عدن – شهدت مدينة تعز (وسط اليمن) مظاهرات منددة بالقصف، الذي تعرضت له منازل المدنيين جنوب المدينة، جراء إقدام عناصر عسكرية تابعة لحزب الإصلاح على استخدام الأسلحة الثقيلة في المواجهات مع عناصر عسكرية تابعة لكتائب أبوالعباس.
وشهدت المدينة القديمة في تعز موجة نزوح نتيجة للاشتباكات التي استخدم فيها اللواء 22 ميكا التابع لحزب الإصلاح الدبابات والقذائف الموجهة في قصف الأحياء السكنية، الأمر الذي أدى إلى اشتعال الحرائق في عدد من المنازل والمرافق العامة، وسقوط 61 قتيلا وحوالي 168 جريحا.
وقال شهود عيان لـ”العرب” إن الأحياء القديمة جنوب مدينة تعز تعرضت لعمليات سلب ونهب واسعة من قبل القوات الأمنية والعسكرية التي اجتاحت المنطقة تحت ذريعة ملاحقة مطلوبين أمنيين.
واعتبر ناشطون من تعز أن المواجهات الدامية التي شهدتها المدينة في الأيام الماضية كشفت عن حجم سيطرة جماعة الإخوان في اليمن على مفاصل الجيش الوطني والوحدات الأمنية في محافظة تعز، ورغبة هذه الجماعة في إزاحة كافة الفصائل والتيارات السياسية المناوئة لها.
وأكد ناشطون في اتصال مع “العرب” وجود أجندات سياسية وحزبية خلف ما سمي بالحملة الأمنية التي استخدمت توجيهات صادرة من محافظ تعز، نبيل شمسان المعين حديثا، ذريعة لتصفية الخصوم السياسيين وإحكام السيطرة على كافة المناطق المحررة في المدينة التي لا تزال الميليشيات الحوثية تسيطر على أجزاء واسعة منها، في ما يشبه الهدنة غير المعلنة مع قوات الجيش الوطني والقوات الأمنية الخاضعة لسلطة حزب الإصلاح.
وأشارت مصادر محلية لـ”العرب” إلى رفض الحملة الأمنية التي يقودها مدير الشرطة وقائد المحور سمير الحاج (من الإخوان) لتوجهات محافظ تعز اللاحقة، التي نصت على وقف الحملة وعودة القوات إلى ثكناتها، في أعقاب تسبب العنف المفرط في إحراج المحافظ وخصوصا بعد الإقدام على حرق مقر حزب المؤتمر في المحافظة ومداهمة عدد من المؤسسات ومنظمات المجتمع المدني.
وقال عارف جامل، وكيل محافظة تعز، إن قائد المحور سمير الحاج، ومدير أمن المحافظة أمين الأكحلي، متمردان على توجيهات المحافظ. وحمل جامل الذي يشغل منصب رئيس فرع حزب المؤتمر في تعز، قائد المحور ومدير الأمن مسؤولية ما يجري من أحداث داخل المدينة القديمة.
ولفتت مصادر يمنية إلى تقديم نبيل شمسان، الذي استلم مهام عمله قبل أيام، لاستقالته لكن الرئيس عبدربه منصور هادي رفض الاستقالة. وذكرت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية أن الرئيس هادي أجرى، السبت، اتصالا هاتفيا بمحافظ تعز “للوقوف على تداعيات الأحداث الأخيرة التي شهدتها المحافظة”.
وبحسب الوكالة فقد وجه هادي “بضرورة ضبط النفس وحقن الدماء” و”وقف التصعيد غير المبرر من قبل كافة الأطراف والالتزام التام بتوجيهات محافظ تعز باعتباره رئيس اللجنة الأمنية بالمحافظة”.
وكشفت وسائل إعلام يمنية عن تشكيل محافظ تعز نبيل شمسان للجنة تحقيق من ثلاثة قضاة للوقوف على تفاصيل المواجهات والانتهاكات التي رافقتها، وحصر الأضرار وتحديد المتسببين فيها.
ووصف محافظ تعز السابق أمين محمود المواجهات التي شهدتها المدينة خلال الأيام الماضية بأنها “جرائم حرب وإبادة جماعية بحق المدنيين العزل”.
وقال محمود الذي أقيل من منصبه في ديسمبر 2019، إثر محاولاته عرقلة التغول الإخواني على مؤسسات الشرعية في تعز، إن ما يحدث “انقلاب عسكري مصغر على قرارات المحافظ من قبل ميليشيات دينية راديكالية تتلقى أوامرها من الدوحة”.
وكشفت مصادر خاصة لـ”العرب” عن تصاعد الدور القطري في محافظة تعز من خلال تمويل أنشطة وفعاليات مناوئة للتحالف العربي، وقيام عناصر إخوانية مقربة من قطر في أوقات سابقة بتسيير مظاهرات تستهدف الإساءة للتحالف العربي والتشكيك بدوره في اليمن، وإقدام بعض المتظاهرين من تيار توكل كرمان على إحراق صور قادة التحالف وأعلام السعودية والإمارات.
كما أكدت المصادر على تجاوز الدور القطري في تعز الجانب الإعلامي والسياسي إلى دعم تأسيس كتائب وفصائل عسكرية جديدة تحت لافتة الجيش الوطني، إضافة إلى ما كشفت عنه “العرب” في وقت سابق عن دخول سلطنة عمان على خط التدخل في تعز عبر القيادي الإخواني حمود المخلافي الذي يقيم في مسقط ويشرف على تأسيس وحدات عسكرية من عناصر حزب الإصلاح في بعض مناطق ريف تعز.
