ينتصب اليوم تمثال الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في وسط مدينة درعا، وهي مهد الثورة السورية التي بدأت بالمظاهرات السلمية. خرج الناس إلى الشوارع مجدداً وهم يهتفون احتجاجاً على إعادة نصب التمثال، على غرار المظاهرات التي اندلعت قبل الحرب التي أودت بحياة قرابة 400 ألف شهيد ونزوح نصف سكان البلاد.
ربما يشعر من يشاهد هذه الصور المعدودة بأن الأوضاع عادت إلى مسارها الطبيعي، بعد استعادة النظام السوري السيطرة على البلاد بعد مضي ثماني سنوات على الصراع في سورية، فقد أصبحت هذه الصور رمزاً لمهد الثورة السورية قبل اندلاع الحرب.
لكن الواقع مختلف إلى حد كبير. فبعد أيام من نصب التمثال واختفاء الموالين للنظام خرج المحتجون إلى الشوارع مرة ثانية، ومنهم نفس المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع عام 2011 مطالبين بإطلاق سراح أبنائهم المعتقلين، وهم يهتفون هذه المرة “البلد دمرت وبدل الإعمار ننصب تذكاراً”.
إن الحرب لم تنته بالنسبة للسوريين الذين شهدوا الصراع الدامي الذي استمر ثماني سنوات، فالأزمة الإنسانية ما زالت مستمرة وحقوق الإنسان في تدهور مستمر.
تعرض عشرات الآلاف من المدنيين للاختفاء القسري والتعذيب والاعتقال التعسفي من قبل النظام، فضلاً عن أولئك الذين أصيبوا أو استشهدوا نتيجة للقصف المدفعي واستخدام الأسلحة الكيميائية. وما زالت الصور المعروفة بصور “قيصر” عالقة في أذهان الكثير من الناس والعائلات التي ما زالت تبحث عن أبنائها المفقودين بين صور الجثث التي تعرضت للتعذيب والتشويه أو في سجون النظام. أما بالنسبة للنازحين السوريين الذين عادوا إلى المناطق التي تخضع لسيطرة النظام فقد نكث النظام بالضمانات التي قدمها مسبقاً بعدم اعتقالهم أو إخضاعهم للتعذيب والاعتقال.
يواجه المدنيون في سورية اليوم نقصاً حاداً في المواد الأولية والخدمات الأساسية، إذ يعيش ثلثا السكان في فقر مدقع. ويقوم النظام بإعاقة وصول المساعدات الإنسانية في جميع المناطق
“الأزمة الإنسانية ما زالت مستمرة وحقوق الإنسان في تدهور مستمر” ورفض محاولات الأمم المتحدة إيصال المساعدات الإنسانية، مما يعيق وصول المساعدات إلى ملايين المدنيين ممن هم بحاجة ماسة لهذه المساعدات. أما في إدلب فهناك ثلاثة ملايين مدني يعيشون في خوف دائم من الهجمات العسكرية المتهورة والقصف الروسي وقصف النظام، كان آخرها الغارات الجوية التي استهدفت إدلب هذا الأسبوع وراح ضحيتها العديد من المدنيين الأبرياء.
الأوضاع في سورية لم تعد إلى طبيعتها كما يقال، كما أن القضايا الأساسية التي أدت إلى انتفاضة الشعب السوري في عام 2011 ما زالت عالقة، لا بل إن الوضع تفاقم للأسوأ.
أما نحن فلن نتخلى عن الشعب السوري الذي هو بأمسّ الحاجة لحل سياسي ينهي الصراع في البلاد، كما أننا لن نتخلى عن الشهداء الذين قضوا تحت تعذيب النظام، في تجاهل متعمد ومتكرر لجميع المواثيق والمعاهدات الدولية. ولن نتخلى أيضاً عن اللاجئين السوريين والدول المضيفة لهم، فهم بأمس الحاجة لدعمنا الكامل حتى يتمكن اللاجئون من العودة إلى الوطن.
إن المملكة المتحدة ترغب في إنهاء الصراع السوري في أسرع وقت ممكن، إلا أن السلام الدائم لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال عملية سياسية حقيقية موثوقة وليس من خلال تحقيق “انتصار” لنظام أجوف.
وفي حين أننا لن نشارك في الأكاذيب وافتراءات إعادة الإعمار التي يفبركها النظام في الوقت الذي ما زالت سورية تقبع فيه تحت نظام سياسي متصدع فاقد للمصداقية، إلا أننا سنواصل
“سورية لن تعود إلى ما كانت عليه في الماضي، فنظام الأسد يجب أن يتغيّر” دعمنا الإنساني المستمر داخل سورية وفي المنطقة والذي بلغ منذ عام 2012 حتى الآن مبلغ 2.81 مليون جنيه إسترليني. ونحن مستعدون لدعم إعادة الإعمار في حال تغيّرت الأوضاع في سورية. كما أننا سنستمر في دعم آليات المساءلة القانونية وجمع الأدلة ضد كل من شارك في ارتكاب أفظع انتهاكات حقوق الإنسان في سورية.
واليوم بعد مرور ثماني سنوات على الاحتجاجات الأولى في درعا فقد سحقت الحرب الأهلية الأمل بالتغيير الذي هتفت به تلك الاحتجاجات، لكن هناك واقعاً أصبح واضحاً للجميع اليوم، وهو أن سورية لن تعود إلى ما كانت عليه في الماضي، فنظام الأسد يجب أن يتغيّر.
العربي الجديد