عراق ما بعد زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني لن يكون هو عراق ما قبلها، رغم ما كان عليه من السوء والخراب والفساد، منذ سنة 2003 وحتى يوم الزيارة.
جاءت الزيارة، بما رافقها وما نتج عنها من إهانات وتجاوزات وتهديدات، لتُنهي حالة الاحتلال بالواسطة والوطنية العراقية المغشوشة وتنقل البلاد إلى حالة الضمّ العلني الصريح، ومن أجل تثبيت ملامح العراق القادم، شعبا وحكومات وبرلمانات ورئاسات، ولترسم سياساته وعلاقاته الخارجية.
والأهم أنها جاءت لتحوّل أقوال الذين سبقوها من قادة النظام الإيراني، عسكريين ومدنيين، إلى واقع حقيقي يكون فيه العراق بقرة ولاية الفقيه الحلوب التي كانت شاردة ثم عادت لمربطها بعد غياب طويل. كما جاءت الزيارة لتُبلّغ جميع العراقيين والعرب والأجانب الحالمين بمنع عودة الفرع إلى الأصل، وبالوثائق الموقعة والمصدقة، بأن العراق الذي تعرفونه من زمنٍ طويل قد ذهب خطيفة.
إن زيارة حسن روحاني، بلا شك، ومن قراءة البيان الختامي الصادر عنها، وبتدقيق الاتفاقات الموقعة من قبل وزراء روحاني ووزراء عادل عبدالمهدي، جعلت حدود العراق القديمة مع الشقيقة الكبرى، إيران، خطوطا مرسومة بالحبر السري، وخزائنَه، برغم متاعبها ومشاكلها، مُشرَعة لأشقائنا الإيرانيين، وبلا أبواب، وأنهاره مَكبّا لنفاياتهم، والفستق الإيراني الرديء فطور العراقيين وغَداءهم وعشاءهم، يتقوّتون به وهم ساكتون.
ولعل أخطر ما فعلته الزيارة هو أنها انتزعت من حكومة المنطقة الخضراء تعديلا على قانون الجنسية العراقية يمنح الزائر الأجنبي (الإيراني طبعا وليس الأردني والسعودي والتركي والكويتي) حق الحصول على الجنسية العراقية إذا أثبت أنه أقام سنة واحدة في العراق، بشهادة اثنين من مجاهدي بدر أو العصائب أو النجباء أو حزب الله العراقي وحزب الله اللبناني.
وبهذا التعديل سيصبح المجنَّسون الأشقاء الأعزاء، في الانتخابات الجديدة، هم الأغلبية، ثم يكونون، في البرلمان القادم، هم القوة الآمرة الناهية، وقد يأتي منهم، أو من خدمهم وحراسهم، رئيس الجمهورية، ورئيس للوزراء والوزراء والسفراء، ثم تصبح اللغة الفارسية ثالثة اللغات الرسمية المعتمدة في العراق الجديد، ويكون تعليمُها في المدارس الابتدائية والثانوية والجامعية إجباريا، وبحكم القانون.
وسيصبح على العراقيين المغتربين، أمثالنا، وعلى السائح العربي والأجنبي، أن يحصل على تأشيرة دخول مؤقت من مكتب شؤون العراق في مخابرات الجمهورية الإسلامية الإيرانية في طهران، والله المستعان.
فأيّة مصيبة هذه التي وقعت على رؤوس العراقيين حين سلّط الله عليهم غزاةً مغرورين قادمين من كهوف العصور المظلمة ليطفئوا نور الحداثة والحضارة والحرية والسلام في عراق الحداثة والحضارة والحرية والسلام؟
لكن التاريخ لا يتوقف عن الكتابة والقراءة والكلام. فمن أيام السومريين والأكديين والبابليين والآشوريين، وحتى الغزو الأميركي الأخير، دعس ترابَ العراق الصغير غزاة أكثر قوة وعنجهية وغرورا من ملالي إيران، ثم احترقت بناره جيوشهم الجرارة التي كانوا يزعمون بأنها لا تقهر.
وغدا، أو بعد غد، لن يجد فالح الفياض وحسين دهقان وعلي يونسي وقاسم سليماني وأبومهدي المهندس وكبيرهم الذي علّمهم الغطرسة والغرور وقلةَ العقل وفساد الضمير أكثر مما وجده أجدادُهم الذين غزوا العراق.
العرب