رغم إعلان زعيم تنظيم “القاعدة” الأم، أيمن الظواهري، في سبتمبر 2014، عن إنشاء فرع جديد له فى الهند، تحت مسمى “قاعدة الجهاد فى شبه القارة الهندية”، فإن هذا التنظيم الوليد لم يقم بتنفيذ عمليات قوية، واقتصر نشاطه على إعلان مسئوليته عن عمليتين فقط، وهو ما يثير تساؤلات حول أسباب تأسيس هذا الفرع الجديد، ومدى قدرته على تحقيق الأهداف التي نشأ من أجلها، خاصة أن الظواهري قد رفع سقف أهداف التنظيم، بقوله “إن هذا التنظيم الجديد قام ليحطم الحدود المصطنعة التي تقسم الشعوب المسلمة في المنطقة، ويرفع علم الجهاد، ويعيد الحكم الإسلامي إلى ربوع شبه القارة الهندية”.
أسباب إنشاء فرع “القاعدة فى الهند”:
هناك مجموعة أسباب دفعت أيمن الظواهرى إلى إنشاء فرع جديد في الهند، في الوقت الذى يعانى فيه تنظيم القاعدة وفروعه تراجعا ملحوظا في نشاطه خلال الفترة الأخيرة. ومن أبرز هذه الأسباب هي:
– محاولة العودة إلى صدارة المشهد الجهادي، خاصة بعد أن تمكن تنظيم “الدولة الإسلامية” من سحب بساط “المرجعية الجهادية” منه بعد تحقيقه عددا من الإنجازات الكبيرة، والتي كان من أهمها إعلان “الخلافة الإسلامية”، وتنصيب زعيمه أبى بكر البغدادى “خليفة للمسلمين”، مما جعله يحتل مكانة مرموقة فى أوساط التيارات الجهادية، وجعل من الصعب على تنظيم “القاعدة” منافسته.
من هنا، كان الإعلان عن إنشاء فرع جديد لها (القاعدة) ربما إحدى الوسائل التي اعتقدت “القاعدة” أنه يمكن أن يعيدها إلى صدارة المشهد الجهادي مرة أخرى، خاصة أنها حاولت من خلال الإعلان عن التنظيم أن تبدو أمام الأوساط الجهادية وكأنها تستطيع العمل في مناطق لم تصل إليها التنظيمات المنافسة من قبل، وهذا ما يعطيها ميزة نسبية تساعدها على العودة إلى صدارة المشهد من جديد.
– كسر حالة الجمود التنظيمى، الذى يعيش فيه التنظيم منذ فترة، نتيجة توقف نشاطه العملياتى، والقبض على معظم القيادات الفاعلة فيه أو قتلها، حتى أصبح حضور التنظيم على الساحة إعلامياً أكثر منه واقعيا، حيث اقتصر نشاط التنظيم، خلال الفترة الأخيرة، على إصدار البيانات الإعلامية بين الحين والآخر، دون وجود نشاط عملياتي حقيقي على الأرض، معتمداً فقط على نشاط وعمليات الفروع الإقليمية والمحلية للتنظيم، التى لا تزال على ولائها له.
– وقف نزيف الانشقاقات، خاصة بعد خروج عدد من التنظيمات والمجموعات الجهادية من القاعدة، وإعلان مبايعة تنظيم “داعش”، مثل تنظيم “جند الخلافة”، وكتيبة “الهدى” الذي انشق عن تنظيم “القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامي”، أحد أهم أفرع القاعدة فى شمال إفريقيا، مما أثار المخاوف لدى قادة “القاعدة” من تزايد حالة الانشقاقات فى الفترة القادمة. فكان قرار الإعلان عن قيام “فرع جديد” للتنظيم محاولة لإعادة الثقة للأفراد ومجموعات “القاعدة” من جديد، من خلال الإيمان بأن التنظيم لا يزال يتمتع بالقوة، والحيوية، والقدرة على التوسع والانتشار.
– خلق مناطق نفوذ جديدة، من خلال التوسع فى أماكن لم ينشط فيها التنظيم من قبل، خاصة فى ظل انحسار نشاطه فى مناطق نفوذه التقليدية فى منطقة الشرق الأوسط لمصلحة “داعش”، والتنظيمات الإقليمية الأخرى الموالية له، والتي أخذت تتوسع فى المنطقة، وبداية امتداده الى إفريقيا بانحياز قيادة جماعة “بوكو حرام” النيجيرية، بعد فترة حاولت فيها أن تقف فى منتصف الطريق بين “داعش” و”القاعدة”.
وبالتالي، فإن إنشاء فرع جديد للتنظيم يمكن أن يخلق له حالة من النفوذ فى مناطق جديدة يستطيع أن يلعب فيها دور القائد الجهادى بدون منافس، ومن هنا جاء اختيار منطقة “شبه القارة الهندية”.
