لن تكون المرة الأخيرة التي يتلعثم بها الإعلام الغربي ويتردد حيال توصيف اعتداءات إرهابية وأعمال عنف تطال المسلمين المقيمين خارج بلاد الأغلبيات المسلمة. فالمعلومات والصور الأولى التي تناقلتها وكالات الأنباء والمواقع الإخبارية عن «إرهاب المسجدين» في نيوزيلندا أرفقت بها عبارات مثل «إطلاق نار عشوائي بمسجدين في مدينة بنيوزيلندا وتوقعات بسقوط ضحايا»، «عنف ودماء في مساجد بنيوزيلندا»، «ضحايا مسلمون بعد هجمات على مساجد في مدينة نيوزيلندية»، وغيرها.
لم تتجه أغلبية وسائل الإعلام الغربية إلى توصيف الاعتداءات على المسجدين كإرهاب ولا إلى نعت المجرم اليميني المتطرف الذي أطلق النار على المصلين بالإرهابي إلا بعد أن ثبت ارتفاع عدد الضحايا إلى عشرات من القتلى (صاروا 50 في نهاية المطاف) وعشرات المصابين (عددهم النهائي 48). بل إن تردد الإعلام الغربي في استخدام مفردات الإرهاب التي توظف على نحو فوري وعام فيما خص الاعتداءات وأعمال العنف التي يتورط بها مسلمون من الشرق أو الغرب، ذلك التردد التقطه نفر صغير من كتاب مقالات الرأي في الصحف الغربية وانتقدوا الازدواجية الفاضحة في المعايير وحذروا من فقدان المصداقية بين المسلمين الذين يرون الاتهامات بالإرهاب تلصق بجالياتهم ما أن يرتكب مجرمو داعش جرائمهم البشعة ويتابعون امتناع الإعلام عن توصيف الهجمات على المساجد وعلى مجموعات المصلين كإرهاب مدان. ولا يقلل من التداعيات السلبية لازدواجية معايير الإعلام الغربي محدودية عدد الهجمات على المساجد وندرة حدوثها مقارنة بهجمات داعش في الغرب التي تكررت بوتيرة صادمة بين 2015 و2017.
لا يتوقف تلعثم الإعلام الغربي وتردده عند إرهاب المساجد في أوروبا وأمريكا الشمالية، فالأمر يتواتر أيضا بشأن اضطهاد الأقليات المسلمة خارج الغرب.
لا يتوقف تلعثم الإعلام الغربي وتردده عند إرهاب المساجد في أوروبا وأمريكا الشمالية، فالأمر يتواتر أيضا بشأن اضطهاد الأقليات المسلمة خارج الغرب
في 2016، عندما بدأت جرائم تهجير وقتل مسلمي الروهينجا في ميانمار لم تتصدر مفردات التصفية العرقية والإبادة والمذابح التغطية الإعلامية في الغرب على الرغم من أن ما سمي «حملة» جيش ميانمار على الروهينجا أسقط آلاف القتلى ورتب تهجير ما يفوق 700 ألف شخص وأدانته تقارير للأمم المتحدة كجرائم إبادة جماعية.
وعلى الرغم من أن الحكومة الصينية، وفقا لتقارير بعض منظمات حقوق الإنسان، تصعد اضطهادها لمسلمي الإيغور منذ 2015 بتقييد حرياتهم الدينية وتعقبهم الأمني وإلقاء بعضهم وراء أسوار السجون، فإن الإعلام الغربي عادة ما لا يتناول أوضاع أقلية الإيغور وإن تناولها فبتحفظ بالغ يختلف عن التعاطف الطاغي على المتابعات الإعلامية في الصحف وقنوات التليفزيون الأوروبية والأمريكية الشمالية لأحوال طائفة الفالون كونغ المحظورة.
غير أن الإعلام الغربي ليس بمفرده ينتابه التلعثم والتردد بشأن التوصيف الموضوعي للاعتداءات الإرهابية ولأعمال العنف التي يقوم بها إرهابيون ومتطرفون. فإذا كانوا هم يتلعثمون حين يكون الجناة من البيض والضحايا من المسلمين وإذا كانوا هم يترددون حين تقع الهجمات على المساجد وتلحق جرائم الدهس بالمصلين، فالبعض بين ظهرانينا من رافعي الشعارات الدينية يوظف المعايير المزدوجة حين يهاجم الإرهابيون الكنائس ويقتلون المصلين في صحونها، ويمتنع عن توصيف أعمال العنف الطائفي ضد المسيحيين في مصر وسوريا وليبيا والعراق كإجرام إرهابي ينبغي إدانته ومحاسبة مرتكبيه.
خلال السنوات القليلة الماضية، ارتكبت عصابات داعش جرائم إبادة وتصفية وهجمات إرهابية وأعمال عنف ضد مسيحيي الشرق وتكررت مشاهد الدماء والقتل والحرق والدمار من الموصل التي فرغت من المسيحيين وبعض المناطق السورية إلى الكنائس والأديرة المصرية التي تواترت الاعتداءات عليها وفقراء الأقباط المصريين الذين اختطفهم إرهابيو التنظيم في شرق ليبيا وأعدموهم بوحشية تقشعر لها الأبدان. إزاء تلك الجرائم الداعشية وعلى الرغم من أن القطاع الأكبر من وسائل الإعلام العربية أدانها دون لبس، راوح بعض المواقع الإخبارية والمنصات الإلكترونية المحسوب على مجموعات الإسلام السياسي بين التلعثم والتردد في توصيف ما كان يحدث كإرهاب واستهلك ذاته في المعايير المزدوجة. ذلك البعض من المواقع والمنصات إسلاموية الطابع اعتاد أيضا التحايل على الإدانة الواضحة للهجمات الإرهابية التي تضرب بين الحين والآخر أوروبا وأمريكا الشمالية والاستعاضة عنها بتبريرات مقيتة للدماء والقتل والحرق تستدعي مآسي التاريخ وصراعات السياسة، تماما مثلما نفش على سلاحه الإرهابي اليميني المتطرف الذي هاجم المسجدين وقتل المصلين.
لا يتجزأ الدفاع عن الحريات الدينية، ولا تحتمل الإدانة الأخلاقية والمجتمعية والسياسية للإرهاب ازدواجية المعايير.
القدس العربي