أول قمة عربية أوروبية: توقعات دون حجم القضايا المطروحة

أول قمة عربية أوروبية: توقعات دون حجم القضايا المطروحة

تستضيف مدينة شرم الشيخ المصرية، الأحد، فعاليات القمة العربية الأوروبية الأولى. ويشارك في القمة حضور رفيع المستوى من رؤساء الدول والحكومات والوزراء. ومع ذلك، لا يعكس هذا الحضور الكثير من التفاؤل بشأن حلحلة بعض الملفات الإقليمية والدولية المعقّدة، مع فشل قمم دولية مماثلة، أحدثها قمتا وارسو وميونيخ، في تقديم تطورات ملموسة على مستوى الملفات الأمنية والسياسية التي اقتربت منها، علاوة على الانشغال الواضح لدى غالبية الدول بهمومها الداخلية على حساب القضايا الإقليمية.

وقالت الخارجية المصرية في بيان، إن القمة التي تعقد على مدار يومين تحت شعار “الاستثمار في الاستقرار” ستركز على “كيفية تحقيق الاستقرار في المنطقة، ومخاطر الإرهاب، وعملية السلام في الشرق الأوسط، إلى جانب موضوعات الهجرة غير الشرعية، وتدفقات اللاجئين إلى داخل أوروبا”.

كما حدد الاتحاد الأوروبي في بيان أهداف القمة في عدة نقاط، أهمها “تعزيز العلاقات المشتركة، ودفع التعاون بمجالات التجارة والاستثمار، والهجرة، والأمن، بالإضافة إلى الوضع في المنطقة”.

خطوة مهمة ولكن..
تحمل القمة في ظاهرها دلالة هامة، فهي أول قمة عربية أوروبية، لكن ظروف انعقادها والمرحلة الزمنية التي تنعقد فيها تجعلان أهميتها لا تتجاوز عتبة تميّزها باعتبارها التجربة الأولى، ودون ذلك لا يتوقع أن تحقق القمة أي اختراقات أو أن تأتي بمخرجات تاريخية لجهة تقديم رؤية مغايرة حيال ملفات متشابكة يتم تداولها في كل اجتماع عالمي تقريبا.

ويرجع المراقبون هذا الأمر لا فقط إلى كثرة الملفات المطروحة على القمة، مثل الهجرة والاستثمار والإرهاب والأمن والاستقرار والقضية الفلسطينية والأوضاع في سوريا وليبيا واليمن، بل بشكل أساسي إلى تبيان الرؤى ووجهات النظر بخصوص هذه الملفات بين المنطقة الواحدة، سواء الدول العربية في ما بينها أو الرؤى الأوروبية الداخلية، كما بين العرب والأوروبيين.

ويقول مارك بييريني، المحلل في مركز كارنيغي-أوروبا للأبحاث، والسفير السابق للاتحاد الأوروبي في تونس وليبيا، إن الرهان الرئيسي لقمة شرم الشيخ هو “إقامة حوار يكون له معنى بين الكيانين اللذين يواجه كل منهما تحدياته الخاصة”.

وأشار إلى أن هذا الاجتماع يأتي في وقت “ما زالت فيه الدول العربية تمرّ بتداعيات الثورات التي اندلعت عام 2011 (..) ووحدة الجامعة العربية ليست في أحسن حال”. وأضاف أن الاتحاد الأوروبي من جانبه “منقسم داخليا حول بعض مبادئه الجوهرية”.

وكشف تخبط بعض المسؤولين الأوروبيين حول ترتيب أولويات القمة، غلبة الشأن الداخلي لكل دولة وما يمسها بشكل مباشر على حساب الملفات المشتركة للتكتل الأوروبي أو الجامعة العربية، وهي مشكلة عطّلت الخروج بنتائج إيجابية في بعض المؤتمرات التي عقدت مؤخرا.

وذهبت بعض الملامح إلى أن أزمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) قد تكون محورا مهمّا غير معلن على هامش القمة مع حضور تيريزا ماي رئيس الوزراء البريطانية إلى جانب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في وقت تسابق فيه الأولى الزمن لتحقيق خروج آمن قبل نهاية مارس المقبل.

قمة شرم الشيخ تأتي في وقت ما زالت فيه الدول العربية تمر بتداعيات الثورات التي اندلعت عام 2011، ووحدة الجامعة العربية ليست في أحسن حال، والاتحاد الأوروبي من جانبه منقسم داخليا حول بعض مبادئه الجوهرية

وأكدت المفوضية الأوروبية أن قمة شرم الشيخ هي لقاء بين أعضاء الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي، ومن الصعوبة توقيع اتفاقات مع دول منفردة، ما يعني عدم وجود اتفاق بين الدول حول ملف ثابت أو رأي موحد بشأن قضية محددة.

وكشفت بيانات بعض الدول الأوروبية حجم التباين في الأهداف السياسية، فبينما رأت بعض الدول المنتمية لأوروبا الشرقية ضرورة التركيز على قضية الهجرة غير الشرعية، أبدت دول مثل إيطاليا اهتماما واضحا بالملف الليبي، المرتبط بمصالحها المباشرة.

