في زيارة لم يعلن عنها مسبقاً، وهي الأولى منذ اندلاع الثورة السورية في 15 آذار/مارس عام 2011، قام رئيس النظام السوري بشار الأسد، فجر اليوم الإثنين، بزيارة إلى العاصمة الإيرانية طهران، والتقى بالمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، والرئيس حسن روحاني، وهذه الزيارة هي الأولى للأسد إلى طهران منذ العام 2010، وتأتي بعد أسابيع من توقيع البلدين اتفاق تعاون اقتصادي “طويل الأمد”، شمل قطاعات عدة أبرزها النفط والطاقة الكهربائية والزراعة والقطاع المصرفي.
وقال المرشد الإيراني في اللقاء إن “سورية خرجت منتصرة في مواجهة تحالف كبير بين أميركا وأوروبا وحلفائهما في المنطقة”، مؤكداً أن إيران ستواصل دعمها لسورية، وأنها “تفتخر بذلك”، كما اعتبر أن البلدين “عمق استراتيجي للبعض، مما يمنع الأعداء من تنفيذ مخططاتهم”.
وأضاف خامنئي أن “المنطقة الآمنة التي يريد الأمريكان إنشاءها في سورية مؤامرة خطيرة، يجب التصدي لها بقوة”، لافتاً إلى أن “أميركا تخطط ليكون لها حضور مؤثر على الحدود العراقية السورية”.وأكد أنه “ينبغي تطوير العلاقات المذهبية وزيارات متبادلة لعلماء إيران وسورية”، مخاطباً الأسد “أنك أصبحت اليوم بطل العالم العربي بصمودك”، وفق قوله.من جهته، شكر بشار الأسد إيران على دعمها لنظامه خلال السنوات الماضية، قائلاً إن جهود الولايات المتحدة الأميركية في سورية باءت بالفشل، و”أنها جاءت بنتائج معكوسة”، مشدداً على تعزيز العلاقات بين إيران وسورية لـ”إحباط مؤامرات الأعداء”.واعتبر الأسد أن “العلاقات المذهبية، مثل التواصل بين علماء سورية وإيران، تشكل فرصة مهمة لمواجهة التيارات التكفيرية”، داعياً أيضاً إلى “تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين”.
ولكن المظاهر لم تفلح في إخفاء محتوى آخر للزيارة يفضح مظاهر الاستقرار والانتصار المزعومة ويناقضها ويكشف زيفها، وبالتالي لا يفرغها من مضمونها ويعطل أغراضها فقط، بل يعطي عنها إشارات معاكسة تماماً في حقيقة الأمر. ذلك لأن المنتصر والمستقر لا يقوم بزيارة غير معلنة مسبقاً ولا يتم الإفصاح عنها إلا بعد انتهائها، ولا تضمّ وفداً رفيع المستوى يرافق رئيس النظام في زيارة هي الأولى له إلى طهران منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2010، ولا يُرفع فيها علم النظام خلال اجتماع الأسد مع نظيره الإيراني.
وقد أثارت الزيارة العديد من التساؤلات من حيث التوقيت والأسباب، حيث اعتبر مراقبون أن زيارة الأسد تندرج ضمن حاجة مشتركة سورية إيرانية لتظهير العلاقة الحميمية التي تربط النظامين الإيراني والسوري. وأضاف هؤلاء أن إيران ترسل من خلال استقبالها للأسد إشارة إلى الخارج حول ما تملكه من نفوذ في سوريا، كما أنها ترسل إشارة أخرى إلى الحليف الروسي حول موقع إيران داخل الخارطة السياسية للنظام السوري.
وقد اعتبرها سياسيون سوريون معارضون محاولة للاحتماء بالحضن الإيراني، وسط الحديث عن عزم روسيا تغييره تماشياً مع التفاهمات الدولية. وقال عضو الهيئة السياسية في الائتلاف السوري المعارض، لا يمكن للأسد الخروج من العباءة الروسية، لكنه حاول بزيارته الأخيرة إلى طهران الاحتماء بالحضن الإيراني من الرغبة الروسية في تغييره وفقاً للمتطلبات الدولية. كما اعتبر أن الزيارة جاءت في سياق طبيعي بعد استدعائه من قبل إيران بهدف الحصول على المزيد من المكاسب، وأضاف أنها ستكون مقدمة لزرع المزيد من الفتن في سورية التي تمولها إيران ومليشياتها على أساس طائفي.ومن جانبه، رأى مسؤول الدائرة الإعلامية في الائتلاف، أحمد رمضان، أن طهران من خلال جلبها للأسد أرادت أن توجه رسائل إلى أطراف إقليمية ودولية، في لحظة تبدو فيها أقرب إلى المواجهة مع الولايات المتحدة والغرب.
