تُظهر المكاسب الأخيرة التي حققها تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا حدوث انتكاسات كبرى في الحملة المستمرة ضد الجماعة منذ ما يقرب من عام. وبالتالي، تُقوّض هذه التطورات ادعاءات الإدارة الأمريكية بتحقيق تقدم في الحرب، وتسلّط الضوء على عيوب جوهرية في الاستراتيجية التي تتبعها والتي تحتاج إلى تعديل لكي تتمكن الولايات المتحدة ودول التحالف – الذي يضم أكثر من ستين دولة – من النجاح في حملتها. وفي هذا الإطار، كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما على حق جزئياً في الأسبوع الماضي حين قال إن أمريكا تفتقر إلى “استراتيجية كاملة” للتعامل مع تنظيم «الدولة الإسلامية» بسبب عدم التزام العراق بشكل كافٍ. وفي الواقع، ينبع جزء كبير من الخلل في استراتيجية الولايات المتحدة من السياسة الأمريكية، وسياسات شركاء واشنطن في الحملة ضد «داعش»، فضلاً عن السياسة التي تتبعها الحكومة العراقية.
كبداية، تحتاج الولايات المتحدة إلى معالجة عدم تطابق الوسائل والغايات في استراتيجيتها. فقد كرست موارد غير كافية في السعي إلى تحقيق هدف معيّن، وهو “إضعاف «داعش» والقضاء عليه في النهاية”، والذي من المرجح أن تظل غايته النهائية غير قابلة للتحقيق لمدة طويلة جداً. ويرجع ذلك إلى صلابة تنظيم «الدولة الإسلامية»، وضعف شركاء الولايات المتحدة الإقليميين، وافتقار إلاتساق في الإستراتيجية الأمريكية الحالية.
تنظيماً مراوغاً
تمت هزيمة الجماعة التي انبثق منها «داعش»، أي تنظيم «القاعدة في العراق»، بحلول عام 2011 قبل أن تعود بشكلها الحالي. وترجع قدرتها على الشفاء من تلك الضربة إلى عدد من العوامل.
بالنسبة إلى مؤيدي الجماعة، تُجسد أيديولوجية تنظيم «الدولة الإسلامية» الإسلام “الحقيقي” الذي لا تشوبه شائبة من متطلبات المنافسة السياسية أو قلق لا مبرر له من رأي الكافرين. إلى جانب ذلك، لا ينزعج المؤيدون من الانتقادات التي يوجهها إليهم رجال الدين المسلمين الرسميين، إذ يعتبرونهم خداماً لنظام دولة غير شرعي. لهذا السبب، يصعب تجريد «داعش» من شرعيته بناءً على أسس دينية. كما أن جهود الإدارة الأمريكية لاستخدام البيانات الهامة التي يُدلي بها رجال الدين التقليديون لن تلقى نجاحاً على الأرجح سوى بشكل هامشي.
لقد سبق لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» أن نجح باتخاذه شكل شبكة إرهابية سرية، ويمكن أن ينجح من جديد إذا تم الإيقاع به، وذلك بالاعتماد على المهارات التي قام بشحذها خلال السنوات التي عاشها في الظل. بالإضافة إلى ذلك، بإمكانه الاعتماد على احتياطه من الأموال والقوى البشرية من جميع أنحاء العالم (على الرغم من أن التحالف يحاول وقف تدفق هذه الاحتياطات أيضاً)، وفي الآونة الأخيرة بدأ التنظيم يتبنى سمات شبكة غير مركزية، مع قيام جماعات جهادية في جميع أنحاء المنطقة بإعلان البيعة له. ومن المرجح أن يضمن ذلك عدم أفول نجم «داعش» بشكل أو بآخر، حتى لو مُنيت عمليته الرئيسية في العراق وسوريا بالهزيمة.
إلى جانب ذلك، إن البيئة الإقليمية مواتية أيضاً لاستمرار بقاء تنظيم «الدولة الإسلامية». فمنذ الانتفاضات الشعبية في عام 2011، تتسم المنطقة على نحو متزايد بدول ضعيفة وفاشلة تفتقر إلى القدرة على استئصال الشبكات الإرهابية أو هزيمة الجماعات المتمردة، وبروز مناطق لا تخضع للسيطرة والتي تُعد بمثابة ملاذات آمنة لمثل هذه المنظمات (مثل شرقي سوريا). وقد ساعدت سياسات المجموع الصفري التي تسود في المنطقة على خلق هذا الوضع الراهن وستضمن بقاء جماعات مثل تنظيم «داعش»، التي تتغذى على شكاوى وتطلعات السكان السنة في المنطقة.
