وصل إلى العاصمة السورية دمشق كل من رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش الإيراني ونظيره العراقي، للاجتماع مع ممثل عن جيش النظام السوري قد يكون وزير الدفاع بالنظر إلى خلوّ منصب رئيس الأركان حالياً. وقد تولى الجنرال الإيراني مهمة النيابة عن الثلاثة في الإفصاح عن سبب الاجتماع، وأنه يهدف إلى بحث سبل تعزيز العلاقات والتنسيق العسكري في مكافحة الإرهاب بين الدول الثلاث، وتحقيق الاستقرار الأمني في المنطقة.
من جانبه لم يفوت القائد العام للحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري فرصة هذا الاجتماع من دون التشديد على أن بلاده «نظمت 100 ألف عنصر شعبي مسلح في سوريا لقتال داعش والنصرة والمعارضة السورية، ومثلهم في العراق، حسب ما نقلت عنه وكالة «فارس» الإيرانية. ولم ينس جعفري الإشارة إلى أن الأراضي الفلسطينية بأكملها باتت «تحت مرمى حلفاء إيران»، وأن «الكيان الصهيوني أصبح محاصراً، ولم يعد قادراً على توسيع حدوده».
ويلفت الانتباه أولاً إلى أنه لم يعد ممكناً لاثنتين من الدول العربية المتجاورة أن تجتمعا للتداول في الشؤون المشتركة، والعسكرية منها بصفة خاصة، من دون مشاركة طرف ثالث غير عربي هو إيران. وما يزيد هذا التطور خطورة أن القادة الإيرانيين هم الذين يرسمون جدول أعمال هذه الاجتماعات لأنها ببساطة تخدم المصالح القومية الإيرانية ولا يتجاوز دور بغداد ودمشق حدود التنفيذ على الأرض. فليس خافياً أن الحديث عن «التنسيق» و«تعزيز العلاقات» إنما يُراد منه بحث ملفات الحدود العراقية ــ السورية المشتركة وفتح المعابر التي يحتاج إليها الحرس الثوري الإيراني من أجل نقل الافراد والمعدات إلى الداخل السوري، وكذلك قطع خطوات ملموسة إضافية نحو استكمال المشروع الإيراني الاستراتيجي حول شقّ طريق برّية وسكة حديد تصل الأراضي الإيرانية بميناء اللاذقية السوري عبر مدينة البصرة العراقية.
كذلك بات مكشوفاً اجترار الأقوال عن مكافحة الإرهاب، وفي الآن ذاته التفاخر بدحر تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا بفضل تعاون الميليشيات والمنظمات التابعة للحرس الثوري الإيراني مع كل من الجيش العراقي وما تبقى من قوات النظام السوري.
وليست إشارة جعفري إلى الأعداد الكبيرة من مقاتلي إيران المنتشرين في العراق وسوريا، وعلى نحو مضخم عن سابق عمد، إلا رسالة مبطنة ترسلها طهران إلى موسكو تحديداً، رداً على تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول ضرورة انسحاب جميع القوات الأجنبية من سوريا، بما في ذلك التشكيلات العسكرية الإيرانية المختلفة.
وأما خطاب التهديد والوعيد الإيراني ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي فقد افتضح أمره منذ سنوات، فلا أحد ممن يسميهم جعفري «حلفاء إيران»، من حزب الله اللبناني إلى الحشد الشعبي العراقي مروراً بالنظام السوري ذاته، شكل أي تهديد جدي مباشر ضد الكيان الصهيوني طيلة ثماني سنوات من عمر الانتفاضة الشعبية السورية وتدخل إيران عسكرياً لصالح نظام بشار الأسد.
ومن الواضح أن اجتماع رؤساء أركان «محور المقاومة» في دمشق يستكمل الشطر العسكري من أجندات الزيارة الخاطفة التي قام رئيس النظام السوري إلى طهران مؤخراً، والزيارة «التاريخية» للرئيس الإيراني حسن روحاني إلى العراق، حيث إيران تزرع وإيران تحصد ولكن في التربة العربية.
القدس العربي