ويبدو عدم التفاهم حول أجندة واضحة، ثغرة في وقت يرغب فيه الاتحاد الأوروبي بالظهور كقوة أكثر هيمنة على المستوى الدولي أمام تراجع الولايات المتحدة في المنطقة، وفراغ الساحة الإقليمية لصالح روسيا والصين، ما يخلق استقطابات متباينة.

وقالت نورهان الشيخ، أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن توالي المؤتمرات وتنوع الأطراف المشاركة يبرهنان على أن النظام الدولي في حالة سيولة شديدة، وموازين القوى مازالت تتشكل على أسس التغيرات الإقليمية التي صاحبت صعود قوى جديدة، وكل طرف يسعى لتأكيد نفوذه وقدرته على التأثير في ظل تعدد الأزمات وغياب أطر حلها.

وأضافت لـ“العرب”، أن الولايات المتحدة وبريطانيا تقودان تحالفا دوليا يسعى لتهميش النفوذ الروسي المتصاعد في العديد من القضايا، وهو أمر يتضح بغياب موسكو وحليفتها بكين عن مؤتمر وارسو، ومحاولة تهميش روسيا في مؤتمر ميونيخ للأمن، ويبدو أن قمة شرم الشيخ العربية الأوروبية تسير على النهج ذاته، ما لم تحدث مفاجآت غير متوقعة.

تجاهل روسيا
Thumbnail
يعرقل تجاهل روسيا الوصول إلى حلول سياسية قابلة للتطبيق في بعض الملفات الحاضرة في شرم الشيخ، وعلى رأسها الأزمة السورية، في وقت يحتاج فيه العالم إلى إجراءات واضحة بشأن التعامل مع الإرهابيين خصوصا مع اقتراب حسم معركة إدلب. وأوضحت الشيخ أن اختلاف الطرح العربي لحل أزمات المنطقة، وكذلك الأمر بالنسبة للدول الأوروبية، يدفع إلى خفض سقف التوقعات بشأن النتائج،

ويظهر ذلك من خلال تنبي بعض دول الاتحاد الأوروبي للحل البولندي الفضفاض في القضية الفلسطينية، ومعارضة أطراف أخرى تؤيد وجهة النظر الأميركية الساعية إلى تدشين صفقة القرن، كما تختلف الرؤية العربية لحل القضية الأم في المنطقة من دولة إلى أخرى، ما يصعّب الوصول إلى صيغة توافقية.

وما يسري على القضية الفلسطينية ينطبق أيضا على مكافحة الهجرة غير الشرعية والتعامل مع الإرهابيين، وتوفير سبل الأمن والاستقرار، وكلّها ملفات ذات أهمية قصوى للبلدان العربية والأوروبية. ويختلف الوضع العربي عن الأوروبي مع تعدد الأزمات الداخلية والخلافات الإقليمية بشكل يضاعف من صعوبة التوصل إلى آليات مشتركة لحل الملفات العاجلة.

ويتساءل بعض الخبراء كيف يمكن مناقشة ملفات شديدة التعقيد مثل القضية الفلسطينية دون وجود أطراف الأزمة في القمة مثل الولايات المتحدة وإسرائيل؟ وهل من الممكن الحصول على نتيجة في الأزمة السورية مع عدم وجود تمثيل من نظام بشار الأسد ومعارضيه؟

وقالت نهى بكر، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأميركية، إن تاريخ العلاقات العربية الأوروبية لم يفض إلى تعاون حقيقي من خلال تجارب سابقة، مثل الاتحاد الأورومتوسطي، والتعاون المتزايد مع حلف الناتو، لكنها في النهاية محاولات تسعى إلى كسب الدول العربية في صف الاتحاد الأوروبي في مشكلة مثل الإرهاب والهجرة غير الشرعية.

وأكدت لـ”العرب” أن الحضور القوي لزعماء الاتحاد الأوروبي في شرم الشيخ والاهتمام الأوروبي بمؤتمر ميونيخ للأمن، يبرهنان على أن هناك أولوية أمنية تسعى البلدان الأوروبية لتحقيقها بعيدا عن الملفات الإقليمية الأخرى التي قد تأتي على هامش النقاشات، بما يشي بأن المشكلات الأمنية الداخلية أضحت طاغية على الأزمات الإقليمية والدولية المفتوحة.

ويفرز تعدد المؤتمرات التي يغلب عليها الطابع الأمني تحدّيات أكبر بالنسبة للعالم العربي والذي سيكون أمام مهمة الحفاظ على استقرار المنطقة في ظل اختلاف الرؤى الأميركية والأوروبية بشأن القضايا العالقة، وهو أمر يظهر من خلال توجه واشنطن نحو تبني موقف عدائي من إيران، في حين أن البعض من الدول العربية والأوروبية تربطها مصالح بها.