وفي حين يتمتع تنظيم «الدولة الإسلامية» بعدد من نقاط القوة في مجال القيادة العسكرية والتنظيم والبراعة التكتيكية، إلا أنه يعاني أيضاً من العديد من نقاط الضعف وهي: قوات مفرطة الإنتشار؛ والميل إلى إبعاد قاعدته الشعبية؛ والانقسامات الداخلية بين العراقيين، العرب، وغير العرب؛ وتدفقات مالية لا يمكن الاعتماد عليها؛ وموقعه غير الساحلي – على الرغم من أنه قد أثبت مهارة خاصة في استغلال الحدود التي يسهل اختراقها مع تركيا. ومع ذلك، فإن ضعف نظام الدولة العربية قد منع شركاء أمريكا الإقليميين من الاستفادة من هذه الثغرات.
لذا، ففي حين من المحتمل أن تتمكن الولايات المتحدة وشركاءها من إضعاف تنظيم «داعش»، فإنهم لن يكونوا قادرين على تدميره، على الأقل في الوقت القريب. أما على المدى الطويل، فمن دون التصدي لتلك العوامل التي تساهم في عامل الجذب الذي تتمتع به جماعات مثل تنظيمي «الدولة الإسلامية» و «القاعدة»، فإن أفضل ما يمكن أن تأمله الولايات المتحدة هو القضاء على التشكيلات العسكرية العلنية لهذه الجماعات، وتفكيك الجهاز الإداري لتنظيمها، ودفعها للعمل بصورة خفية – على الأقل في العراق. ولكن كما أظهرت الأحداث الأخيرة، فإن جهود واشنطن حتى الوقت الحالي لم تؤدِ سوى إلى نتائج متباينة. وفي حين قد تكون العمليات العسكرية الأمريكية قد استنفزت من قوات تنظيم «الدولة الإسلامية» وأن شركاء الولايات المتحدة قد استعادوا أراضي سبق وأن خسروها إلى الجماعة، إلا أن التحالف لم يُحط من القدرات العامة لمنظمة أثبتت قدرتها المذهلة على التجدد، ولا تزال على خط الهجوم في عدد من الجبهات الهامة.
ومع ذلك، لا يكمن الحل في التزام كبير آخر من قبل الولايات المتحدة بإرسال قوات على الأرض في المنطقة. فالشعب الأمريكي لن يدعم مثل هذا الانتشار، وحتى إذا فعل ذلك، وإذا قامت الولايات المتحدة بنشر 50 ألف من أفراد القوات الأمريكية على الأرض وهزمت القوات العسكرية لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» وفككت دولته من دون حدوث تغيير في طبيعة السياسة العراقية (وسياسات تلك الدول المضطربة الأخرى في المنطقة) – فمن شبه المؤكد أن تعود القوات الأمريكية بعد 3 إلى 5 سنوات للتعامل من جديد مع هذه المشكلة. فالشرق الأوسط يتمتع بشهية لا يمكن إشباعها للدماء الأمريكية والأموال الأمريكية ويجب على الولايات المتحدة ألا تطلق لها العنان. فواشنطن ستكون بحال أفضل إذا تجنبت هذه الحلقة المفرغة.
كما أن ترك الأمور على مصراعيها ليس خياراً أيضاً. فتجربة إدارة أوباما في السنوات الست الماضية تُظهر أنه “إن لم تزر الشرق الأوسط، سيزورك هو بدوره”. فالولايات المتحدة وشركاؤها في التحالف يحتاجون إلى تعديل استراتيجيتهم ذات الوقع الطفيف التي يتبعونها من أجل التأكد أن بإمكان التحالف أن يدحر تدريجياً تنظيم «داعش»، ويتجنب في الوقت نفسه التعرض لنكسات كبرى إضافية، ويعالج العوامل التي تسهم في الانجذاب إلى التنظيم.
