في 21 شباط/فبراير، أعلن البيت الأبيض أنّ 200 جندي أمريكي سيبقون في سوريا بصفة [قوّة لـ] “حفظ السلام” بعد انسحاب الجزء الأكبر من القوات الأمريكية كما كان مخططاً له مسبقاً. وكان الهدف من هذا الإعلان هو الإشارة إلى الالتزام الأمريكي المستمر تجاه الحلفاء السوريين وأعضاء التحالف. لكن من وجهة نظر عسكرية، لن يعوّض مئتا مستشارٍ عن خسارة المراقبين الأمريكيين على الأرض – وهي شبكة توفّر سياقاً مهمّاً لمعلومات الاستهداف الاستخباراتية المدروسة بدقة والمستخدَمة لتوجيه ضربات قوات التحالف الجوية والمدفعية على أهدافٍ تنظيم «الدولة الإسلامية».
عمليات الهجوم الحالية
تفرض العقيدة العسكرية الأمريكية أن تكون عملية الاستهداف قوية لتحقيق الآثار المنشودة والتقليل من العواقب غير المرغوب فيها. وينطبق هذا الأمر بشكلٍ خاص عند التعاطي مع الأهداف الديناميكية (على سبيل المثال، تلك المتحركة أو القابلة للنقل)، التي يتم التعرف إليها عادةً خلال سير القتال وتقتضي الاستهداف السريع. وتتركّز العمليات في سوريا على ضرب قوات تنظيم «الدولة الإسلامية» وحماية القوات الصديقة، لذا فإن معظم الأهداف ديناميكية.
هناك طريقتان واسعتان لتنفيذ الاستهداف الديناميكي:
“مراقبو مسارات الهجوم المشتركة” على الأرض. يمكن أن يتولى توجيهَ عملية الاستهداف “مراقبو مسارات الهجوم المشتركة” – وهم مجموعة أفراد مدرّبين بشكلٍ خاص وذوي مهارات عالية يتم نشرهم إلى جانب القوات البرية ويراقبون الأهداف مباشرةً بأعينهم الخاصة، عبر تقارير من القوات الشريكة المحلية المجاورة، أو من خلال التحكم ببث الشرائط المصورة من الطائرات الموجَّهة عن بُعد. وهم يزوّدون الطيارين بكافة المعلومات المطلوبة لضرب الهدف بشكلٍ فعّال وفقاً لقواعد الاشتباك المعتمَدة، مما يضمن صحة تقييم خطر الأضرار الجانبية وتوازنه مع المنافع العسكرية المتوقَّعة، ويضمن التقيّد بقانون النزاع المسلّح. وبسبب تواجدهم الأمامي، بإمكانهم قراءة المعركة بدقة أكبر، وتشغيل أجهزة الاستشعار الأرضية والطائرات التكتيكية بدون طيار ذات التحليق المنخفض التي تؤمّن مشاهدات أقرب للأهداف المحتملة تحت تغطية أفقية (مثل المظلات والجسور) أو في الأحوال الجوية السيئة. كما أنّ وجودهم يُطمئن القوات الشريكة من ناحية التزام الحلفاء الدوليين بالقتال.
خلايا الضربات عن بُعد. إذا لم يتواجد “مراقبو مسارات الهجوم المشتركة” على الأرض، بإمكان طاقم مؤهّل أن يوفّر دعم الاستهداف للطيارين عن بُعد، وتزويدهم بمعلومات استخباراتية وبيانات مراقبة إضافية مع مساعدتهم في الوقت نفسه على تقييم الضرر الجانبي المحتمل وبعض المسائل الأخرى. ورغم بُطء خلايا الضربات عن بُعد في بعض الأحيان في التعاطي مع الأهداف، إلّا أنها تقدّم بعض المنافع مثل زيادة المعلومات الاستخباراتية المجمّعة (ما يشمل المزيد من أنواع أجهزة الاستشعار الفضائية أو المحمولة جوّاً)، وتعزيز تزامن الطلقات النارية، وطبقة أخرى من التدقيق لمنع حدوث أضرار جانبية. وتشمل هذه الخلايا مجموعة متنوعة من المهنيين، من بينهم مستشارين قانونيين، ومحللي المعلومات الاستخباراتية، وعناصر الاتصال الجوي والأرضي، والأهم من ذلك، أفراد مؤهّلين من “مراقبي مسارات الهجوم المشتركة”.
منذ بداية “عملية العزم الصلب” (»عملية الحل المتأصل«) في عام 2014، استخدم التحالف بقيادة الولايات المتحدة كلّاً من “مراقبي مسارات الهجوم المشتركة” على الأرض والخلايا البعيدة للتحكم بالغارات الجوية في سوريا. وتطلبت كل هذه الغارات التي نفّذتها القوات الأمريكية تدخّل “مراقبي مسارات الهجوم المشتركة” من النموذج الأمريكي – أي مراقبين على درجة عالية من التدريب من القوات العسكرية لحلف “الناتو” التي تركز على التمسك بقوانين النزاع المسلح بشكل أكبر من القوات العسكرية غير الغربية. ويمكن استدعاء بعثات النيران المدفعية من قبل مجموعة أوسع من المراقبين الأماميين من غير “مراقبي مسارات الهجوم المشتركة”، رغم أنّ هؤلاء الأفراد يركزون أيضاً على الالتزام بالقوانين نفسها.
