بوتين يفتح سباق تسلح جديد مع الولايات المتحدة

بوتين يفتح سباق تسلح جديد مع الولايات المتحدة

وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تهديدا مبطنا للولايات المتحدة، مبشرا بسباق تسلح جديد ينتهي باستهدافها، في أعقاب تعليق واشنطن العمل بالمعاهدة النووية، التي قد ينتهي معها الهدوء الذي ساد القارة العجوز منذ عقود، فيما يحاول الرئيس الروسي طمأنة مواطنيه بشأن أوضاعهم المعيشية عن طريق اتخاذ حزمة من الإجراءات يرى فيها مراقبون مجرد مسكنات لن يطول مفعولها أمام غياب حلول حقيقية لكبح دائرة الفقر المتنامي.

موسكو – أبدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء في خطاب الاتحاد، استعداده لنشر أسلحة روسية جديدة ضد العواصم الغربية والصواريخ الأميركية المتمركزة في أوروبا، فيما توجه إلى الروس، مؤكدا رغبته بتحسين مستوى معيشتهم.

وبعد أن أكد في مستهلّ خطابه السنوي أمام البرلمان إرادته التركيز على الوضع الاقتصادي والاجتماعي وفصّل المساعدات التي ستُقدم إلى عدد كبير من العائلات ووضع المستشفيات والمدارس، شنّ هجوما شرسا على الولايات المتحدة كما فعل في العام الماضي، ردا على نشر منظومات صاروخية أميركية جديدة في أوروبا.

وفي أقوى تصريحاته حتى الآن بشأن سباق تسلح جديد محتمل، قال بوتين إن روسيا لا تسعى للمواجهة ولن تبادر بنشر الصواريخ ردا على قرار واشنطن هذا الشهر الانسحاب من معاهدة تاريخية للحد من التسلح تعود إلى فترة الحرب الباردة.

وردا على ذلك، أعلن بوتين أن موسكو ستعلق مشاركتها في المعاهدة وستبدأ العمل على نوع جديد من الأسلحة قد تشكل خرقا للمعاهدة، حيث يرى محللون أن التخلي عن المعاهدة يشير بشكل فعلي إلى بدء سباق تسلح جديد.

وأنهت المعاهدة، التي وقعها عام 1987 الرئيس الأميركي رونالد ريغان والزعيم السوفييتي ميخائيل غورباتشوف، أزمة بشأن صواريخ باليستية نووية ذات رؤوس نووية تستهدف العواصم الغربية. واتهمت الولايات المتحدة مرارا روسيا بانتهاك معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى عبر تطوير أسلحة محظورة. وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب هذا الشهر بدء واشنطن عملية الانسحاب من المعاهدة.

116.6 مليار دولار نفقات التسلح لثلاثة أعوام مقبلة، فيما يرزح 19 مليون نسمة تحت خط الفقر

وقال بوتين إن “روسيا لا تعتزم أن تكون الأولى في نشر مثل هذه الصواريخ في أوروبا، في حال طوّرتها الولايات المتحدة ونشرتها في أوروبا، فهذا الأمر سيفاقم بشكل كبير الوضع الأمني الدولي، وسيخلق تهديدات جدية لروسيا”.

واتهم بوتين الولايات المتحدة باستخدام “اتهامات خيالية بحق روسيا لتبرير انسحابها الأحادي من المعاهدة”، محذرا من أن روسيا “مستعدة للمفاوضات” إلا أنها لا تنوي “قرع باب مغلق”.

وعرض الرئيس الروسي مطوّلا التقدم المحرز في تطوير الأسلحة الجديدة، واصفا إياها بأنها صواريخ “لا تُهزم” و”تفوق سرعتها سرعة الصوت”، وغواصة نووية جديدة، وكان قد عرضها بالتفصيل في خطاب العام الماضي أمام البرلمان قبل أسبوعين من إعادة انتخابه رئيسا بنسبة 76 بالمئة من الأصوات.

