أرجعت صحيفة لوموند الفرنسية الارتباك الحالي الجلي للنظام الجزائري إلى سوء تقديره لحجم الهبّة الشعبية الأخيرة، وتأخر التنازلات التي قدمها وفشلها في احتواء الموقف، مشيرة إلى أنه يدفع ثمن عدم السماح ببروز شخصيات جديدة تجدد واجهته.
وتنبأت الصحيفة في افتتاحيتها بأن تستمر هذه الاحتجاجات حتى بعد إعلان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة نيته عدم الترشح، مرجعة ذلك إلى كون النظام الجزائري لم يحمل حركة الاحتجاجات محمل الجد في الوقت المناسب.
وأبرزت أن مطالب المحتجين لم تعد تقتصر على رفض الولاية الخامسة لبوتفليقة، بل امتدت “لتشمل رغبة أوسع في التغيير، تغيير النظام”.
ولفتت الصحيفة إلى أن الوقت لم يعد في صالح النظام، وأن عليه أن يدرك أنه “من خلال تقديم التنازلات المتأخرة وغير الكافية، واحدة تلو الأخرى، قد خسر اللعبة بالفعل”.
فالمحتجون -وفقا للوموند- أدركوا خلال ثلاثة أسابيع من التظاهر مدى قوتهم، تلك القوة التي أطلق عليها بطل “الثورة المخملية” التشيكية فاتسلاف هافيل “قوة الضعفاء”، في مقارنة ضمنية بين ما يجري في الجزائر والثورة التي شهدتها تشيكوسلوفاكيا وأفضت إلى سقوط النظام الشيوعي فيها.
وأوضحت الصحيفة أن الجزائريين كسروا حاجز الخوف، وأن الشباب الجزائري المتحرر من الذاكرة الثقيلة لشبح العقد الأسود وما خلفه من عشرات آلاف القتلى، أعاد للجزائريين صوتهم “فأظهروا -بطريقة سعيدة ومبهرة- قوة الاحتجاج السلمي”.
ورغم كل هذا، تقول الصحيفة إن النظام الجزائري لم يفهم بعد أو لا يريد أن يفهم، ولذلك فهو يعتزم تمديد فترة ولاية الرئيس الرابعة، خارج أي إطار دستوري، دون تحديد موعد لرحيله، مفسرة ذلك بسعي هذا النظام إلى التحكم في المرحلة الانتقالية من البداية إلى النهاية، وحفظ ما أمكن حفظه.
فالنظام الجزائري الذي تتشابك فيه بشكل غامض مصالح الزمرة الحاكمة والجيش وأصحاب المصالح الاقتصادية -وفقا للصحيفة- يدفع اليوم ثمن شلله وعجزه عن تنظيم خلافة زعيم أراد له أن يكون خالدا مخلدا، كما يدفع ثمن وقوفه أمام ظهور دماء جديدة تساهم في تسيير شؤون البلد.
لكن الصحيفة نبهت إلى أن الوضع الحالي معقد جدا، إذ يتمتع الشارع بالقوة، لكنه يفتقر إلى الطريقة اللازمة لاتخاذ الخطوة التالية، فليس لدى الجزائريين حاليا “فاتسلاف هافيل” يمكن أن يقدَّم لقيادة هذه الفترة الانتقالية المرتقبة بشكل جيد.
وهو ما دفع الصحيفة لتقديم اقتراح في ختام افتتاحيتها، قائلة “هذه هي المهمة التي تقع على عاتق كل من المعارضة والسلطة الجزائرية، أي العثور على الجهات الفاعلة القادرة حقا على البناء على هذه الحركة العفوية الاستثنائية، لجعلها أساسا لمستقبل تم اختياره بحرية”.
المصدر : لوموند