كما كان متوقعاً لدى الغالبية الساحقة من مراقبي الشأن الجزائري، تقدم الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بأوراق ترشيحه لولاية خامسة في الانتخابات الرئاسية التي ستجري يوم 18 نيسان/ أبريل المقبل. ورغم أن رئيس الهيئة العليا لمراقبة الانتخابات كان قد أكد أن القانون واضح من حيث وجوب حضور المترشح بنفسه لتقديم ملف تشريحه، فإن بوتفليقة بقي في جنيف قيد العلاج وتولى وكيل حملته أمر الحضور إلى مبنى المجلس الدستوري وإيداع الملف.
أما الشعب الجزائري، وعلى خلاف توقعات المراقبين، فقد كانت آمال عريضة تحدوه لانتظار سيناريو آخر يستجيب بوتفليقة بموجبه للتظاهرات الشعبية الحاشدة التي عمّت الجزائر وطالبت بامتناعه عن خوض هذه الولاية الخامسة، وتوديع 20 سنة من تربعه على رأس الحكم بسلسلة إصلاحات تلبي مطالب الشعب في تحسين المعيشة والتوزيع العادل للثروات الوطنية واقتلاع ظاهرة الفساد التي تضرب بجذورها في جميع مفاصل الدولة.
خابت آمال الشعب إذن وتشبث بوتفليقة بالسلطة، واقترح بديلاً هزيلاً يذكّر بالحلول التجميلية والترقيعية التي لجأ إليها مستبدون عرب في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والسودان حين أوشكت الانتفاضات الشعبية على هز عروشهم. فما الذي منع بوتفليقة خلال أربع ولايات رئاسية وعقدين من الحكم أن يتخذ إجراءات الإصلاح الستة التي يعد الجزائريين بها إذا أعادوا انتخابه مجدداً؟ ولماذا يحتاج إلى وقت إضافي في الحكم لكي يضمن أن يتم استخلافه «في ظروف هادئة وفي جو من الحرية والشفافية»؟ وهذه الدعوة إلى «تنظيم ندوة وطنية شاملة جامعة ومستقلة لمناقشة وإعداد واعتماد إصلاحات سياسية ومؤسساتية واقتصادية واجتماعية» يرى بوتفليقة في رسالته إلى الشعب أنها شرط تأسيس «النظام الجديد الإصلاحي للدولة الوطنية الجزائرية»، لماذا لم يشكلها من قبل رغم الظروف الصعبة والأزمات الخانقة التي شهدتها البلاد؟
هذه الأسئلة وسواها ستدور في أذهان المواطنين الجزائريين ولسوف تصب الزيت على نيران الاحتجاج الشعبي المشتعلة أصلاً، والتي جاء تصميم بوتفليقة على الترشح لولاية خامسة ليضيف من خلالها الإهانة إلى الغضب والضرب عرض الحائط بإرادة الشعب الواضحة والتي يزعم الرئيس الجزائري أنه تابعها ونمت إلى مسامعه «آهات المتظاهرين، ولا سيما تلك النابعة عن آلاف الشباب». وهو في هذا يستأنف خطاب تضليل انخرط فيه بعض رجالاته، مثل رئيس أركان الجيش الذي اعتبر رفض ولاية بوتفليقة الخامسة بمثابة «نداءات مشبوهة ظاهرها التغني بالديمقراطية وباطنها جر هؤلاء المغرر بهم إلى مسالك غير آمنة وغير مأمونة»، أو الوزير الأول أحمد أويحيى الذي حذّر من أن المسيرات في سوريا بدأت بالورود وانتهت بالدم.
ومن الواضح أن عناد بوتفليقة في ترشيح نفسه للمرة الخامسة في ضوء حالته الصحية المتدهورة وتجاوزه سن الثمانين هو المؤشر الأول على أن الطغمة الحاكمة من حوله عاجزة عن العثور على بديل له يكفل مصالحها وامتيازاتها ويحظى في الآن ذاته بإجماع الأجهزة العسكرية والأمنية والسياسية التي تقبض فعلياً على مفاصل السلطة. هكذا كانت الحال في دورة 2014، وليس ابتداع مخرج تنظيم انتخابات أخرى مبكرة التزم بوتفليقة بأنه لن يترشح لها سوى انحناء مؤقت أمام العاصفة الشعبية في انتظار طبخ البديل.
القدس العربي