“لا أرى مستقبلا لي في سوريا، والآن لدي شركتي الخاصة هنا في تركيا؛ لكن سيكون من دواعي سروري خدمة بلدي الأم والبلد الذي احتضنني”. هكذا بدأ الشاب السوري محمود دخيل حديثه، بعد أن أصبح اسمه محمود دهيل أوغلو بعد حصوله مؤخراً على الجنسية التركية.
في حرم جامعة غازي بالعاصمة التركية أنقرة، حيث يدرس الهندسة، حكى دخيل تجربته للجزيرة نت، وارتسمت على محياه ابتسامة اختلجتها مسحة حزن، فسّرها بفرحة الحصول على جنسية جديدة ستقدم له تسهيلات جيدة؛ لكنها فرحة تعتريها حسرة شوق لذكريات تركها خلفه في بلده الأصلي الذي أنهكته الحروب.
76 ألف سوري
ويبلغ عدد اللاجئين السوريين الذين حصلوا على الجنسية التركية 76 ألفًا و443، من بينهم 5280 معلمًا و1432 مهندسًا و743 طبيبًا و732 تقنيًا و543 صاحب عمل و427 مديرًا و396 تاجرًا، وغيرهم من أصحاب المهن والشهادات العلمية، وفق ما أعلنه وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، في مقابلة تلفزيونية مع قناة خبر تورك.
ويقول دخيل -وهو من محافظة دير الزور- إن كونه يحمل الجنسية السورية جعله ذلك يحصل على الجنسية التركية بشكل استثنائي، “حيث اتصلت وزارة الداخلية بي ودعتني لمقابلة قدمت خلالها الأوراق المطلوبة، وتبعتها مقابلة مع والي أنقرة”.
وذكر أن الجنسية التركية تمثل عامل استقرار له في المهجر، وراحة من متاعب تجديد الإقامة وجواز السفر، مما يستهلك الكثير من وقت ومال السوري الذي يعيش خارج البلاد.
ويصف مشاركته في الانتخابات المحلية المقبلة بالتجربة الديمقراطية الأولى له بعد خروجه من سوريا، فلم يستطع أثناء وجوده في بلده الأم أن يشارك بحرية في الانتخابات السورية بسبب “التزوير والفساد”، وفق تعبيره.
منافع متبادلة
ويقول الكاتب الصحفي التركي المقرب من الحكومة التركية حمزة تكين للجزيرة نت “إن أنقرة درست قرار تجنيس جزء من السوريين؛ فالقرار فيه منافع متبادلة بين السوريين وتركيا”.
وبحسب تكين، فإن السوريين الحاصلين على الجنسية التركية أصبحوا أكثر تفاعلا في المجتمع التركي، فضلا عن امتلاكهم وثائق رسمية تسمح لهم بمزيد من العمل والإبداع، ومزيد من الحرية في التعبير عن آرائهم المتعلقة ببلدهم الأم بعد انتفاء حاجز الخوف عندهم”.
ولفت إلى أن أنقرة تستفيد من السوريين المجنسين؛ فهم سيسهمون في إنعاش وازدهار الاقتصاد التركي، وسيكون لهم دور في بناء وطنهم الأم مستقبلا بعد إنهاء الوضع القائم هناك وفق تطلعات الشعب السوري.
حملات طرد
وفي المقابل، ومع قرب الانتخابات المحلية في البلاد، تصاعدت حملات جديدة تدعو إلى طرد السوريين من تركيا عقب إعادة نشر مقاطع فيديو لشبان سوريين يرقصون في ميدان تقسيم السياحي وسط إسطنبول في ليلة رأس السنة.
ورداً على العبارة الشهيرة التي يرددها معارضون تركيون بشأن اللاجئين السوريين، والتي تقول إن الجيش التركي يُقتل في سوريا في حين يلهو السوريون في إسطنبول؛ قال وزير الداخلية التركي في تصريحات صحفية إن “أكثر من 71 ألف مقاتل سوري من المعارضة قتلوا من أجل الدفاع عن أراضيهم منذ عام 2011″، لافتاً إلى أن الشبان السوريين سيقاتلون إلى جانب الجيش التركي إذا طلب منهم ذلك.
من جهته، أكد الكاتب تكين أن المجتمع التركي المدرك لطبيعة المنطقة ليست لديه أي مخاوف من تجنيس السوريين، خاصة أن أعدادهم ليست كبيرة، على عكس ما تروجه أحزاب المعارضة التركية، وما تنشره من معلومات خاطئة لتخويف الأتراك من عملية التجنيس.
وبخصوص ادعاء المعارضة التركية بأن تجنيس السوريين هو لأمر انتخابي، أوضح الكاتب التركي أن “أعداد المجنسين قليلة، وليس لها وزن مؤثر في صناديق الاقتراع، فضلا عن أن العديد من السوريين المجنسين لم ينتخبوا لا الرئيس رجب طيب أردوغان ولا حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الماضية، بل مارسوا حقهم الانتخابي بكل حرية وديمقراطية”، وفق زعمه.
ويتوجه الأتراك والسوريون الذين يتمتعون بحق المواطنة نهاية الشهر الحالي إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات المحلية التي تجريها تركيا لاختيار رؤساء البلديات، وأعضاء المجالس، ومخاتير القرى والأحياء.
اندماج أم انصهار
بدوره، ذكر عضو الهيئة التأسيسية للائتلاف الوطني السوري محمد يحيى مكتبي للجزيرة نت “أن قوانين التجنيس لا تقتصر على السوريين فقط، بل تشمل غيرهم، لكن إنشاء الكثير من السوريين مشاريع مختلفة في القطاع التجاري والصناعي والخدماتي جعلهم مؤهلين للحصول على الجنسية التركية”.
وعبر مكتبي عن تخوفه من أن ينسى السوريون قضيتهم الأساسية التي خرجوا بسببها من بلدهم نتيجة إجرام نظام بشار الأسد واستبداده؛ قائلا إن هذه القضية يجب أن تكون حاضرة في الأذهان، خاصة لدى الأجيال اللاحقة، ومن المهم أن يحافظ السوريون على ثقافتهم ولغتهم العربية وينقلونها لأبنائهم”.
وأضاف مكتبي “نحن مع الاندماج ولسنا مع الانصهار؛ بمعنى أن السوريين المتجنسين سيكونون مفيدين لتركيا، وفي الوقت نفسه ينظرون إلى بلدهم الأصلي بالعين الأخرى، أيضا إقبال الشباب السوري على الجامعات التركية هو مكسب مزدوج لكلا الطرفين”.
ونفى وجود تنسيق بين أنقرة والائتلاف السوري في ما يخص مسألة التجنيس، حيث اعتبره مكتبي شأنا داخليا تركيًّا، ومن اختصاص السلطات التركية التي تدرس قائمة المرشحين.
يذكر أن عدد السوريين المقيمين في تركيا بلغ ثلاثة ملايين و585 ألفًا و738 شخصًا، وفق بيانات صدرت عن دائرة الهجرة في وزارة الداخلية التركية.
المصدر : الجزيرة