وفي هذا السياق أعلن قياديون وناشطون في حزب الإصلاح عن تأسيس كيانين مثيرين للجدل في تعز قبيل المواجهات التي شهدتها المحافظة، الأول عسكري تحت عنوان “الحشد الشعبي”، فيما يتخذ المكون الآخر شعارا سياسيا تحت لافتة “السيادة”، واتهام دول التحالف بالانتقاص من السيادة اليمنية، وهو ذات الخطاب السياسي الذي تبني عليه الناشطة الإخوانية توكل كرمان خطابها السياسي والإعلامي المعادي للرياض وأبوظبي.
وعلى صعيد ردود الأفعال على ما شهدته تعز أصدر المكتب التنفيذي للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري بمحافظة تعز بيانا قال فيه إنه حذر من “الأحداث المأسوية والمتسارعة التي شهدتها تعز″ قبيل وقوعها نتيجة “حرف مسار الحملة الأمنية”.
وأشار بيان الحزب الذي يحظى بشعبية في محافظة تعز إلى تحذيره المبكر من التداعيات في اجتماع القوى السياسية مع المحافظ، الخميس الحادي والعشرين من مارس الحالي، والتخوف من استغلال قرار الحملة الأمنية لتصفية حسابات من البعض مع من يروهم خصوما لهم بنزعة استعلائية وانتقامية ضد من هم في الأصل شركاء في معركة التحرير.
وأرجع البيان المواجهات إلى ما قال إنه نتيجة حرف مسار الحملة الأمنية وتحويلها “إلى حرب انتقام وإبادة وتصفية، الأمر الذي أسفر عن سقوط العشرات من الضحايا المدنيين بين شهيد وجريح واقتراف جريمة إعدام خارج القانون في حق جريح، فضلا عن إحراق المستشفى الوحيد في المدينة القديمة وبعض المنازل والممتلكات واقتحام ونهب منازل المواطنين دون مبرر وترويع النساء والأطفال ونهب الممتلكات العامة”.
وعمل حزب الإصلاح منذ وقت مبكر على إحكام السيطرة على محافظة تعز بشكل كامل وتكرار نموذج محافظتي مأرب والجوف اللتين يسيطر عليهما الإخوان بشكل أحادي، عبر تعزيز حضوره السياسي والإعلامي والعسكري بمساندة شبكاته في الحكومة الشرعية التي عملت على إصدار العشرات من القرارات التي تم بموجبها تعيين موالين للإخوان في مواقع عسكرية وأمنية هامة، في مقدمتها قيادة محور تعز وقيادة الشرطة العامة والشرطة العسكرية، إضافة إلى تشكيل العديد من الألوية العسكرية من عناصر الإخوان وتتويج ذلك من خلال تعيين المشرف العسكري للإخوان في تعز عبده فرحان الشهير بسالم مستشارا لقيادة محور تعز، بالتزامن مع تشويه وإضعاف الفصائل الأخرى في الجيش الوطني التي لا تدين بالولاء لحزب الإصلاح مثل كتائب أبوالعباس واللواء 35 مدرع بقيادة عدنان الحمادي.
واختلق الإخوان صراعا عسكريا مع كتائب أبوالعباس لدفعها خارج المدينة وعمدوا في وقت لاحق للضغط لتشكيل لجنة رئاسية برئاسة مشرف الإخوان “سالم”، لإكمال سيطرتهم على المناطق المحررة في تعز تحت ذريعة ملاحقة مطلوبين أمنيين في مناطق سيطرة أبوالعباس، إضافة إلى مطالبة كتائب أبوالعباس بتسليم مؤسسات ومرافق حكومية سيطرت عليها بعد تحريرها من قبل الحوثيين، وهو الأمر الذي وافقت عليه الكتائب شريطة أن يقوم الإصلاح بخطوة مماثلة، وفي نهاية المطاف سلم أبوالعباس المناطق التي تحت سيطرته، في الوقت الذي رفض الإصلاح فعل ذلك، ومع ذلك استمرت الحملات العسكرية ضد كتائب أبوالعباس وتم استهداف وقتل العشرات من عناصر الكتائب.
وفي سياق سعيهم الحثيث للاستحواذ على محافظة تعز أنشأ الإخوان لواء عسكريا في منطقة الحجرية ذات الميول القومية واليسارية حيث يتواجد لواء عدنان الحمادي 35 مدرع بهدف تضييق الخناق عليه وتشكل لواء مواز حمل اسم اللواء الرابع مشاة جبلي من بين عناصر الإخوان في المنطقة.
وزادت مخاوف حزب الإصلاح مع اقتراب قوات العمالقة الجنوبية من منطقة “الكدحة” حيث تتواجد قوات كتائب أبوالعباس خوفا من التحام القوتين وتغير معادلة القوة في محافظة تعز، فعملوا على وضع الكمائن لقوات أبوالعباس وقتل العديد من عناصرها ما قدم خدمة للميليشيات الحوثية في هذه الجبهة.
وتشير المصادر إلى تطور صراع السيطرة على تعز بشكل لافت بعد عودة القائد الإخواني حمود سعيد المخلافي من تركيا وبروز دوره مجددا ولكن من خلال دعم عماني-قطري مشترك هذه المرة بهدف قلب المعادلة، حيث شرع المخلافي في تأسيس لواءين في منطقة المعافر لقطع الطريق على قوات أبوالعباس والحيلولة دون التحامها مع قوات العمالقة، وقد وصلت العشرات من الأطقم العسكرية من مأرب محملة بالأسلحة التي تقول المعلومات إن المخلافي اشتراها بدعم من مسقط.
العرب