استراتيجية مفككة
غالباً ما اتبعت الولايات المتحدة وشركاؤها سياسات أدت إلى تعزيز الجماعات السلفية الجهادية مثل تنظيم «الدولة الإسلامية»، وبالتالي إلى إضعاف الحملة التي تقودها الولايات المتحدة. من هنا، فإن مضاعفة الاعتماد على النهج الحالي في العراق وسوريا – كما وعد نائب وزير الخارجية الأمريكي توني بلينكن قبل أسبوعين في باريس – من دون تغيير السياسات التي تؤدي إلى أهداف متضاربة للجهود العسكرية للتحالف لن تؤدي سوى إلى تفاقم هذا الخطأ.
أولاً، تحتاج واشنطن إلى الاعتراف بأن سياساتها ساهمت في نهوض جماعات مثل «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش» في سوريا، وعودة تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى العراق. فالتقاعس الأمريكي في ظل الحرب الأهلية السورية وفي وجه السياسة الإقصائية التي اتبعتها حكومة المالكي في العراق، والتصور المنتشر في المنطقة بأن الولايات المتحدة واقفة ضمنياً في صف إيران، والواقع بأن أولى الضربات العسكرية الأمريكية في العراق كانت تهدف إلى إنقاذ اليزيديين والتركمان والأكراد – جميع [الأعراق] باستثناء العرب السنة – شكلت نعمة على مستوى التجنيد بالنسبة للجهاديين.
ثانياً، كانت السياسة الأمريكية تجاه سوريا وما زالت رهينة لسياستها تجاه إيران. فالإدارة الأمريكية لم تبذل المزيد من الجهود لمساعدة المعارضة السورية عسكرياً، على الأقل جزئياً، بغية تجنب تعريض الصفقة النووية مع إيران للخطر. ومع ذلك، فإن احتمال إبرام اتفاق لم يؤدِ إلى تقييد الجمهورية الإسلامية في سوريا. لذلك، يجب على الولايات المتحدة مواصلة السعي لتحقيق مصالحها في سوريا، ويعني ذلك زيادة الدعم لما تبقى من المعارضة “المعتدلة” هناك، حتى في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن إلى التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران. وعلى خلاف ذلك، سيستمر المقاتلون بالتدفق إلى الجماعات المتطرفة لمحاربة نظام الأسد وحلفائه الإيرانيين.
ثالثاً، تصر الولايات المتحدة على أنها تقوم بتدريب المعارضة السورية “المعتدلة” وتجهيزها لمحاربة «داعش»، في حين تصر المعارضة من جهتها، فضلاً عن شركاء أمريكا في هذا الجهد – تركيا والأردن والمملكة العربية السعودية وقطر – على أنها تحارب نظام الأسد. ومن المرجح أن يحبط موقف الولايات المتحدة الجهود الرامية إلى تجنيد مقاتلين إلى المعارضة السورية، في حين أن الاختلاف بين واشنطن وشركائها في هذا الشأن يشكل صيغة لكارثة ليست بالبعيدة جداً.
رابعاً، إن نجاح الاستراتيجية الأمريكية لمكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية» رهيناً بالسياسة وبسياسات الشركاء الإقليميين للولايات المتحدة. إن العديد من الشركاء قد قدّموا – أو سمحوا لمواطنيهم بتقديم – الدعم المالي والعسكري للجماعات الجهادية، ولا يزال البعض يقوم بذلك. وقد شقت بعض هذه المساعدات طريقها ووصلت إلى أيدي «داعش»، في حين ارتد أفراد من هذه الجماعات الجهادية في بعض الأحيان بشكل جماعي وانضموا إلى تنظيم «الدولة الإسلامية». وفي النهاية، يعود الدعم الخارجي للجهاديين ليصب في صالح «داعش»، عندما يُنظر إلى التنظيم على أنه الجماعة الجهادية الأكثر نجاحاً. وفي الوقت نفسه، لم يفعل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الكثير لتغيير السياسة التي لا تؤدي إلى أي نتيجة في العراق والتي خلقت الظروف لعودة تنظيم «القاعدة في العراق» في ستار تنظيم «الدولة الإسلامية»؛ أما الجهود التي تبذلها بغداد للتواصل مع السنة فلا تزال عقيمة.
