خامنئي يرسم صورة معتمة لحال الاقتصاد الإيراني

خامنئي يرسم صورة معتمة لحال الاقتصاد الإيراني

طهران – رسم المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي صورة كئيبة لحال الاقتصاد الإيراني، في اعتراف بوضع بلاده المأزوم نتيجة العقوبات الأميركية المفروضة عليها.

وأعلن خامنئي، الخميس، أنّ الصعوبات الاقتصاديّة التي يواجهها الإيرانيون تُمثّل المشكلة الأساسيّة الأكثر إلحاحا في البلاد.

واعترف المرشد الإيراني في رسالة متلفزة بُثّت، الخميس، بمناسبة بدء العام الإيراني الجديد، بتزايد مشكلات معيشة المواطنين وبخاصّة في الأشهر الأخيرة.

وتمثل تصريحات خامنئي الأعراض الأولى لسلسلة من المواقف التي تهدف إلى تحضير الرأي العام الداخلي لمواجهة المزيد من التداعيات جراء الضغوط الدولية المتزايدة منذ قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسحب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران.

ولم يستغرب مراقبون من أن تكون مخاوف المرشد الأعلى الاقتصادية مقدمة لاستدارة محتملة ستضطر طهران للقيام بها استجابة للضغوط الأميركية، التي باتت دولية، للقبول بطاولة مفاوضات لمناقشة البرنامج النووي من جديد كما برنامج الصواريخ الباليستية وسلوك طهران في الشرق الأوسط.

وتتخوف إيران من أن تشكل زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى بيروت بداية منظومة تراكمية هدفها إقفال الأبواب أمام إيران من بغداد إلى بيروت.

وتنظر إيران بقلق إلى سلسلة الإجراءات التي قد تتخذها واشنطن في لبنان كمؤشر على جدية وجسامة الخطط الأميركية ضد إيران في المنطقة.

وبدأت طهران تدرك صعوبة الركون إلى خططها في تأمين متنفس اقتصادي بشق ممر اقتصادي يصل إيران بالبحر المتوسط من خلال العراق وسوريا ولبنان. وأن جولتي بومبيو، الحالية والسابقة، في المنطقة تؤسسان لمنظومة اقتصادية خانقة للاقتصاد الإيراني.

ويقول مراقبون إن إيران تكتشف بشكل متصاعد أن استثمارها الأيديولوجي والسياسي والعسكري داخل بلدان هذا الممر المأمول، يتعرض لمقاومة داخلية ودولية تحول دون تحويله إلى موارد اقتصادية تخفف من أزمة إيران الاقتصادية.

وتعول إيران اليوم على أن سوريا والعراق ليسا عمقا استراتيجيا للمشروع الأيديولوجي الإيراني وحسب، بل مساحة تنفس لاقتصادها المأزوم.

وأشار خامنئي في رسالته إلى أن “الأولوية العاجلة والقضية الجادّة للبلاد هي قضية الاقتصاد”، متحدّثا عن تراجع قيمة العملة الوطنّية والقدرة الشرائية للمواطنين وتراجع الإنتاج.

وشدّد على أنّ “مفتاح حلّ كلّ تلك المشكلات يكمن في تنمية الإنتاج الوطني”.

وعبّر مراقبون عن استغرابهم من تأكيد خامنئي على حقيقة بديهية يشعر بها المواطن الإيراني منذ ما قبل العقوبات الأميركية الأخيرة. ولاحظوا أن المرشد تجنب إطلاق خطاب تهويلي مهدد لأعداء الجمهورية الإسلامية، بما فهم أنه إدراك للنظام الإيراني بعقم هذا الخطاب لدى الشارع الإيراني.

ولاحظ مراقبون أن النقاش حول الأزمة الاقتصادية كان يتجنب تحميل الأمر للعقوبات، بل إعادتها إلى سوء إدارة حكومة الرئيس حسن روحاني. إلا أن هذه المكابرة سقطت وصارت منابر النظام مجمعة على الاعتراف بثقل العقوبات الأميركية على اقتصاد البلاد.