خيارات تخفيف التواجد الأمريكي
حتى لو تم سحب الجزء الأكبر من القوات الأمريكية، ما زال بإمكان طائرات ووحدات المدفعية التابعة لقوات التحالف في العراق وتركيا والأردن تنفيذ ضربات في سوريا بدرجات متفاوتة من الفعالية. ولكلٍ من النماذج االبديلة مزاياه ومساوئه.
التواجد الأمريكي الخفي. يتمثّل أحد الخيارات في نشر التواجد الخفي المعزَّز في سوريا، الذي يشمل القوات شبه العسكرية الأمريكية أو “القوات الخاصة الأمريكية” غير المتعارَف عليها والمجازة من قبل “مراقبي مسارات الهجوم المشتركة”. وهذا من شأنه أن يفرض التزاماً جديداً كبيراً على هذه المجموعات الصغيرة وقد يعرّضها لمخاطر أكبر بسبب أعدادها الضئيلة وقدراتها الأكثر محدودية في مجال الدفاع الذاتي.
التواجد الأمريكي الدوري. من خلال استخدام نموذج “التحليق لإسداء المشورة”، يمكن إرسال “المراقبين العسكريين الأمريكيين لمسارات الهجوم المشتركة” إلى سوريا من البلدان المجاورة لدعم العمليات الخاصة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، سواء من خلال البقاء هناك لتنفيذ عمليات دورية قصيرة أو “الانتقال” يوميّاً إلى ساحة المعركة. إلا أنّ التواجد الدوري يمنح مرونةً أقل من التواجد المنتظم، ويتعرض للمزيد من المخاطر على حماية القوات (على سبيل المثال، الاعتماد المنتظم على النقل الجوي). كذلك، يؤدي استخدام هذا النموذج إلى خسارة الكثير من مزايا الاندماج مع القوات المحلية (مثل الإلمام الدقيق بوتيرة عمليات الجهات الصديقة والعدوّة).
المراقبون غير الأمريكيين للتحكم بالغارات الجوية. يمكن أن يعتمد التحالف على نشر “مراقبين آخرين لمسارات الهجوم المشتركة” من نموذج “الناتو” في سوريا، سواء [أولئك الذين تم] سحبهم من عناصر القوات الخاصة الأوروبية والعراقية الكبيرة الحجم في “قوة مهام العمليات الخاصة المشتركة” في العراق، أو من مساهمين جدد في القوة. ومن المرجح أن يستلزم الأمر أقل من ست أشخاص من “مراقبي مسارات الهجوم المشتركة” من غير الأمريكيين، لكلٍ منهم فريق صغير يرتبط بهم. وفي بعض الحالات، يمكن استبدال الفرق الأمريكية التي تم سحبها من سوريا بالقوات الخاصة غير الأمريكية التابعة لقوات التحالف الموجودة حاليّاً في العراق، وخاصة الوحدات من أستراليا وكندا ونيوزيلندا وغيرها من القوات العسكرية ذات القدرات العالية والتي قد تواجه قدراً أقل من الهواجس السياسية حول حماية الشركاء السوريين من التدابير التركية – مقارنةً بالدول الأوروبية التي تقيّدها قدرة أنقرة على إطلاق العنان للمزيد من تدفقات اللاجئين إليها.
الوحدات السورية للتحكم بالغارات الجوية. يستطيع التحالف أيضاً تدريب شركاء سوريين موثوق بهم لاستدعاء الدعم الناري بشكلٍ أكثر فعالية بالتنسيق عن كثب مع خلايا الغارات بقيادة الولايات المتحدة في العراق أو تركيا أو الأردن أو أماكن أخرى. وقد جمعت نماذج العمليات التي تستخدمها القوات العسكرية الأخرى من نموذج “الناتو” – مثل القوات الإماراتية في اليمن – مراقبين محليين جديرين بالثقة، وقامت بتعقب القوات الصديقة القائم على هاتف “آي فون”، وإدارة الغارات من قِبل “مراقبي مسارات الهجوم المشتركة” في الخلايا البعيدة. فإذا حصل المشغّلون السوريون المختبَرون على معدات الاتصالات المتخصصة وأجهزة استشعار الفيديو الكاملة الحركة في الوقت الفعلي، يمكن أن يستعيدوا بعضاً من الرؤية البرّية التي ستُفقَد إذا انسحبت قوات التحالف. وسيساعد الاندفاع في تركيز الاستخبارات الأمريكية على سوريا هؤلاء المشغلين على التمتع حتى بفعالية أكبر.
