في ذكرى تأسيسه السبعين.. ما مستقبل حلف الناتو؟

في ذكرى تأسيسه السبعين.. ما مستقبل حلف الناتو؟

تستضيف واشنطن في الثالث والرابع من أبريل/نيسان المقبل، اجتماعا مهما لوزراء خارجية دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، للاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيسه. وستشهد الاجتماعات نقاشات حول مستقبل الحلف في ظل تزايد ما يواجه من التحديات التي تغيرت طبيعتها خلال العقد الأخير.

أهم التحديات أمام الحلف تنبع من رؤية الرئيس الأميركي دونالد ترامب لدوره وجدوى بقاء الولايات المتحدة فيه، فضلا عن تكلفته المرتفعة. فقد عرفت واشنطن في عهد ترامب خطابا مغايرا تجاه الحلف، حيث استخدم الرئيس الأميركي لغة تصادمية غير مألوفة في الحديث عن جدوى الناتو وعن الالتزامات المالية للدول الأعضاء فيه والعبء الواقع على واشنطن بدفاعها عن القارة الأوروبية.
كما يواجه الناتو تحديات متجددة تتمثل في التهديدات الروسية للقارة الأوربية التي بدأت إرهاصاتها في جورجيا وأكرانيا، ثم بلغت ذروتها مع انهيار معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى التي ا لتزمت بها موسكو وواشنطن لعقود طويلة.

كما مثل التدخل الروسي العسكري القوي في سوريا، واستمرار التهديدات الإرهابية وزيادة الطموحات العسكرية للصين خاصة في منطقة جنوب وشرق آسيا؛ تهديدات إضافية.

موقف صادم
تذبذبَ موقف الرئيس ترامب من حلف الناتو خلال العامين الماضيين. وخلال حملته الانتخابية وعامه الأول في البيت الأبيض، تبنى الرئيس الأميركي موقفا صادما للحلفاء الأوروبيين، واصفا الحلف في تغريدات له بأنه “عفا عنه الزمن” ولم تعد له حاجة.

ثم انتقل ترامب لموقف أكثر عقلانية في عامه الثاني في الرئاسة، من خلال مطالبته أعضاء الناتو بزيادة مساهماتهم المالية مع التأكيد على أهمية الحلف. وقال ترامب خلال كشفه عن إستراتيجية الدفاع الصاروخي الجديدة للولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني الماضي “سنكون مع حلف الأطلسي مئة بالمئة، ولكن كما قلت للدول الأعضاء في الحلف: يتعين عليكم تغيير العتاد، وعليكم أن تدفعوا”.

وتحتل الولايات المتحدة المركز الأول في نسبة الإنفاق العسكري بين دول الحلف، وتبلغ مساهمتها 3.5% من قيمة الناتج القومي الإجمالي، وتنفق أغلب دول الحلف نسبا أقل من 2%، مع تعهد بأن تصل إلى نسبة 2% بحلول عام 2024، وهو ما يثير حفيظة الرئيس ترامب.

وخلال عام 2018 بلغت قيمة المساهمة الأميركية في موازنة الناتو حوالي 70% من إجمالي نفقات الحلف العسكرية.

ويعمل الناتو على استرضاء الرئيس الأميركي بشأن الإنفاق على قطاع الدفاع، وذلك بعد انتقاداته المتكررة لحلفاء الناتو لعدم مشاركة عبء التمويل “بصورة عادلة”.

ويعتقد الضابط الأميركي السابق ونائب الأمين العام السابق للناتو، جيمس بارديو، أن من شأن أي حديث عن انسحاب أميركي من الناتو أن يكبد الشركات الأميركية المصنعة للأسلحة خسارة في السوق الأوروبية الواسعة والغنية، والتي تسهل عضوية واشنطن بالحلف تصدير الأسلحة الأميركية لها.

تدمير الناتو
ويضيف بارديو أن “علاقات واشنطن بالناتو لا تساوي أهميتها أي علاقات أخرى، فهي علاقات أسست لهيكل الدفاع الأمني الأهم عن الولايات المتحدة وكندا والحلفاء الأوروبيين، ولن يحلم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأي شيء آخر أكثر أهمية من تدمير حلف الناتو”.

وفور سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب عقب انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، بادرت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي باصطحاب عدد من الأعضاء يمثلون الحزبين والسفر لمركز حلف الناتو الرئيسي في بروكسل، للتأكيد على التزام بلادها بالتحالف الأقدم في عالم اليوم.

ثم دعت بيلوسي والسيناتور الجمهوري ميتش ماكونيل زعيم الأغلبية الجمهورية بمجلس الشيوخ، الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ لإلقاء كلمة أمام جلسة مشتركة للكونغرس الشهر القادم، وهو ما يشكل صفعة لترامب ولسياساته تجاه الحلف.

ولا يخفي الكثير من الخبراء احتمال غضب ترامب على خطوة الكونغرس وقيامه باتخاذ قرارات متهورة كرد فعل.

ووفق دراسة أجراها سكوت أندرسون من معهد بروكينغز، “إذا رغب الرئيس ترامب في الانسحاب من الناتو فلن يستطيع الكونغرس إيقافه، ففي قضايا السياسة الخارجية للرئيس اليد العليا مقارنة بصلاحيات الكونغرس”.

تشريع بالكونغرس
ويبحث الكونغرس كذلك إصدار قانون يمنع الانسحاب من الحلف إلا بموافقة ثلثي أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، لكن هذه الفكرة تواجه مقاومة من أعضاء يرونها “تعديا” على سلطة الرئيس الدستورية.

ويؤمن بارديو أن الفائدة التي تعود على واشنطن من وجود حلف الناتو تفوق أي تكلفة تتحملها في هذا الشأن، ويرى أن انسحاب الولايات المتحدة من الناتو يعني أن تخسر واشنطن عشرات القواعد العسكرية البحرية والجوية التي تحتفظ بها في أوروبا، كما سيبعث ذلك برسائل سلبية للحلفاء الآسيويين مثل كوريا الجنوبية واليابان.

ويعتقد بعض الخبراء أن الحلف يقوم بدور مهم داعم للمصالح الأميركية بعيدا عن المسرح الأوروبي. ويتم الاستشهاد بالحالة الأفغانية عندما هرعت دول الحلف لمساندة المجهود العسكري الأميركي عقب أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، وما زال هناك الآلاف من جنود الناتو في أفغانستان.

من ناحية أخرى تتيح رابطة حلف الناتو العسكرية لواشنطن الاطلاع على المعلومات الاستخباراتية المهمة مع 27 من دول الحلف، كما يرى لبارديو.

وقبل سبعين عاما، قال الأمين العام الأول لحلف الناتو اللورد هاستينغ إيسمي، إن الحلف يهدف إلى “بقاء روسيا خارج أوروبا وأميركا داخل أوروبا وألمانيا داخل حدودها”.

وبعد مرور سبعين عاما على تأسيس الحلف ومرور ثلاثين عاما على انتهاء الحرب الباردة، لن يتوقف السؤال في واشنطن عن جدوى وأهمية بقاء التحالف العسكري الذي يجمع الولايات المتحدة بجارتها الشمالية كندا، و26 دولة أوروبية.

الجزيرة