كيف يمكننا «تصريف» تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس الأحد بأنه اتفق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على «إخراج القوات الأجنبية من سوريا»، وهل يمكننا اعتباره، كما رأت بعض الأطراف السياسية، حلفا جديداً بين الروس والإسرائيليين ضد الوجود الإيراني في سوريا، أم أنه مجرّد استطراد بلاغيّ متوقع من نتنياهو الذي يواجه تهما بالفساد وكذلك منافسة قوية من خصومه في الانتخابات النيابية المقبلة؟
اللقاء «الحميم» والقصير بين بوتين ونتنياهو الأسبوع الماضي سبقته لقاءات كثيرة عديدة منذ التدخل العسكري الروسي في سوريا عام 2015، ورغم المناكفات العديدة بين الطرفين، والتي يمثل إسقاط تل أبيب لطائرة شحن روسية العام الماضي ذروة التصعيد فيها، فإن الأكيد أن الاختلافات بينهما لا تدور على بقاء النظام السوري ولكن على إخراج أو إبقاء القوات الإيرانية على الأراضي السورية.
إشارات عديدة قادمة يمكن تفسيرها بحصول تقارب بين موسكو وتل أبيب في الموضوع الإيراني.
من هذه الإشارات تقصد إيران معاكسة مفاعيل زيارة نتنياهو لموسكو بالزيارة المفاجئة لرئيس النظام السوري بشار الأسد إلى طهران، ولقائه مرشدها الأعلى علي خامنئي، والتي أعطاها حضور قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني (والتغييب المتقصد لوزير الخارجية محمد جواد ظريف) طابعاً عسكريّا واضحاً، وتبعت ذلك تصريحات الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني سخرت من «زيارات نتنياهو العبثية» وأكدت أنها «لن تؤثر على التواجد الإيراني في سوريا».
إضافة لذلك فهناك أنباء من جهات مختلفة تؤكد حصول صراع عسكري وسياسي على النفوذ في سوريا بين موسكو وطهران انعكس باشتباكات ومناوشات بين فرقتين عسكريتين سوريتين، الرابعة الموالية لإيران، والخامسة الخاضعة للروس، ويبدو أن صمود القوات الموالية لإيران، معطوفا على إعلان دمشق وطهران اتفاقا للتعاون الاستراتيجي يتضمن استثمارات إيرانية في قطاعات الكهرباء والمياه والطرق والإسكان، أديا لإعلان موسكو تقاربا أكثر مع إسرائيل (رغم الوضعية المتراجعة سياسيا لنتنياهو) وخصوصاً بعد التشدد الأمريكي ـ الأوروبي الذي ربط عمليات «إعادة الإعمار» وعودة اللاجئين بحلّ سياسيّ يضعف مركز الأسد، والذي أدّى إلى تراجع مواز في حماس بعض الأنظمة العربية للتطبيع مع نظام الأسد.
هناك إشارات أخرى كثيرة من الساحات العالمية والإقليمية إلى مشاركة بعض الدول الأوروبية في حصار النظام في إيران، والتضييق على أذرعه العسكرية والسياسية، كما حصل قبل أيام من إعلان بريطانيا «حزب الله»، بجناحيه السياسي والعسكري، منظمة إرهابية، ويقابله تصعيد إيرانيّ، وخصوصاً في العراق، حيث تتصاعد الدعوات السياسية لإخراج القوات الأمريكية، وتعمل بعض القوى السياسية في البرلمان على إصدار قانون في هذا الخصوص، وكذلك في اليمن، التي تقف المفاوضات السياسية فيه على كف عفريت.
تصريحات نتنياهو، رغم أنها تؤشر إلى تقارب أكثر بين موسكو وتل أبيب ولكنّها لا يمكن أن تعتبر إعلانا عن «حلف» بين الطرفين، وجلّ ما يمكن أن يحصل عليه نتنياهو هو ما حصل عليه سابقا، وهو ترك خريطة الأهداف الإيرانية على الأرض السورية متاحة للقصف (بوقف تشغيل منظومات الصواريخ الروسية ضد الطيران الإسرائيلي)، وهو ما سيجعل نظام بشار الأسد أكثر ضعفاً ومطواعيّة للأمر الروسي، وسيكون موضوع التفاوض الرئيسي بعد ذلك، مع الأمريكيين والأوروبيين، حيث سيرتبط ارتفاع (أو هبوط) أسهم روسيا في المقايضة بدرجة تحكّمها في زيادة أو تقليص الوجود الإيراني في سوريا.
القدس العربي