أنقرة – لم يستمرّ صمت الرئيس التركي السابق عبدالله غول طويلا لينضمّ إلى قائمة المعارضين لتسلّط حليفه الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان.
ويجري الحديث على نطاق واسع في تركيا عن حالة انشقاق يقودها عبدالله غول، ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، وهما القياديان المؤثران في حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم، حيث يعتبران من أبرز الرموز التي أكسبت الحزب حضورا شعبيا مكّنه من السيطرة على الحياة السياسية.
وتحدثت أوساط تركية عن أن غول وداود أوغلو، إضافة إلى شخصيات أخرى كانت مؤسسة للحزب ونافذة داخله (من بينها علي بابا جان وزير الخارجية الأسبق، ومحمد شيمشك الذي شغل منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية)، شرعوا في التأسيس لحزب جديد يمثل ما يقولون إنه روحية الحزب الأصلية، التي بدا أن أردوغان صادرها خدمة لزعامته.
ولم تستبعد هذه الأوساط أن يفاجئ الحزب الجديد، الذي يتوقع أن يترأسه بابا جان، حزب أردوغان بقوائم منافسة له في الانتخابات المقبلة.
وإن استبعد مراقبون أن يتجهّز الحزب الجديد للمشاركة في الانتخابات، وأن يتوفّر له الوقت لذلك، فإن الأمر سيضيف ضغوطا جديدة على الحزب الحاكم، ويؤثر على كتلته الناخبة، التي لطالما صوتت للحزب وقيادته التاريخية الموحّدة.
وستفقد عملية الانشقاق الحزب مصداقية داخل الأوساط التقليدية التي واكبته ورفدته بالدعم والثقة.
ويقول المراقبون إن ظهور حزب لأصدقاء سابقين ولقيادات مؤثرة في مسيرة الحزب الحاكم، سيوجّه صفعة قوية لأردوغان، كما أن الخطوة قد تشجع على لحاق عناصر نوعية أخرى داخل الحزب استطاع أردوغان تهميشها بشكل مذل خلال السنوات الأخيرة.
وكان أردوغان قد بنى على أساس ذلك زعامته الأحادية على رأس الحزب والدولة، مبعدا عن طريقه أي شخصيات لها اعتبار داخل تركيا وتتمتع بكفاءات رجال الدولة الكبار.
وما يؤكد مخاطر المبادرة الحزبية الجديدة على الحزب الحاكم ردة فعل أردوغان الغاضبة، حين قال خلال تجمع انتخابي قبل الانتخابات المحلية المقررة في 31 من مارس، إن بعض “الأصدقاء” قد قفزوا من قطار حزب العدالة والتنمية وركبوا قطارا آخر.. “هؤلاء الذين يخونوننا اليوم سوف يخونون المكان الذي يذهبون إليه في المستقبل”.
ويقول إرغون باباهان، رئيس تحرير القسم التركي في موقع أحوال تركية، إن نظام أردوغان لا يستهدف المعارضين فحسب بل يستهدف المؤيدين أيضا، مشيرا إلى أنه لا يسمح لمؤيدي الحزب الحاكم بالتعبير عن آرائهم ومواقفهم الخاصة، وتتم معاقبتهم في اللحظة التي ينتهكون فيها الخط الذي رسمه أولئك الذين في السلطة.
وتشير تقارير محلية إلى أن الحزب الجديد يقترب من الانتهاء من عملية التنظيم السياسي في 40 إقليما في أنحاء تركيا.
وأبعد أردوغان داود أوغلو عن رئاسة الحزب ورئاسة الوزراء عام 2014 دون أن يصدر عن الأخير أي رد فعل سلبي متبرم. فيما تراجع غول عن خوض المنافسة الرئاسية ضد أردوغان في يونيو من العام الماضي دون أن يصدر عن الرجل ما يكشف علنا حالة الخلاف بينهما.
وشغل داود أوغلو، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، منصب رئيس الوزراء في الفترة الممتدة من 14 أغسطس من 2014 حتى مايو من 2016، عندما أجبره الرئيس أردوغان على الاستقالة.
ويقلق الحراك الانشقاقي الحالي الرئيس التركي لأنه يعتقد أنه يتأسس على مناخ داخلي كما على آخر خارجي يفتح للبدائل الخروج إلى العلن، خصوصا وأن هذه البدائل تنهل من مخزون الحزب وليست واردة من أحزاب منافسة ذات خلفيات أيديولوجية مناقضة.
ويرصد المراقبون باهتمام مسار الانتخابات المحلية التركية، ليس لكونها استحقاقا داخليا قلما يتم التعويل عليه في استشراف مستقبل البلاد، بل بصفتها استحقاقا رفع حزب العدالة والتنمية الحاكم من شأنه، واعتبره الرئيس التركي موعدا مفصليا مهما في تاريخ البلاد.
ويعوّل أردوغان كثيرا على تحقيق نصر كبير في هذه الانتخابات، لتأكيد زعامته للبلاد، كما شرعيته على رأس دولة إقليمية منخرطة في ملفات أساسية في المنطقة.
وتتحدث الأنباء عن صعوبة هذه الانتخابات بالنسبة للحزب الحاكم بسبب تراجع المؤشرات الاقتصادية وتصاعد مستوى الامتعاض العام من سياسات أردوغان الداخلية والخارجية.
وارتفعت أسعار بعض المواد الغذائية إلى ما بين 300 و400 بالمئة، الأمر الذي اضطر أردوغان إلى أن يطلب من تجار الجملة التابعين للدولة في أنقره وإسطنبول بيع المنتجات مباشرة للمستهلكين. كما انهارت أسعار العملة التركية ما أثر مباشرة على صناعات القطاع الخاص، التي يعتمد عدد من أصحابها على الواردات لتسيير أعمالهم. ويفترض أن على تركيا سداد دين خارجي بـ180 مليار دولار في يوليو المقبل، بما يساوي ربع الناتج الاقتصادي التركي.
العرب