ولفت إلى أن القيادة الإيرانية مستاءة من روسيا بعد أن أبدت نوعاً من الاستعداد لإبرام صفقة مع واشنطن أو أنقرة بشأن سورية، وإدلب وشرق الفرات، وقلقة من تحركات الولايات المتحدة العسكرية وعقوباتها الاقتصادية، وخاصة بعد مؤتمر وارسو، وغير مطمئنة لمواقف أوروبا التي تبدو متقاعسة في تقديم مقترحات عملية تبرر بقاء إيران في الاتفاق النووي. واعتبر أن رحلة الأسد الأولى خلال الثورة إلى طهران جزء مكمل لخطابه الذي انتقد فيه أستانة وسوتشي وبدا أنه يتحدث بلكنة إيرانية منتقداً فيها تركيا بوضوح وروسيا بشكل مبطَّن، ومتنصِّلاً من استحقاقات المفاوضات والعملية السياسية، وبالتالي يعطي مؤشراً واضحاً على أنه حسم خياره في الانحياز إلى إيران، وأشهر ذلك على الملأ.
ومن جانبه، قلل يحيى العريضي، من أهمية الزيارة، وقال إن الطرفين “مهزومان، ولم يعد الأسد قادراً على إرسال رسائل سياسية للعالم، إذ لم تعد لديه إرادة، لذا فإن الجانب الإيراني أراد توجيه رسائل مفادها أن بشار الأسد تابع لنا ولا تستطيع أي جهة شده إلى طرفها تحت يافطة إعادة تأهيله بشرط فك ارتباطه مع طهران”.ويرى العريضي أن زيارة الأسد إلى إيران لا يمكن عزلها عن زيارة قريبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى موسكو، كما جاءت في وقت سرّبت فيه روسيا بشكل مقصود صورته المهينة في قاعدة حميميم الروسية.
واعتبر مراقبون للشؤون السورية أن زيارة الأسد لإيران تشبه في شكلها الزيارات التي سبق للرئيس السوري أن قام بها إلى روسيا من حيث سريتها ورمزيتها بالنسبة إلى الدولة المضيفة.ورأى هؤلاء أن للزيارة إلى طهران مضمونا إيرانيا على منوال المضمون الروسي للقاءات الأسد المتكررة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مشيرين إلى أن زيارة الأسد لطهران تؤكد ارتهان القرار في دمشق للحليفين الإيراني والروسي وعدم وجود أي حيثيات مستقلة بالنسبة للنظام في دمشق. ويرى مراقبون عرب أن زيارة الأسد لطهران في هذا التوقيت تأتي ردا على أي تعويل عربي على إمكانية تخلي النظام السوري عن علاقته مع إيران.
وأياً كانت الصلة، من عدمها، بين استقالة ظريف وزيارة الأسد إلى طهران فإن الصور الرسمية لاستقبال رئيس النظام السوري أظهرت غياب ظريف رجل الدبلوماسية والسياسة، مقابل حضور قاسم سليماني رجل «فيلق القدس» والحرب. وليت علم النظام السوري كان الرمز السيادي الوحيد الذي يغيب عن زيارات الأسد النادرة إلى روسيا وإيران، الدولتين اللتين تكفلتا بإنقاذ نظامه عن طريق التدخل العسكري المباشر، إذ تشاء المصادفة أن تسرّب موسكو صوراً فوتوغرافية جديدة عن زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى قاعدة حميميم السورية، أواخر 2017، يظهر فيها الأسد منزوياً في منطقة خلفية بعيدة إلى جانب ضابط روسي. ولهذا فقد كان مضحكاً أن يطلب الأسد من حكومات المنطقة التوقف عن الانصياع إلى إرادة قوى خارجية، وهو يتحدث من طهران التي سلم إلى حرسها الثوري وميليشياتها مفاتيح غزو سوريا واجتياح أراضيها والعبث بوحدتها الوطنية وانتهاك خصوصياتها الثقافية.ويبقى أن الزيارة حملت درساً بليغاً للأنظمة التي تلهث إلى التطبيع مع نظام الأسد وإعادة فتح سفاراتها في دمشق تحت ذريعة قطع الطريق على النفوذ الإيراني في سوريا، فهنا أيضاً مناسبة سانحة لافتضاح المظاهر الخادعة وانكشاف الحقائق.
وحدة الدراسات العربية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية