الحزبان الحاكمان في كردستان العراق يقاومان ظاهرة تمرّد “الجيل الجديد”

الحزبان الحاكمان في كردستان العراق يقاومان ظاهرة تمرّد “الجيل الجديد”

السياسي الكردي العراقي الشاب شاسوار عبدالواحد، بحسب متابعين للشأن العراقي، واجهة لظاهرة أكثر تعقيدا تتمثّل بصعود زعامات جديدة ترفع شعار التغيير في سياق سعيها لانتزاع حصّة في حكم الإقليم وثرواته التي ظلّت لعقود محتكرة من الحزبين الرئيسين الحاكمين بموجب تسوية برعت “الزعامات التاريخية” للإقليم في الحفاظ عليها رغم ما بينها من خلافات وصراعات.

السليمانية (العراق) – تحاول الطبقة السياسية المتحكّمة بزمام السلطة في السليمانية التابعة لإقليم كردستان العراق فرملة الصعود اللاّفت للسياسي الشابّ ورجل الأعمال النشط، شاسوار عبدالواحد الذي أصبح يمثّل مصدر إزعاج لحزب الاتحاد الوطني الكردساني بقيادة ورثة الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني، وحتى للحزب الديمقراطي بزعامة آل البارزاني، وذلك بقيادته حركة سياسية جديدة بدا أنّها تحظى باهتمام أعداد متزايدة من أبناء الجيل الشاب الممتعض من الوجوه السياسية المستهلكة وشعاراتها القديمة.

واعتُبر توقيف شاسوار من قبل سلطات الإقليم لمدّة 24 ساعة بمثابة إنذار له من التمادي في أنشطته المضادة للسلطة القائمة، وبأنّه ليس بمنأى عن الملاحقة.

وأطلق، الاثنين، سراح السياسي الشاب شاسوار عبدالواحد الذي كانت السلطات الأمنية في السليمانية قد اعتقلته، الأحد، بعدما وجه نقدا حادا للعائلتين السياسيتين اللتين تحكمان المنطقة الكردية في العراق، وهما عائلة الزعيم المخضرم مسعود البارزاني وعائلة الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني، وقال إن “الشعب الكردي سيسحل رموز “هاتين العائلتين، ويعلقهم على أعمدة الكهرباء”.

وعلّق مصدر سياسي كردي عراقي على حادثة اعتقال شاسوار وما أثارته من جدل بالقول إنّ “النقد الذي يوجه إلى استفراد عائلتين بالحكم في كردستان ليس جديدا، وليس جديدا أيضا استنكار فئات من الشعب الكردي طبيعة الحكم العشائري بصيغته الوراثية.

لكنّ الجديد في الأمر أن هناك فئات صاعدة تمثل طريقة تفكير جديدة ترغب في أن تحل محل الفئات الحاكمة وهو ما يمكن أن ينذر بوقوع صراع ما بين أطراف تقليدية كانت إلى وقت قريب تحتكر الحكم والثروة وأيضا الخصومة والنزاع، وبين أطراف تسعى إلى أن تصنع تاريخا سياسيا جديدا لا يقوم على القاعدة العشائرية بل على الوجاهة المالية وهي أطراف تبتكر صيغا جديدة للصراع ولها أساليب غير معتادة لصنع التحالفات السياسية”.

وبحسب المصدر ذاته فإنّ “هناك مسافة كبيرة تفصل بين الزعامات الكردية والشعب تحاول الفئات الصاعدة من رموز الثروة الجديدة أن تستغلها وتستثمرها في الوصول إلى طموحها السياسي وقد تستند تلك الفئات إلى دعم خفي من بغداد أو على الأقل من عدد من الأحزاب الحاكمة هناك. وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تغيير الكثير من المعادلات وبالأخص على مستوى الرغبة في انفصال الإقليم أو بقائه ضمن العراق”.

أحزاب حاكمة في العراق تدعم دعاة التغيير في كردستان للتأثير في معادلات العلاقة القائمة بين الإقليم والدولة المركزية

واستثمر عبدالواحد ببراعة في الأزمة السياسية والاجتماعية التي بلغت ذروتها خلال السنوات القليلة الماضية وأخرجت أهالي إقليم كردستان العراق إلى الشارع في تظاهرات احتجاجية غاضبة.

وينحدر شاسوار من عائلة شعبية ليس لديها إرث سياسي، فيما يشتهر شخصيا في السليمانية بلقب “ابن صانع الكباب” نسبة إلى مهنة والده. وبنى شاسوار ثروة طائلة في المدينة، بعد عودته من مهجره في ألمانيا التي ذهب إليها لاجئا.

ويقول خصومه إن شاسوار عبدالواحد هو أحد أبرز المهرّبين عبر الحدود العراقية الإيرانية، إذ تولى إدخال مواد إلى البلدين تحظر استيرادها سلطات البلدين، وهو ما يفسر ثراءه السريع.

واستثمر عبدالواحد جل أمواله في مشروعات سكنية، إذ أنشأ مجمّعا سكنيا فارها أطلق عليه اسم “القرية الألمانية”، كما بنى مدينة ترفيهية متكاملة أسماها “جافي لاند”.

ولكن أبرز مشاريع السياسي الشاب، تمثلت في إنشائه سلسلة محطات فضائية، باللغة الكردية العربية، حظيت بمتابعة واسعة في صفوف شبان السليمانية وخارجها.

وعرفت المحطات الفضائية المملوكة لعبدالواحد بالجرأة الكبيرة في نقد السلطات التي تهيمن على إقليم كردستان، متهمة إياها بسرقة الأموال التي تخصصها بغداد للإقليم الكردي.

وعندما اندلعت موجة تظاهرات غاضبة في المنطقة الكردية، أواخر 2017، ضد الفساد والهيمنة العوائلية على السياسة، اعتقلت سلطات السليمانية عبدالواحد لدى عودته إلى المدينة، بتهم تحريض السكان على التظاهر وإثارة الشغب، وأغلقت جميع المحطات الفضائية التي يملكها، قبل أن تفرج عنه خلال أيام، لتعاود محطاته الفضائية العمل بجرأة أكبر.

واستغل الشاب الكردي التأثير البارز لمحطاته الفضائية، ليعلن تأسيس حزب سياسي حمل اسم “حراك الجيل الجديد”، الذي سرعان ما نجح في بناء قدر من الشعبية، محققا 4 مقاعد في الانتخابات العراقية العامة التي جرت في مايو الماضي. وعاد “الجيل الجديد” ليحقق نجاحا مؤثرا خلال انتخابات برلمان المنطقة التي جرت في سبتمبر الماضي، بحيازة 8 مقاعد من أصل 111 مقعدا في مجلس نواب الإقليم.

ويبدو أنّ السياسي الشاب يطمح لأخذ مكان حركة التغيير التي مثّلت في وقت سابق أبرز منافس سياسي لحزب طالباني لكنّها لم تستطع الحفاظ على مكانتها بعد رحيل مؤسسها نوشيروان مصطفى.

وكلما اكتسب شاسوار عبدالواحد أرضا سياسية جديدة، ارتفع صوته أكثر في المنطقة الكردية. وأخيرا، ظهر في إحدى محطاته الفضائية، ليقول إن “سكان السليمانية، سيسحلون أبناء عائلة طالباني، ويعلقونهم على أعمدة الكهرباء”.

وأغضب هذا التصريح عائلة طالباني بشدة، وفقا لمصادر مواكبة. وقالت المصادر إن عائلة طالباني استخدمت نفوذها الكبير في مدينة السليمانية، التي تحكمها فعليا منذ أعوام، واستصدرت مذكرة اعتقال ضد عبدالواحد.

وحاول عبدالواحد استثارة الرأي العام الكردي عندما توجه سيرا على الأقدام نحو مبنى المحكمة ليسلّم نفسه، لكنه اعتقل قبيل دخولها.

وقالت المحكمة التي مثل أمامها عبدالواحد، إن رئيس حراك الجيل الجديد متهم بإهانة موظفين بمطار السليمانية أثناء أداء عملهم، مؤكدة أن 3 أشخاص تقدموا بشكوى ضده. وفي حال إدانته، ربما تصل عقوبة التهم الموجهة لعبدالواحد إلى الحبس ثلاثة أعوام.

وقبيل إلقاء القبض عليه، قال عبدالواحد لوسائل إعلام ترافقه “نعتقد أننا أبرياء وسنمثل أمام القضاء بكل فخر”. وأضاف “طريقنا محفوف بالمخاطر.. وما يحدث متوقع لنا”. ومضى يقول إن “أمر القبض لن يثنينا عن استكمال مشروعنا حتى إذا تعرضنا للتعذيب أو الموت”.

وقال نواب “حراك الجيل الجديد” في البرلمان العراقي، إن اعتقال عبدالواحد يستند إلى دوافع سياسية وليست قانونية، فيما وصفوا القضاء في الإقليم الكردي بأنه “مسلوب الإرادة” إذ يجري “توظيف القضاء من قبل الأحزاب لغايات سياسية”.

وطالب النواب الحكومة الاتحادية بالتدخل لإطلاق سراح عبدالواحد، ومنع الأحزاب الكردية من استخدام القضاء في تصفية حسابات سياسية.

وقال تحالف الإصلاح والبناء الذي ينتمي إليه حراك الجيل الجديد، معلقا على اعتقال عبدالواحد إن “المعارضة السياسية ليست كفرا إنما هي عمل سياسي من وجهة نظر أخرى” مطالبا بإطلاق سراح عبدالواحد.

وقالت البرلمانية العراقية السابقة سروة عبدالواحد، شقيقة القيادي الموقوف، إنّ شاسوار اعتُقل “لأنه ينتقد فسادهم وظلمهم، ولأنه لا يرضخ لأوامرهم ورفض أن يكون شريكا لهم”.

واعتبر الإعلامي العراقي الشهير منتظر الزيدي أنّ “اعتقال شاسوار هو اعتقال سياسي لا قانوني ويدل على أنّ ما يجري في الإقليم هو هيمنة السياسة على القضاء”.

وانتقد الناشط المستقّل محسد جمال الدين قرار الاعتقال قائلا عبر تويتر “لم يخلق بعد من يستطيع الغناء خارج سرب أحزاب عوائل السوبر، لا في محافظة السليمانية ولا في كل محافظات العراق، وإلا فالتهمة جاهزة: مشاجرة مع موظف في مطار”.

 

العرب