ودافع الرئيس الإيراني حسن روحاني عن سجله في رسالة منفصلة بثها التلفزيون بعد خطاب خامنئي مباشرة، قال فيها إن المشكلة الاقتصادية نتجت في المقام الأول عن العقوبات الأميركية.

ودعا روحاني الفصائل السياسية في البلاد إلى إنهاء التناحر بينها والتوحد في مواجهة الأعداء الخارجيين.

وأدركت طهران إثر الزيارة التي قام بها روحاني إلى العراق، الأسبوع الماضي، محدودية قدرة بغداد على تأمين المتنفس الذي تطمح إليه إيران.

وذكر دبلوماسيون أن الإيرانيين شعروا بسعي بغداد لإمساك العصا من الوسط بين واشنطن وطهران، وهو ما لا يتناسب مع ما تريده إيران من العراق، ناهيك عن أن اجتماع روحاني بالمرجع الشيعي علي السيستاني كشف عن مزاج عراقي يريد استعادة نوع من الاستقلال عما كانت طهران تفرضه في العراق.

وقالت مصادر عراقية مراقبة إن الولايات المتحدة تمسك بأوراق اللعبة لتضييق الخناق على إيران في المنطقة.

ورأت أن منحة الـ90 يوما التي حصل عليها العراق من قبل الإدارة الأميركية لاستيراد الكهرباء هي فرصة للولايات المتحدة لترتيب منظومة العقوبات على الأرض أكثر من كونها تراخيا في الساحة العراقية.

وأعلنت واشنطن عن استمرار إعفاء العراق من الالتزام بالعقوبات الأميركية على إيران ومواصلة شراء الكهرباء الإيرانية لمدة 90 يوما إضافية.

ولفتت مصادر دبلوماسية إلى أن إيران ما زالت عاجزة عن الاعتراف بالمزاج الدولي الجديد حيال مستقبل دور طهران في المنطقة.

ورأت المصادر أن دول العالم الغربي كما روسيا والصين مجمعة، بأجندات مختلفة، على تقييد وضبط حراك إيران في المنطقة، وأن رعاية إيران لاجتماع رؤساء أركان جيوش العراق وسوريا وإيران والذي عقد قبل أيام في دمشق لم يكن إلا تظاهرة إعلامية لن تسمح موسكو وواشنطن بأن تتحول إلى أمر واقع جديد في المنطقة.

ولفت خبراء في الشؤون الإيرانية إلى أن النظام الإيراني برمته، بمحافظيه ومعتدليه، يحاول التحرك مجتمعا لمواجهة التداعيات القاسية التي سببتها العقوبات الأميركية، خصوصا بعد أن ظهر أن دول الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين غير قادرة على التخفيف من وقع عقوبات واشنطن على طهران.

واعتبروا أن المسارعة إلى معالجة أزمة استقالة وزير الخارجية محمد جواد ظريف قبل أسابيع تكشف عن توق للحفاظ على اللحمة الداخلية للنظام أمام الشعب.

ووجّه الرئيس روحاني دعوة إلى الإيرانيين من أجل الوحدة الوطنيّة، قائلا “كلّما ترسّخت وحدتنا، أدرك العدوّ أنّ هذه العقوبات تعزّز اللحمة في بلادنا وأُصيب بالنّدم”.

وحضّ كلّ القطاعات الحكومية وكذلك القوات المسلحة وجميع الإيرانيين على وضع خلافاتهم جانبا للتغلّب على المشكلات الاقتصاديّة، فيما أكد خامنئي على عزم بلاده على تعزيز قدراتها الدفاعية رغم الضغوط المتزايدة من الولايات المتحدة وحلفائها لكبح برنامج طهران الخاص بالصواريخ الباليستية.

وقال “نحتاج لنقل إيران إلى نقطة يدرك عندها الأعداء أنهم لا يستطيعون تهديدها… عقوبات أميركا ستجعل إيران مكتفية ذاتيا”.

العرب