وأخيراً، لن تنجح الولايات المتحدة في حربها ضد «داعش» في العراق إذا لم تنجح في حربها ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا. وفي الماضي وفّرت مناطق شرق سوريا ملاذاً آمناً لـ «داعش» وتستمر في توفير قاعدة الدعم لعملياته في العراق. وإذا لم يتم طرد تنظيم «الدولة الإسلامية» من شرق سوريا، فسوف يستمر في زعزعة استقرار العراق من هناك. ولهذا السبب، تحتاج الولايات المتحدة إلى استبدال استراتيجية “العراق أولاً” باستراتيجية تسعى إلى خوض معركة على جبهتين في آن واحد ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا. إن ذلك سوف يقنع السوريين بأن واشنطن جادة بشأن مصيرهم، ويحسّن احتمالات جهود تدريب المعارضة السورية المعتدلة وتجهيزها.
ولم يفت الأوان بعد لتصحيح المسار. فالنيران في العراق وسوريا ستستمر، وبشكل مأساوي، في الاشتعال لسنوات قادمة، كما أن نتائج هذه الصراعات ليس مضموناً على الإطلاق. بإمكان للولايات المتحدة أن تُحدث فرقاً إذا بقت ملتزمة سياسياً وعسكرياً، من خلال خلق الفرص، واستغلال تلك التي تظهر.
القتال الصحيح ضد «داعش»
إن السؤال الذي يطرح نفسه هو، ما الذي سيشمله التعديل الحكيم والفعال للمسار الذي تتبعه الولايات المتحدة؟ في العراق، سيعني ذلك إرسال: المزيد من طائرات الاستطلاع بدون طيار (معظمها يَدعم الآن العمليات العسكرية في أفغانستان)، والمزيد من القوات الخاصة ومن أجهزة السيطرة على الهجمات المشتركة – مع قواعد الاشتباك التي تمكنها من مرافقة الوحدات العراقية في القتال، والمزيد من القوة الجوية، والمزيد من العناصر المكرسة لجهد تدريب “قوات الأمن العراقية” وقوات “البيشمركة” الكردية وتجهيزها. كما سيستلزم ذلك ممارسة المزيد من الضغوط على الحكومة العراقية للسماح بتسليح رجال القبائل العربية السنية كميليشيات وتدريبها – من أجل كسب أهل السنة لصفها وإنشاء قوة (على أمل أن) يمكنها محاكاة إنجازات ميليشيات شرق أوسطية أخرى ناجحة. والأهم من ذلك، سيستوجب الأمر تجنب الوقوع في المزيد من النكسات كما حدث في الرمادي. إن التصور بأن الزخم قد تحول ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» يشكل مفتاح النجاح في العراق (وسوريا). فتحقيق «داعش» لانتصارات جديدة، حتى ولو كانت زائلة، سيكون قاتلاً للجهود الرامية إلى إعادة بناء مصداقية الولايات المتحدة وإقناع العرب السنة الذين يقفون على الحياد إلى الانضمام إلى التحالف ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».
أما في سوريا، فينبغي على الولايات المتحدة أيضاً أن تعزز من جهودها لتدريب جماعات المعارضة “المعتدلة” وتجهيزها، بينما تتخلى عن إصرارها المسبق بأن تقوم هذه الجماعات بمحاربة «داعش» فقط. لقد تم تدمير هذه الجماعات في العام إلى العامين الماضيين (ويرجع ذلك جزئياً إلى افتراقها للدعم الأمريكي)، وفي حين كانت هناك بداية بطيئة لهذه الجهود التي بُذلت مؤخراً، إلا أن المال والسلاح يتمتعان بوسيلة لتوليد الطلب الخاص بهما. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي عل الولايات المتحدة ألا تصب اهتمامها، في الوقت الراهن، على الأرقام. فالنوعية أكثر أهمية من الكمية، حيث أن أرض المعركة السورية مجزأة للغاية، ويتمثل التحدي في إنشاء المنظمات التي يمكنها الاستيلاء على الأراضي وإبقاء سيطرتها عليها، والصمود في معارك محلية، والحكم بشكل فعال [في المناطق التي تشمل] الجيوب الصغيرة التي يمكن الدفاع عنها. ولعل المهمة الأكثر أهمية تكمن في إثبات أن الولايات المتحدة جادة أخيراً في دعم المعارضة، وذلك من أجل جذب مجندين جدد واستعادة المنشقين الذين هاجروا على نحو انتهازي من «الجيش السوري الحر» إلى جماعات تتمتع بموارد أفضل (وكثيراً ما تكون أكثر تطرفاً).
