينتهج الوسطية، في حين أن العديد من العمليات التي لا تتبناها جماعات إرهابية مباشرة تحمل بصمات الخلايا المسلحة المنبثقة عن الإخوان.

وأشار إلى أن المتطرفين يستغلون خطاب الكراهية الذي تبثه وسائل الإعلام للنفاذ إلى عقول الشباب وإقناعهم برؤية المتطرفين المتشددة، وقد يكون ذلك من الأسباب التي تدفع إلى استمرار العمليات الإرهابية، وتصبح أحد الأسانيد التي ترتكز عليها التنظيمات لتبرهن على تواجدها وعدم خروجها من المعادلة الأمنية والسياسية بشكل كامل.

وعمدت الكثير من العناصر المتطرفة في السنوات الماضية إلى ترسيخ فكرة أن الحكومة هي المستفيد الوحيد من تلك العمليات، في محاولة لإبعاد التهمة عنها، ووجد ذلك رواجا بين الفئات التي تلفظ كل ما هو مرتبط بالحكومة.

وشرح حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن الاستغلال السياسي للعمليات الإرهابية ترتكز عليه قوى المعارضة لتبرهن على عدم كفاءة الحكومة.

وأوضح لـ“العرب”، قائلا إن الخطورة تكمن في أن توظيف المعارضة أكثر تأثيرا وانتشارا في الشارع المصري، لطول أمد الحرب على الإرهاب، ما يجعله يترسخ في عقول المواطنين، لأن الكثير منهم يعانون من صعوبة الأوضاع المجتمعية وغلاء الأسعار، فيما لم تحقق الحكومة الكثير من وعودها بشأن تحقيق الرخاء الاقتصادي الذي وعدت به عند تطبيق إجراءات الإصلاح.

وتجد المعارضة متنفسا للتحرك عبر تصدير خطاب سياسي يركز على نقاط الضعف بالنسبة إلى الحكومة، وما يساعد على ذلك أن بحوث تقييم عملها على مستوى مكافحة الإرهاب تبقى غائبة في ظل شح المعلومات الموثقة بشأن العمليات الإرهابية.

العرب