– توفير موارد بشرية جديدة من أجل تعويض النقص الحاد فى أفراد “القاعدة” بسب الضربات المتتالية التي تعرض لها التنظيم منذ 11 سبتمبر وحتى الآن، وكذلك توجه معظم الجهاديين الجدد من منطقة شمال إفريقيا التي تعد المورد الرئيسي للجهاديين إلى تنظيم “الدولة الإسلامية”، وهذا ما جعل الظواهري يسند قيادة “التنظيم الجديد” إلى الداعية والمنظر الباكستانى عاصم عمر، صاحب التاريخ فى الدعوة للفكر الجهادي، و”القاعدي”، من أجل نشر أفكار القاعدة فى تلك المناطق، التى تمثل تربة خصبة لنمو الفكر “القاعدي” بسب معاناة بعض الأقليات المسلمة فيها من التضييق والاضطهاد، مما يضمن للتنظيم وجود موراد بشرية متجددة يمكن الاعتماد عليها خلال الفترة المقبله، خاصة أن القيام بعمليات فى هذه المناطق سوف يعتمد بصف أساسية على أبنائها.
أهم المعوقات التي تواجه التنظيم:
يعانى تنظيم “قاعدة الجهاد في شبة القارة الهندية”، منذ أن تم الإعلان عنه، بعض العوقات الصعبة، من أهمها:
– الضعف التنظيمي، وربما يعود ذلك إلى عدم وجود قيادات عسكرية كبيرة على رأس التنظيم، تستطيع تحقيق الأهداف التي أنشئ من أجلها، مما أدى إلى عدم قدرته على القيام بعمليات كبيرة تتناسب مع اسم “القاعدة”، والزخم الإعلامي الذي ناله عند الإعلان عنه. حيث لم يقم التنظيم منذ نشأته، كما سبقت الإشارة، سوى بعمليتين، الأولى كانت استهداف “سفينة تموين أمريكية”، فى حوض بحري فى كراتشي جنوب باكستان يوم 12 سبتمبر2014، مما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص، من بينهم “ثلاثة مهاجمين”، وهناك من يشكك فى علاقة التنظيم بهذا الحادث. أما العملية الأخيرة، فهى اغتيال المدون الأمريكي افيجيت روي في بنجلاديش فى فبراير 2015.
– عدم وضوح الرؤية والأهداف فى إعلان الظواهري عن تأسيس فرع لـ “القاعدة” في الهند وبنجلاديش وبورما من أجل إقامة الخلافة الإسلامية في شبه القارة الهندية لـ “إنقاذ المسلمين من القمع والظلم، وتوحيد الأمة الإسلامية على الجهاد”، وهذه أهداف عامة وفضفاضة، كما لا توجد استرتيجية واضحة لتحقيق هذه الأهداف الكبيرة، فى وقت يعانى فيه التنظيم “الأم” الضعف والوهن الملحوظين.
– التعرض للضربات الاستباقية المبكرة، حيث تعرض التنظيم لضربة استباقية مؤلمة من قبل الولايات المتحدة، أدت إلى مقتل اثنين من كبار قادته، هما نائب رئيس الجماعة، أحمد فاروق، وقاري عمران، المسئول عن الشئون الأفغانية للجماعة، فى غارة لطائرة أمريكية من دون طيار في باكستان، وفى وقت يعانى فيه التنظيم على ما يبدو نقصا حادا فى القيادات الكبيرة، مما انعكس سلبا على أداء التنظيم العملياتى والحركي، خلال الفترة الماضية.
أخيرا،ً يبدو أن قرار إنشاء فرع جديد للقاعدة فى “شبه القارة الهندية”، كان متسرعاً، ولم يكن مدروساً بعناية، وجاء كمحاولة للخروج من الأزمات والضغوط التى تتعرض لها “القاعدة”، بسب تقلص نفوذها على المستوى العالمي، بعد مقتل أسامة بن لادن في 2011، وصعود تنظيم “الدولة الإسلامية” وتمدده على حسابها فى منطقة الشرق الأوسط، مما جعله المرجعية الجهادية الأولى فى العالم.
لذلك، أرادت القاعدة العودة من جديد إلى الأضواء من خلال إنشاء فرع جديد لها فى “شبه القارة الهندية”، خاصة أنه لم يعد لديها القدرة على منافسة “داعش” بصورة مباشرة فى المنطقة العربية، من أجل استعادة النفوذ المفقود، فاختارت الطريق الأسهل، وهو إنشاء فرع جديد لها. لكن هذا “التنظيم الجديد” لم يكن مُعداً له جيداً، فكانت النتيجة ظهوره غير المؤثر، مما أدى إلى زيادة الشعور بحالة الضعف التى تعانيها “القاعدة”، بدلاً من الإسهام فى زيادة قوتها، واستعادة مرجعيتها.
علي بكر
السياسة الدولية