وللتعامل مع تهديد البراميل المتفجرة الذي يطرحه نظام الأسد، يتعين على الولايات المتحدة العمل على تشكيل قدرات مدفعية حقيقية مضادة للطائرات في صفوف جماعات المعارضة التي تدعمها، مع تجنب تقديم “أنظمة الدفاع الجوي المحمولة” بأعداد كبيرة، نظراً للمخاوف من انتشار الأسلحة. ورغم أنها ليست تقنية متطورة، إلا أن المدفعية المضادة للطائرات فتّاكة للغاية. وحتى عندما لا تنجح في إسقاط الطائرات، فإنها تجبر طياري قوات العدو على إطلاق ذخيرتهم غير الموجهة من ارتفاعات عالية، وبالتالي تفقد دقتها. وهذا أمر مفيد في المعارك البرية.
وبالإضافة إلى تلقي التدريب العسكري، يجب أن تتلقى جماعات المعارضة التي تدعمها الولايات المتحدة تدريباً في مجال الحكم والإدارة، لتمكينها من إنشاء ملاذات آمنة للسكان المحليين والمشردين داخلياً. إن جعل ذلك، المعايير الرئيسية التي يتم من خلالها تقييم جماعات المعارضة قد يكون إحدى الطرق لحث الولايات المتحدة وشركائها على التوفيق بين وجهات نظرها المتباينة بشأن دور المعارضة في مواجهة نظام الأسد وتنظيم «الدولة الإسلامية» – على الأقل في الوقت الراهن.
وبعبارة أخرى، لكي تحقق الولايات المتحدة النجاح في العراق وسوريا، عليها أن تغير سياساتها – وسياسات شركائها – التي زادت كثيراً من تعقيد الحملة ضد «داعش». أما إذا لم تُبد استعدادها أو عجزها عن فعل ذلك، فإن احتمالات نجاحها ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» ستتضاءل حتى تتلاشى.
الحد من جاذبية تنظيم «الدولة الإسلامية»
يكمن الهدف الرئيسي من الجهود الإعلامية الضخمة والمتطورة التي يبذلها «داعش» في تعزيز جاذبيته، وتلميع مصداقيته الأيديولوجية، وبناء صورته. وبما أن جانب كبير من جاذبية تنظيم «الدولة الإسلامية» مستمد من الهالة التي يتمتع بها والتي تقوم على أنه لا يُقهر عسكرياً، فإن هزيمته تبيّن أن «داعش» كان مجرد حركة أيديولوجية فاشلة لم تجلب سوى الخراب لأولئك الذين يتبنونها. بالإضافة إلى ذلك، فإن هزيمة التنظيم تعني زوال فكرة الخلافة والمدينة الفاضلة الإسلامية والمجد والمغامرة والهيمنة على الآخرين وغنائم الحرب وعبيد الجنس – وهي العوامل التي دفعت بالكثير إلى تبني قضية هذه الجماعة. ومن خلال الانتصارات العسكرية، تستطيع الولايات المتحدة هزيمة الجهود الإعلامية التي يبذلها تنظيم «الدولة الإسلامية» عن طريق إثبات أن التيار يتحول ضده وأن أيامه باتت معدودة. وبالتالي فإن هزيمة التنظيم تشكل عاملاً هاماً في تقويض جاذبيته، وتشويه أيديولوجيته، وهدم صورته. وفي النهاية، إن هذا هو الهدف الأسمى للحملة العسكرية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». ولكن النهج الحالي القليل التأثير الذي تتبعه الإدارة الأمريكية يسمح لـ «داعش» بمواصلة تحقيق الانتصارات التي تضعف من هذه الجهود.
وأخيراً، يتعيّن على الولايات المتحدة معرفة الكيفية التي ينسجم فيها تنظيم «القاعدة» والمنظمات التي تدور في فلكه، فضلاً عن إيران وسط هذا الوضع، لأنه إذا تمكن التحالف من إضعاف «داعش» أو هزيمته، فقط لكي يمهّد الطريق أمام سيادة «جبهة النصرة» في سوريا وتوسع النفوذ الإيراني في بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام، فستكون الولايات المتحدة قد نجحت فقط في صب الزيت على النار المتأججة في الصراعات الطائفية والجيوسياسية في المنطقة. وكلما أسرعت واشنطن في إدراك ذلك، كلما أسرعت في العمل على تجنب حدوث كارثة أكبر في المستقبل، قد تكون قد حرضت عليها من دون قصد.
مايكل آيزنشتات
معهد واشنطن