الهندسة المعمارية زمن الحرب.. ما الذي تحتاجه سوريا قبل إعادة الإعمار؟

الهندسة المعمارية زمن الحرب.. ما الذي تحتاجه سوريا قبل إعادة الإعمار؟

تناولت الكاتبة لو مامليت الهندسة المعمارية ودورها في تحقيق هوية الشعوب، وتساءلت عما تحتاج سوريا لمعرفته قبل إعادة إعمارها، وذلك من خلال مقابلة مع مهندسة معمارية سورية من مدينة حمص التاريخية.

وتشير -في مقال نشره موقع ذي ميدل إيست آي البريطاني- إلى مقابلة مع السورية مروة الصابوني التي أصدرت كتابها الأول بعنوان “المعركة من أجل وطن.. مذكرات مهندسة معمارية سورية”.

وتقول الكاتبة إن المهندسة الشابة سلطت من خلال كتابها الضوء على دور الهندسة المعمارية ومختلف جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والجمالية على مدينة حمص التي أنهكتها الحرب.

وتوضح أن الصابوني تطرقت إلى تاريخ مدينة حمص وأنها شرحت كيف أن العمارة السورية فشلت في تحقيق هوية موحدة لشعبها، وساهمت في تقسيمه إلى عدة طوائف.

.. وكذلك كنيسة ماري أم الزنار (الأوروبية)
فترات تاريخية
وتعرض الكاتبة في مقالها مقتطفات من الحوار مع المهندسة السورية التي ركزت في حديثها على الفترات التاريخية المختلفة التي مرت بها مدينة حمص.

وتقول إنه بعيدا عن رسم صورة قاتمة للوضع الراهن، فقد قدمت الصابوني أملا لتشييد مدينة مثالية على أنقاض حمص المدمرة التي يمكن أن تجمع شمل السوريين نهاية المطاف.

وتضيف أن الصابوني ترى أن البيئة المعمارية تؤثر بشكل كبير على حياة الأفراد على مختلف المستويات، مشيرة إلى أن هذه المباني يجب أن تحمل جانبا من الجمالية والبهجة في الآن ذاته، مع ضرورة السماح لكل السكان بالتواصل والعيش معا.

وتضيف المواطنة أن حمص كانت متحفا للهندسة المعمارية القديمة، غير أنه تم إهمال ثرواتها. وذكرت الصابوني مَعلمين دينيين يكتسيان أهمية عاطفية كبيرة لسكان المدينة المسيحيين والمسلمين على حد سواء، وهما المسجد العثماني خالد بن الوليد وكنيسة السيدة العذراء أم الزنار.

وتشير الكاتبة إلى أن هذين المَعلمين التاريخيين تعرضا لضرر ملحوظ بسبب الحرب التي تعصف بالبلاد.

وأضافت الصابوني أن النسيج الاجتماعي بالمدينة بُني وفق مبدأ الهندسة المعمارية ذاته، فغالبا ما كان أذان الصلاة وأجراس الكنائس تتردد على مسامع سكان حمص في الوقت ذاته.

وتضيف أنه عوضا عن الحفاظ على القديم وتحسين الجديد، قرر المسؤولون “تحديث” تخطيط المدينة القديمة وهندستها المعمارية “لقد دُمّر عدد كبير من المباني القديمة وحلت محلها الأوهام”.

وذكرت الصابوني أن البلدية قررت توفير موقف سيارات مفتوح بمركز التسوق الذي يقع بقلب المدينة القديمة. كما حلّت الخرسانة العادية التي تفتقد الحياة محل القصور والحمامات والمباني التي تنطوي على أهمية تاريخية وجمالية. كما أن أشغال بناء مجمّع ابن الوليد الضخم لم تنته حتى الآن.

وأشارت إلى أن تدخل المسؤولين في بعض المناسبات للحفاظ على بعض المعالم التاريخية وترميمها كان كارثيا. فعلى سبيل المثال، لم يحترم الفريق المشرف على ترميم قصر الزهراوي انسجام وتماسك هذا المبنى البديع وأعاد طلاءه بألوان صارخة.

تأمل الصابوني إعادة تشييد بنى تحتية قادرة على استضافة شعب مبعثر (أسوشيتد برس)
جدران قديمة
وتقول المواطنة إنها ركزت في كتابها على مدينة حمص لأنها تحمل طابعا ينتشر في كامل سوريا، ولأنها تمثل قلب البلاد ونبضها التاريخي، حيث تم بناء حمص وراء الجدران القديمة التي كانت تحميها من الغزاة ثم امتدت ما وراء حدود هذه الجدران خلال أربعينيات القرن الماضي. وفي خمسينيات القرن العشرين، أصدرت الحكومة قرارا يمهد الطريق أمام انتشار البنايات خارج حدود المدينة.

وأضافت أن هذه المنطقة الجديدة -التي أصبحت تمثل وسط المدينة الجديد- قد وسعت في نطاق التخطيط الحضري للمدينة القديمة بطريقة غير متجانسة من خلال مزج عناصر من العمارة الاستعمارية مع بنايات تفتقر للهوية والمعنى الحقيقي.

وتضيف أنه حتى قبل الحرب، فقد تسبب تآكل الأحياء القديمة واستبدالها بأخرى جديدة مبنية -وفق الدين أو الأصول الديموغرافية للسكان- في فصل السكان عن المدينة وحتى عن هويتهم. وما إن بدأ النزاع حتى وجد الناس أنفسهم محاصرين في مناطق معينة من المدينة بسبب القرارات السيئة التي اتخذتها السلطات بشأن التخطيط الحضري.

وتواجه الهندسة المعمارية في الشرق الأوسط -تقول الصابوني- مشكلة رئيسية مشتركة بأنها تمثل تراثا استعماريا خلفته القوى السابقة وليست من صنع الشعب. فمثلا، صُممت الخطط الحضرية الجديدة الخاصة بسوريا من جانب الفرنسيين، ثم أصبحت قيد التطبيق بعد الاستقلال.

وفي معرض إجابتها عما إذا كانت تحن إلى العمارة التقليدية الخاصة بالعصر العثماني، أوضحت المهندسة أن التركيز يجب ينصب على التفكير المنطقي من خلال مراقبة وتحليل الإجراءات التي نجحت في الماضي ومن ثم الشروع بالبناء على أساس تلك النتائج.

وتعبيرا عن تفاؤلها بشأن إعادة الإعمار، أشارت الصابوني إلى أن الأمل يحرك رغبتنا في العيش. وبما أن الصراع السوري يقترب من نهايته، فإن إعادة تشييد بنى تحتية -جديدة قادرة على استضافة شعب مدمر ومبعثر أكثر من أي وقت مضى- تشكل ضرورة ملحة. ولا يمكن تحقيقها إلا من خلال دراسة معمقة حول الهوية الوطنية وأخطاء الماضي، من أجل ترسيخ ثقافة مشتركة يمكن التعبير عنها في الفضاء والبيئة.

الجزيرة