تسعى رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إلى حشد الصفوف مجددا لاتفاق بريكست الذي توصلت إليه بشق الأنفس مع بروكسل على الرغم من الهزيمة التي تلقتها الأربعاء بعد رفض البرلمان البريطاني خطتَها، فيما يستعد البرلمان الأوروبي الأسبوع الجاري للتصويت على المقترح البريطاني تأجيل موعد بريكست وسط أنباء عن رفض إيطالي محتمل للتأجيل.
لندن – قد تعدل رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي عن عرض اتفاق الانسحاب الذي تفاوضت بشأنه مع الاتحاد الأوروبي، الأسبوع المقبل على تصويت النواب لمرة ثالثة، في حال لم تحظ بدعم كاف، ما من شأنه أن يؤخر موعد بريكست.
وقال وزير المال فيليب هاموند لـ”بي.بي.سي” إنه “من غير المؤكد” إجراء عملية تصويت، مضيفا “لن نعرض اتفاقا جديدا إلا إذا تأكدنا من أن عددا كافيا من زملائنا ومن الحزب الوحدوي الإيرلندي الشمالي مستعدون لدعمه من أجل تمريره في البرلمان”.
وأكد ليام فوكس الوزير المكلف بشؤون التجارة الدولية في تصريح لشبكة سكاي نيوز “الأمر مرتبط بمدى قدرتنا على الفوز بالتصويت داخل مجلس العموم”، مضيفا أنه “سيكون من الصعب تبرير القيام بتصويت في حال لم نكن واثقين من الفوز به”.
وكان التصويت الأول في الخامس عشر من ديسمبر انتهى بهزيمة ماي بـ432 صوتا مقابل 202، في حين جاءت نتيجة التصويت الثاني الثلاثاء الماضي 391 صوتا مع و242 ضد.
ونشرت ماي مقالة في صنداي تليغراف الأحد دعت فيها بإلحاح النواب إلى الموافقة على خطتها مع المفوضية الأوروبية بشأن بريكست.
وقالت إن هزيمة إضافية لها داخل مجلس العموم “قد تعني عدم مغادرة الاتحاد الأوروبي لمدة أشهر وربما عدم مغادرته على الإطلاق”، لتضرب بذلك على وتر الخوف لإقناع النواب المترددين. كما أن إرجاء طويلا سيعني أنه سيتوجب على لندن المشاركة في الانتخابات الأوروبية المقررة في مايو.
وأضافت في مقالتها “من الصعب قبول فكرة توجه البريطانيين إلى صناديق الاقتراع لانتخاب نواب أوروبيين بعد ثلاثة أعوام على تصويتهم لمغادرة الاتحاد الأوروبي”.
وقالت إنها ستعيد عرض الاتفاق على النواب الثلاثاء أو الأربعاء وذلك قبل قمة أوروبية مقررة الخميس. وتحاول في الأثناء إقناع معارضي الاتفاق داخل حزبها ونواب حليفها الحزب الوحدوي الإيرلندي الشمالي بتغيير موقفهم الرافض للاتفاق.
ويعارض هؤلاء خصوصا “شبكة الأمان”، وهو إجراء يتضمنه اتفاق بريكست ويهدف إلى منع عودة الحدود المادية بين جمهورية إيرلندا العضو في الاتحاد الأوروبي ومقاطعة إيرلندا الشمالية البريطانية، وينص على بقاء المملكة المتحدة ضمن “منطقة جمركية موحدة” مع الاتحاد الأوروبي.
ويخشى أنصار الخروج من الاتحاد، أن يربط ذلك المملكة بشكل دائم مع الاتحاد الأوروبي، كما يرفض الحزب الوحدوي الإيرلندي الشمالي منح المقاطعة وضعا خاصا.
واعتبر زعيم المعارضة العمالية جيريمي كوربن أنه سيكون “من السخف” عرض الاتفاق للمرة الثالثة على التصويت داخل مجلس العموم، محذرا من أن العماليين قد يحاولون مجددا إسقاط حكومة ماي، كما يبحث كوربن من جهة ثانية مع نواب من أحزاب أخرى في إمكان التوصل إلى بديل عن بريكست.
وكشف سياسي ألماني بارز ذو باع طويل في السياسة الأوروبية عن مشاورات يجريها الزعيم السابق لحزب الاستقلال البريطاني نايجل فاراج مع وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني من أجل دفع روما إلى رفض تمديد بريكست.
وقال إلمار بروك، البرلماني الأوروبي البارز الذي ينتمي إلى الحزب المسيحي الديمقراطي، لإذاعة ألمانيا إن فاراج أعلن أن هناك اتفاقات بالفعل بينه وبين وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني على عدم الموافقة على أي تأجيل. وقد وافق مجلس النواب البريطاني الخميس الماضي على تأجيل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي المقرر في الأساس في يوم 29 مارس. ويجب حاليا أن يصادق زعماء دول الاتحاد الأوروبي المتبقية (27 دولة) بالإجماع على طلب لندن التأجيلَ.
وينص اقتراح الحكومة البريطانية على تمديد المادة 50 (من معاهدة لشبونة/ متعلقة بالخروج من التكتل) حتى 30 يونيو المقبل، إذا توصل النواب إلى اتفاق بشأن صفقة “ماي” بحلول الأربعاء المقبل.
وفي حال لم يتم التوصل إلى اتفاق بحلول الموعد المذكور، فإن الحكومة ستسعى إلى تمديد أطول، ولكن حينها ستتعين موافقة الاتحاد الأوروبي على ذلك، وهو بدوره سيقوم بوضع شروط. وحسم الاتحاد الأوروبي أمره مبكرا بعد إعلانه أنه لن يقدم تنازلات مرة أخرى بشأن اتفاق بريكست، ما يضع طلب لندن تمديدَ مهلة الانفصال أمام هامش مناورة ضيق.
وقال رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك الخميس إن التكتل قد يوافق على تأجيل الانسحاب لفترة طويلة “في حال وجدت المملكة المتحدة أنه من الضروري إعادة التفكير في إستراتيجيتها المتعلقة ببريكست وتمكنت من خلق إجماع حولها”.
وقال المسؤول الأوروبي إنه سيوجه دعوة خلال قمة زعماء دول الاتحاد الأوروبي المزمع انعقادها في بروكسل الأسبوع الجاري، إلى تأجيل موعد بريكست “فترة طويلة”، مشيرا إلى أن التأجيل سيتم في حال “تحديد بريطانيا إستراتيجية خروج واضحة”.
وعُلّق بريكست في دهاليز البرلمان البريطاني، ما يعكس الانقسامات العميقة السائدة بعد ثلاث سنوات من استفتاء 2016 الذي صوت البريطانيون فيه بفارق ضئيل لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
وقال كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي في ملف بريكست ميشال بارنييه إن بروكسل فعلت “كل ما بوسعها” وعليها الآن الاستعداد لاحتمال خروج فوضوي.
وأضاف بارنييه أنه يتعين على بريطانيا أن تخبر الاتحاد الأوروبي الآن بنوع العلاقة المستقبلية التي تريدها، بعد أن فاقم رفض اتفاق الخروجِ الغموضَ.
وتابع متوجها لنواب الاتحاد الأوروبي ”بريطانيا تقع عليها مسؤولية إخبارنا بما تريده من أجل علاقتنا المستقبلية. ما هو خيارها؟”، مؤكدا أن اتفاق الخروج مع بريطانيا ”ما زال هو الاتفاق المتاح، ولن توجد المزيد من التطمينات التكميلية”.
العرب