وأعلن ليونيد غورنين، نائب وزير المالية الروسي، أن ميزانية البلاد للأعوام الثلاثة المقبلة قد رصدت 6.8 تريليون روبل (حوالي 116.6 مليار دولار) لتغطية متطلبات الأمن القومي والدفاع.

وذكر غورنين أن ميزانية الدفاع سوف تتوزع على الأعوام الثلاثة المقبلة على النحو التالي: تريليونان و271 مليارا للعام 2018، وتريليونان و228 مليارا لعام 2019، وتريليونان و295 لعام 2020.

وبعد أقلّ من عام، كانت نسبة شعبية بوتين البالغ 66 عاما، بحسب مركز “ليفادا” المستقلّ، 64 بالمئة في يناير وهي الأدنى منذ ضمّ القرم منذ خمس سنوات، مقابل 80 بالمئة أثناء إعادة انتخابه منذ أقلّ من عام.

وبحسب استطلاعات أجراها المركز نفسه مؤخرا، يعتبر 55 بالمئة من الروس الرئيس شخصيا “مسؤولا” عن مشاكل البلاد، حيث تجاوزت نسبة الروس المتشائمين بشأن الوضع في البلاد 45 بالمئة.

وبعد أقل من عام على إعادة انتخابه لولاية رابعة بنسبة أصوات غير مسبوقة خلال عشرين عاما في الحكم، رأى الرئيس الروسي شعبيته تتراجع إلى أدنى مستوياتها منذ ضمّ شبه جزيرة القرم عام 2014، تحت تأثير رفع سنّ التقاعد وزيادة في الأول من يناير في الضريبة على القيمة المضافة.

ورغم الانتعاش الاقتصادي، لا تزال قدرة السكان الشرائية التي هي في الأصل متدنية، تميل إلى الانخفاض، لذلك أثار إعلان إصلاح سنّ التقاعد ورفع الضريبة على القيمة المضافة من 18 بالمئة إلى 20 بالمئة، غضب الروس.

وقال بوتين “الفقر يسحق الناس. 19 مليون شخص يعيشون اليوم تحت خط الفقر، هذا كثير”، مضيفا “يجب عدم الانتظار بل تحسين الوضع اعتبارا من الآن بدءا من هذا العام يجب أن يشعر الروس بتحسّن”.

ولدعم النشاط الاقتصادي، كشفت الحكومة في مطلع فبراير عن خطتها البالغة قيمتها 385 مليار دولار مع مشاريع بنى تحتية كبيرة، إلا أن النمو الاقتصادي يُتوقع أن يتباطأ هذا العام. وحدّد بوتين كهدف رفع إجمالي الناتج المحلي أكثر من 3 بالمئة عام 2021، مقابل 3.2 بالمئة عام 2018.

ودفع المستوى العالي للإنفاق العسكري في روسيا خلال السنوات الماضية، إلى انتقاد واسع في الداخل الروسي، وهو ما شكل ضغطا سياسيا على الرئيس بوتين في دولة يعاني اقتصادها ويعتمد بشكل كبير على الصادرات النفطية.

وبحسب الإحصاءات الرسمية الروسية، فإن عدد الروس الذين يعيشون تحت عتبة الفقر اقترب السنة الماضية من 20 مليون شخص، أي 13 بالمئة من السكان وبزيادة ثلاثة ملايين ونصف المليون مقارنة مع عام 2014، إلى جانب تراجع كبير بمعدل عشر سنوات بالنسبة لتحسن مستوى معيشة السكان بعد تقدم كبير سُجل في مطلع سنوات الألفين.

ويعاني الاقتصاد الروسي من أزمة اقتصادية خانقة نتيجة عملية ركود واسعة في البلاد. وينزلق المزيد من المواطنين الروس نحو هاوية الفقر على خلفية العقوبات الغربية، وتهاوي أسعار النفط التي ضربت القطاع الاقتصادي الروسي، خصوصا وأنه اقتصاد يعتمد بشكل أساسي على الطاقة، مما تسبب في تراجع المقدرة الشرائية للعملة المحلية.

العرب