تنتظر «قوات سوريا الديمقراطية» إجلاء مزيد من المدنيين المحاصرين في جيب تنظيم داعش بشرق سوريا، في وقت يرتّب فيه خروج الآلاف في الأيام الأخيرة عبئاً على الأكراد ومنظمات الإغاثة، بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية من حقل العمر شرق الفرات.
ومن شأن استكمال إجلاء المحاصرين من جيب التنظيم الأخير أن يحدّد ساعة الصفر لـ«قوات سوريا الديمقراطية» من أجل حسم المعركة؛ سواء عبر استسلام المتطرفين، أو إطلاق الهجوم الأخير ضدّهم، تمهيداً لإعلان انتهاء سيطرة التنظيم على مناطق أثارت الرعب على مدى سنوات.
وتوقع مدير المكتب الإعلامي لـ«قوات سوريا الديمقراطية» مصطفى بالي «خروج عدد كبير من المدنيين» أمس الاثنين من الجيب المحاصر داخل بلدة الباغوز، الذي تبلغ مساحته نحو نصف كيلومتر مربع، آملاً في أن تكون «الدفعة الأخيرة».
وقال بالي إنه حسب تقديرات «قوات سوريا الديمقراطية»، هناك «نحو 5 آلاف شخص لا يزالون في الداخل» في آخر تحديث لبياناتها استناداً إلى معلومات جمعتها من الذين تمّ إجلاؤهم مؤخراً.
وخرج نحو 5 آلاف شخص على دفعتين الأربعاء والجمعة الماضيين من الباغوز غالبيتهم نساء وأطفال من عائلات الجهاديين، ووصلوا إلى مخيم «الهول» شمالاً، بينما تمّ نقل الرجال المشتبه بانتمائهم للتنظيم المتطرف إلى مراكز اعتقال للتوسع في التحقيق معهم. ومنذ أكثر من أسبوع، تريثت «قوات سوريا الديمقراطية»، المدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، في هجومها الميداني لإفساح المجال أمام خروج المدنيين الذين فاق عددهم توقعاتها. وتدور اشتباكات متقطعة على محاور بعيدة عن مناطق وجود المدنيين والممر الذين يخرجون منه.
ولم يُسجّل منذ الجمعة الماضي خروج أي من المحاصرين بحسب «قوات سوريا الديمقراطية». إلا إن «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أفاد الاثنين بخروج نحو 1400 شخص من عائلات عناصر التنظيم خلال الـ24 ساعة السابقة من المزارع المحيطة بالباغوز. وقال إنه جرى نقلهم الأحد على متن شاحنات إلى الأراضي العراقية، بعيداً عن عدسات الإعلام.
ونفى رئيس مكتب العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية الكردية عبد الكريم عمر أن تكون «قوات سوريا الديمقراطية» قد نقلت أياً منهم إلى العراق. وقال أمس: «من حيث المبدأ؛ لا نسلم أي شخص يمرّ عبرنا إلى السلطات العراقية أو أي طرف آخر؛ إلا إذا كان هؤلاء الأشخاص مرّوا عن طريق فريق آخر» لم يحدّده.
واعتقلت «قوات سوريا الديمقراطية» خلال المعارك التي خاضتها ضد التنظيم المتطرف، المئات من المقاتلين الأجانب غير السوريين والعراقيين، من جنسيات عدة؛ أبرزها البريطانية والفرنسية والألمانية. وقد طالبت مراراً الدول المعنية باستعادة مواطنيها وتحمل مسؤولياتها تجاههم.
ويزيد العدد المتزايد للخارجين من جيب التنظيم العبء على كاهل الإدارة الذاتية الكردية والمنظمات الإغاثية.
وقال عمر إن «المجتمع الدولي لا يتحمل مسؤولياته في الوقت الحاضر تجاه الأعداد الكبيرة من الخارجين من جيب (داعش) الأخير، خصوصاً الأطفال منهم، سواء بالنسبة للحاجات اليومية أو الاهتمام وإعادة تأهيل الأطفال، لأننا وحدنا لن نتمكن من فعل ذلك». وأضاف: «لا تؤمن المنظمات الدولية أكثر من 5 في المائة من احتياجات المخيمات والمعتقلات».
وفي شمال شرقي سوريا، يكتظ مخيم «الهول» الذي تديره «قوات سوريا الديمقراطية» مع وصول مزيد من الأشخاص إليه. ويؤوي المخيم، الذي يضمّ قسماً خاصاً بعائلات الجهاديين، أكثر من 45 ألف شخص، وفق ما أفادت به لجنة الإنقاذ الدولية أول من أمس. ويضمّ المخيّم آلاف العائلات التي فرّت منذ 2017 من المعارك ضد التنظيم المتطرف، بالإضافة إلى المئات من أسر المقاتلين الجهاديين الأجانب، التي تقيم في قسم خاص يخضع لحراسة مشدّدة.
وتوقعت الأمم المتحدة ليل الجمعة – السبت وصول «آلاف آخرين خلال الساعات والأيام المقبلة إلى المخيم، مما سيرتّب ضغطاً إضافياً على الخدمات الرئيسية». وأكدت «الحاجة الماسة إلى خيام إضافية ومواد غير غذائية ومياه ومستلزمات صحية ومواد تنظيف».
وكانت «قوات سوريا الديمقراطية» ناشدت في وقت سابق المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، التدخل بشكل أكبر لتأمين حاجات الفارين لأن الأمر بات يفوق إمكانات الإدارة الذاتية.
وعلى وقع التقدم العسكري لـ«قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من التحالف الدولي بقيادة أميركية، فرّ أكثر من 46 ألفاً تباعاً من مناطق سيطرة التنظيم منذ ديسمبر (كانون الأول)، وفق «المرصد».
وأحصت لجنة الإنقاذ الدولية التي توجد طواقمها داخل مخيم «الهول» وفاة 78 شخصاً منذ بدء حركة النزوح؛ «غالبيتهم أطفال صغار توفوا في طريقهم إلى مخيم الهول أو بعد وصولهم بفترة وجيزة». وقالت إن ثلثي الأطفال المتوفّين دون عمر السنة.
ومُني التنظيم الذي أعلن في عام 2014 السيطرة على مساحات واسعة في سوريا والعراق المجاور، تقدر بمساحة بريطانيا، بخسائر ميدانية كبرى خلال العامين الأخيرين.
ويؤكد قياديون في «قوات سوريا الديمقراطية» أنه بعد انتهاء إجلاء المحاصرين في الباغوز، لن يكون أمام مقاتلي التنظيم إلا خيار الاستسلام أو الموت في هجوم تخطط لشنّه تمهيداً لإعلان القضاء على التنظيم.
وقال عمر: «في الأيام القليلة المقبلة، ستعلن قواتنا القضاء على تنظيم داعش، ولكن هذا لا يعني أننا قضينا على الإرهاب الذي يجب استئصاله من الجذور». ولا يعني حسم المعركة في دير الزور انتهاء خطر التنظيم، في ظل قدرته على تحريك خلايا نائمة في المناطق المحررة وانتشاره في البادية السورية المترامية المساحة.
الشرق الأوسط