زيادة استخدام نُظم المدفعية. يتمثّل الخيار الأخير في السعي للحصول على موافقة الحكومة العراقية على نقل المزيد من المدفعيات الأنبوبية ومدفعيات الصواريخ بعيدة المدى الخاصة بقوات التحالف إلى الحدود مع سوريا. وتتمتع المدفعيات بقدرة عالية على الرد، ويمكن استدعاء بعثات نارية من قِبل مراقبين أماميين أقلّ كفاءة، ربما يشملون شركاء محليين موثوق بهم. وإذا دعت الحاجة إلى نطاق إضافي، يمكن نشر مدفعيات التحالف بشكلٍ مؤقت في سوريا بإذنٍ من بغداد. وقد تم بالفعل تنفيذ مثل هذه العمليات من وقت لآخر، من بينها إدخال مدفعيات إلى سوريا عبر النقل الجوي لتنفيذ مهام نارية محددة.
التداعيات على السياسة الأمريكية
صرّحت إدارة ترامب أن انسحاب القوات الأمريكية لا يشير إلى نهاية الحملة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا، ولا إلى التخلي عن شركاء الولايات المتحدة هناك. وبناءً على ذلك، لا بد من ممارسة أحد الخيارات المذكورة أعلاه أو أكثر من خيارٍ واحد من أجل الحفاظ على الدعم الناري في سوريا، وتدمير أهداف تنظيم «الدولة الإسلامية»، وحماية القوات الشريكة.
ويشكّل قرار إبقاء 200 جندي أمريكي في سوريا خطوة أولى مهمة. ويتجسّد العائق الأساسي أمام الغارات الجوية الفعّالة في نقص المعلومات الاستخباراتية المتواصلة والفهم الشامل للوضع على الأرض، الأمر الذي يهدد بتدهور التطور المستهدَف. وسيؤدي الانتقال إلى نموذج بعيد تماماً تديره خلايا الغارات خارج سوريا إلى زيادة ذلك الخطر إلى حدٍ كبير. وسيضيع جزءٌ من معلومات الاستهداف الاستخباراتية والفهم الدقيق لتحركات الأصدقاء والأعداء، مما يُلزم القوات إما بتقليص عدد الضربات التي توافق عليها أو تخفيض معاييرها الخاصة بتخفيف الأضرار الجانبية – وهو سيناريو يجب تفاديه مهما كلّف الأمر.
بالإضافة إلى ذلك، قد يدلّ النموذج البُعدي بالنسبة للشركاء المحليين على أنّ التحالف أصبح أقل التزاماً لأنه لم يعد في قلب اللعبة. ومثل هذه المقاربة قد تُقنع أيضاً كلّ من إيران ونظام الأسد والأعداء الآخرين بأنّهم أصبحوا أكثر حريةً في التصرف، بعلمهم بعدم وجود تواجد للولايات المتحدة أو “الناتو” على الأرض لإثارة أعمال انتقامية واسعة النطاق.
وللحد من بعض هذه المشاكل، يجب أن تنظر الولايات المتحدة في تجنيد حلفاء موثوقين مثل أستراليا وكندا ونيوزيلندا لنقل القوات الخاصة إلى سوريا في زيارات مستمرة بينما تقوم القوات الأمريكية بالخروج من البلاد. وبإمكان دعم هذا الطلب بالتزامات أمريكية بتوفير دعم العمليات والحماية لهذه القوات، إلى جانب تقديم التدريب المكثّف والمعدات إلى الشركاء السوريين لتحديد أهداف الضربات الجوية لقوات التحالف أو المهام النارية المدفعية. فإذا كان استمرار القتال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» مهماً حقاً للدول الأخرى، فيجب أن تكون مستعدة للمساعدة على حمل المزيد من العبء على الولايات المتحدة، لا سيما في وقتٍ ساهم فيه قرار الانسحاب في إنشاء ضغط سياسي-عسكري حاد في واشنطن. إن التواجد الطويل المدى لـ 200 مستشار أمريكي قد يجعل هذه الدول أكثر استعداداً، وحتى أنّ فرقاً صغيرة من التحالف داخل سوريا قد تكون كافية لتقييد حرية المناورة الروسية والإيرانية والتركية، طالما تستمر الولايات المتحدة بدعمها بقوة.
وأخيراً، تعتمد جميع الخيارات المبيّنة أعلاه اعتماداً كبيراً على الحفاظ على قاعدة التحالف في العراق. إن ذلك يسلّط الضوء على الأهمية الكبيرة لاستعادة الثقة بأن انتشار العنصر الأمريكي هناك هو فقط لإلحاق الهزيمة بتنظيم «الدولة الإسلامية». ومن خلال التعبير مراراً عن هذا المبدأ عبر التواصل المباشر ووسائط الإعلام المحلية الشعبية، يحظى القادة المدنيون والعسكريون الأمريكيون بفرصة أفضل لإقناع القادة العراقيين باتباع نهجٍ صارم للحفاظ على تواجد التحالف.
معهد واشنطن