قد تكون التصريحات التي صدرت عن وزير الداخلية التركية سليمان صويلو حول التعاون الإيراني التركي في ما يتعلق بحزب العمال الكردستاني (به كه كا) أول المؤشرات الايجابية على دخول تفاهمات قمة سوتشي الثلاثية الاخيرة مرحلة التعاون المثمر والمنتج.
صويلو كشف أن بلاده ستبدأ بتنفيذ عمليات أمنية مشتركة مع إيران لمواجهة عناصر حزب العمال الكردستاني، موقف لم يقابله أي نفي أو تكذيب من الجانب الإيراني، ما يوحي بجدية هذا التعاون الذي لا يقتصر على العمليات الأمنية المنتظرة، بل بدأت ملامحه مع بدء إيران ببناء جدار عازل بين البلدين منذ اشهر لمنع عمليات تسلل عناصر الكردستاني بين البلدين.
فمنذ إعلان طهران عن البدء في بناء الجدار العازل الحدودي، لم يدخل تركيا سوى 700 عنصر من الكردستاني، وبفضل جدية التعاون الإيراني في هذا الإطار لم يدخل الأراضي التركية منذ يناير 2019 سوى 12 عنصرا من جماعة «به كه كا» التي تصنفها تركيا بأنها منظمة إرهابية.
من الواضح أن إيران تدرك جيدا مدى القلق التركي من الموضوع الكردي، إن كان داخل تركيا أو في مناطق شرق الفرات السورية، وامتدادا إلى الشمال السوري، وإن بامكانها توفير الكثير من المساعدة في التقليل من المخاوف التركية في هذا المجال، مستفيدة من العلاقات التاريخية التي تربطها مع الأحزاب والأطراف الكردية في الإقليم العراقي مرورا بأكراد تركيا، وما تحتفظ به من تأثير على أكراد سوريا بعيدا عن التأثير الأمريكي. ومنذ بدايات الازمة السورية عام 2012 عندما قررت طهران الدخول على خط حماية النظام السوري، وبعثت برسائل واضحة للحكومة التركية بخطورة انعكاسات تدخلها في سوريا على أوضاعها الداخلية والتركيبة العرقية والاثنية التي يتشكل منها المجتمع التركي، خصوصا المكون الكردي.
التحذير الايراني حينها كان ينطلق من إدراك طهران حجم تأثيرها ونفوذها داخل الاحزاب الكردية عموما، والتركية خصوصا، وقد مارست الكثير من الضبط، لكي لا تلجأ إلى استخدام هذه الورقة، بانتظار أن تتوصل مع الحكومة التركية إلى نقطة تفاهم تقطع الطريق على اي تداعيات خطيرة في علاقاتهما على خلفية الأزمة السورية.
التطورات الإقليمية، خصوصا ما شهدته مصر من تغيرات أدت إلى خروج جماعة الإخوان المسلمين من السلطة، شكلت انتكاسة لملامح المشروع التركي في المنطقة التي كانت تأمل في استكماله بإخراج الأسد من السلطة وتولي جماعات قريبة منها مقاليد السلطة في هذا البلد. وقد أدت تداعيات التغير المصري، إلى إعطاء فرصة لايران لبدء عملية التفاهم مع العامل التركي في الازمة السورية، على نقطة وسط أو تسوية، تساعد إيران في الحصول على ما تريده في سوريا وتضمن، لأنقرة الحصول على ضمانات تحفظ دورها وتخفف من مخاوفها الكردية. تقول اوساط في ايران على صلة بالملف السوري، إن جهودا كبيرة بذلتها إيران بمساعدة روسيا من أجل التوصل إلى نقطة تفاهم مع الجانب التركي حول رؤية الحل في سوريا، وان مسار أستانة استنفر كلا من طهران وموسكو لاقناع انقرة بجدوى التعاون الايجابي في الملف السوري، بعيدا عن التأثيرات الامريكية، التي ما تزال ظاهرة في التردد التركي بين الذهاب كليا في ثلاثية التعاون أو الركون إلى الوعود الأمريكية.