ويؤدي غياب الرؤى الواضحة بشأن التعامل مع القضايا الأمنية في المؤتمرات الدولية على غرار مؤتمري ميونيخ ووارسو إلى وجود تعارض ربما يجهض ما توصلت إليه المشاركون، وهو أمر تحاول القمة العربية الأوروبية تحاشيه، لأنها تسعى إلى تحقيق موقف عام يتوافق عليه الجميع ويرتبط بوقف الصراعات في المنطقة العربية والتفاهم حول ضرورة تهدئة الأوضاع التي لها تداعيات على المنطقة الأوروبية.

ملفات بارزة على طاولة القمة

تعتبر الموضوعات الأمنية والاقتصادية الأبرز في أعمال القمة العربية الأوروبية الأولى، فيما تحدثت مصادر دبلوماسية عربية عن إدراج موضوعات اجتماعية على جدول القمة، ورغم عدم إعلانها عن تفاصيلها، فقد أكدت أنها “لا تقل أهمية عن الجانب السياسي”.

*الموعد وجدول الأعمال: تنطلق القمة العربية الأوروبية الأولى في منتجع شرم الشيخ السياحي على مدار يومي الأحد والاثنين 24 و25 فبراير الجاري. وتعقد الجلسة الافتتاحية لأعمال القمة مساء الأحد، تعقبها جلسة مفتوحة بين القادة المشاركين فيها، أو منصة حوارية للاتفاق على المسائل المهمّة التي سيتم البدء بتنفيذها. وتتواصل الجلسات في اليوم التالي (الاثنين)، على أن يعقد مؤتمر صحافي مساء ذات اليوم، وإعلان البيان الختامي..

*أبرز الحضور: قال رئيس وفد مفوضية الاتحاد الأوروبي بالقاهرة، إيفان سوركوش، إن 24 من رؤساء دول وحكومات البلدان الأعضاء بالاتحاد الأوروبي سيشاركون في القمة. وأضاف سوركوش في تغريدة عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي تويتر، أن “القادة الأوروبيين مهتمون بقوة بتعزيز التعاون مع جيراننا العرب”.

وأشار إلى أن “24 من أصل 28 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي ستحضر إلى شرم الشيخ لحضور القمة الأولى لدول الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية”، فيما قالت وسائل إعلام محلية مصرية إن 16 دولة عربية ستشارك في القمة. ويمثل الاتحاد الأوروبي في القمة دونالد توسك، رئيس المجلس الأوروبي، وجان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية، وفيديريكا موغيريني مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد. ومن أبرز الحضور المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، والرئيس الروماني كلاوس يوهانيس بصفته الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي، والرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس، ورئيس وزراء فنلندا يوها سيبيلا، ووزير الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون الإسباني، جوزيب بوريل، والمستشار النمساوي سيباستيان كورتز، وبيتر بيليجريني رئيس وزراء سلوفاكيا، ورئيس وزراء إستونيا يوري راتاس.

ومن بين القادة العرب المقررة مشاركتهم في القمة، العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح والعاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، والرئيس التونسي الباجي قائد السبسي والرئيس الفلسطيني محمود عباس والرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز والرئيس اليمني عبدربه منصور هادي والرئيس العراقي برهم صالح، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي فايز السراج، ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري. وأعلنت قطر عن تخفيض مستوى تمثيلها في القمة العربية الأوروبية التي تنطلق الأحد بمدينة شرم الشيخ المصرية، حيث يشارك مندوبها الدائم لدى الجامعة العربية، إبراهيم السهلاوي بالقمة.

وحسب الدبلوماسي، فإن القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية تتصدر جدول أعمال القمة، لافتا إلى أن القمة لا تتمحور حول قضية مكافحة الهجرة غير الشرعية، وهذا الملف لا يعدو كونه إحدى أجندتها. وخلال الأسابيع الماضية، قالت وسائل إعلام أوروبية، إن ملف مكافحة الهجرة هو الملف الأساسي على طاولة القمة، وإنها ستشهد توقيع اتفاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول شمال أفريقيا للتعاون حول الأمر.

وفي هذا الإطار، قال الدبلوماسي الأوروبي إن “القمة هي لقاء متعدد الأطراف بين أعضاء الجامعة العربية وأعضاء الاتحاد الأوروبي، ولذلك لن يتم توقيع أي اتفاقات مع دول منفردة على هامشها”. وأضاف أن الجانبين فرغا من اللقاءات التحضيرية للقمة، وبات كل شيء جاهزًا لانطلاقها، لكنّ الطرفين مازالا يعملان على الوثيقة الختامية التي ستصدر عنها.

ولفت إلى أن عقد أول قمة عربية أوروبية رفيعة المستوى في شرم الشيخ، يعد إشارة مهمة وخطوة في اتجاه تعزيز الشراكة بين التكتلين. وفي عام 2015 وقعت مُذكرة تفاهم بين الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية، وعلى أساسها يعقد الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية لقاءات مُنتظمة على مستويات مختلفة، ويتم تنظيم لقاءات لمسؤولين رفيعي المُستوى.

العرب