وتضيف هذه الأوساط، أن القمة الثلاثية التي تنقلت بين روسيا وايران وتركيا، كانت في الكثير من الاوقات تراوح في الفراغ، وعدم الجدية في اعتماد الحد الادنى من التفاهمات، وقد انتهى بعضها، خصوصا قمة طهران إلى عدم اتفاق في ما يتعلق بموضوع التعامل مع مسألة «إدلب»، ما اضطر الجانب الروسي وبالتفاهم مع طهران لعقد قمة خاصة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان انتهت بوضع آلية التنسيق الامني والعسكري والسياسي حول ادلب ومناطق خفض التوتر والدوريات المشتركة.
تأكيد روسي وإيراني مشترك ألا إمكانية لإقامة منطقة حكم ذاتي للأكراد شرق منطقة الفرات السورية
وتقول هذه الاوساط إن القمة الثلاثية الأخيرة، توصلت إلى تفاهمات عملية بين الاطراف على آليات الحل العسكري، في ما يتلعق بمناطق نفوذ الجماعات المسلحة في محافظة إدلب ومحيطها، إضافة إلى موضوع لجنة صياغة الدستور السوري الجديد. إلا انها ايضا توصلت إلى تأكيد نقاط أساسية تشكل مركز اهتمام طهران وموسكو على حد سواء، وتتمحور حول: نهائية وحدة الأراضي السورية، وآليات إعادة الإعمار وعودة النازحين. وأن لا إمكانية لإقامة منطقة عازلة، وإن أقصى ما يمكن أن تحصل عليها انقره هو العودة إلى اتفاقية أضنة، وما تعنيه من منح تركيا حرية الحركة في شريط بعمق 5 كيلومترات فقط، شرط أن يعود الجيش السوري للانتشار على كامل الشريط الحدودي. إلى جانب التعاون الجدي التركي في موضوع حسم ملف مدينة إدلب، سليما في المرحلة الأولى، وتسهيل العملية العسكرية التي قد تكون ضرورية للجانب الايراني والسوري بموافقة روسية، بما يمنع وقوع فاجعة انسانية.
وقد سمع الجانب التركي في هذه القمة تأكيدا روسيا وايرانيا مشتركا بان لا إمكانية لإقامة منطقة حكم ذاتي للاكراد في مناطق شرق الفرات السورية، والحل يكون بعودة هذه المناطق إلى سيطرة ونفوذ حكومة دمشق. وبالتالي انهاء المخاوف التركية من نشوء أي كيان كردي سوري قد يشكل مصدر قلق وخوف لأنقرة في المستقبل، وبالتالي إسقاط الذرائع التركية، إن كان في إنشاء منطقة عازلة أو التلويح بعملية عسكرية ضد الأكراد. ويبدو أن تفاهمات سوتشي الثلاثية تواجه عوائق جدية من الجانب الأمريكي الذي في الظاهر انه اعاد النظر بقرار الانسحاب الكلي من سوريا، مفضلا الاحتفاظ بقاعدة التنف كنقطة نفوذ، ومدخل لاستمرار تأثيره على عملية الحل السياسي، ما قد يوفر للجانبين الايراني والروسي فرصة للدفع بالجانب التركي لحسم خياراته بعيدا عن الرغبة الامريكية التي مازالت تلوح بامكانية الكيان الكردي، في حين أن طهران ترسل إشارات واضحة لأنقرة بوجود مفاوضات جدية برعايتها بين دمشق والأكراد لوضع آليات العودة إلى حضن الدولة السورية. وحتى ذلك الوقت تبقى طهران تؤكد على لسان وزير خارجيتها وفي رسالة واضحة لواشنطن بانها مستمرة بالبقاء في سوريا بطلب من حكومتها، وان على الاطراف الاخرى التخلي عن اوهام الحل العسكري على حساب هذا الوجود، والعودة إلى اعتماد الحل السياسي لإنهاء الأزمة والانطلاق باتجاه إحلال السلام والأمن في المنطقة.
القدس العربي