ماكرون يعلن انتهاء زمن “السذاجة السياسية الأوروبية” تجاه الصين

ماكرون يعلن انتهاء زمن “السذاجة السياسية الأوروبية” تجاه الصين

باريس – يسعى الأوروبيون الذين يواجهون حربا تجارية من قبل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومنافسة شرسة من قبل الشركات الصينية، إلى إيجاد نقطة توازن تحمي الاتحاد الأوروبي ومتانة اقتصاده، إثر الارتباك الذي أصابه بعد استفتاء بريطانيا على مغادرة النادي الأوروبي في يونيو 2017.

ويواصل الرئيس الصيني شي جين بينغ جولته الأوروبية، حيث وصل، الأحد، إلى الكوت دازور في زيارة دولة إلى إمارة موناكو، تلاها عشاء مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قبل أن يبدأ زيارته الرسمية لفرنسا، الاثنين والثلاثاء.

وينظر المراقبون باهتمام إلى الحلقة الفرنسية من جولة الزعيم الصيني، لاسيما بعد التصريحات التي أطلقها ماكرون قبل أيام في بروكسل والتي أعلن فيها أن “زمن السذاجة الأوروبية في العلاقات مع الصين قد ولّى”.

وأكد ماكرون على انتهاء “زمن السذاجة الأوروبية” قائلا “لسنوات عديدة، كان لدينا نهج غير منسّق، واستغلت الصين انقساماتنا”.

وجاءت تصريحات الرئيس الفرنسي، الجمعة، أمام قمة أوروبية، كانت تبحث داخل المجلس الأوروبي تطوير آليات للتحقّق من تبادل الاستثمارات داخل أسواق القطاع العام. وتطرقت المناقشات إلى قطاع الاتصالات الهاتفية وتكنولوجيا الجيل الخامس، الذي تمتلك الصين في مجاله تقنيات متقدمة.

وفي وقت عبرت فيه واشنطن عن قلق من السماح للصين بالانخراط داخل سوق الاتصالات الأوروبية لما يحمله الأمر من تهديد أمني، فإن فرنسا وألمانيا وبريطانيا لا تنوي حجب سوق الاتصالات عن الشركات الصينية.

وتحاول فرنسا توحيد المقاربة الأوروبية حيال الصين، في حين اقتنعت بعض البلدان بالمشروع الصيني العملاق للبنى التحتية والمسمى “طريق الحرير الجديدة”.

وهذا ما ينطبق على إيطاليا التي وقعت، السبت، مذكرة تفاهم في هذا الشأن بمناسبة زيارة الرئيس الصيني، وبلدان أوروبا الوسطى التي تتودّد إليها الصين منذ فترة طويلة، خصوصا عبر قمة من المقرر عقدها في 12 أبريل في كرواتيا.

وعلى الرغم من الطابع الاحتفالي لزيارة الزعيم الصيني وزوجته بنغ ليوان إلى موناكو، ودعوته بعد ذلك من قبل الرئيس الفرنسي وزوجته بريجيت، على عشاء خاص في فيلا كيريلوس الأثرية، التي تطل على البحر المتوسط في مدينة بوليو سورمير، إلا أن الأنظار شاخصة إلى أعمال الزيارة الرسمية لفرنسا، الاثنين والثلاثاء.

وقال مصدر رسمي صيني قبل الاجتماع، الذي يندرج في إطار الذكرى الخامسة والخمسين للعلاقات الثنائية، إن الرئيسين “سيتبادلان وجهات نظر معمقة حول العلاقات الصينية-الفرنسية والعلاقات الصينية-الأوروبية والقضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك”.

وكتب الزعيم الصيني في مقال نشر، الأحد، في صحيفة لو فيغارو، أن “الصين وفرنسا مرتبطتان بصداقة خاصة وشراكة يفوز فيها الطرفان”.

وأضاف “نرحب بالمستثمرين الفرنسيين لتبادل فرص التنمية في الصين. وآمل أيضا في أن تتمكن الشركات الصينية من أن تحرز نجاحا أفضل في فرنسا”.

وتطرح أوروبا تساؤلات حول علاقتها مع هذا المنافس، الذي يبدي طموحات دبلوماسية وتجارية كبيرة. واللافت أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، سينضمان إلى الرئيسين الصيني والفرنسي، الثلاثاء، ما يشكل واحدة من النقاط الأساسية لهذه الزيارة.

واعتبرت المستشارة الألمانية في تصريح لها على هامش القمة الأوروبية أن على الاتحاد الأوروبي أن يتعامل مع الصين بصفتها شريكا ومنافسا. وقد أيدها في رأيها كل من المستشار النمساوي سبستيان كورتس وجان كلود يونكر.

غير أن مراقبين لاحظوا أن الاتحاد الأوروبي قد لا ينجح في تشكيل جبهة موحدة ضد الصين، فيما كان واضحا أن اتفاقات الزعيم الصيني في إيطاليا التي يقودها اليمين المتطرف تمثل تصدعا داخل الجدار الأوروبي مع الصين.

ويذكر المراقبون أن عددا من دول أوروبا الشرقية الأعضاء في الاتحاد سبق أن تقربت من الصين في إطار مشروعها العملاق “طريق الحرير”.

وتملك أوروبا موقفا مختلفا عن الموقف الأميركي المعادي للسياسة الاقتصادية الصينية. وتعوّل دول الاتحاد على هذا الموقف “الودود” والمتفهم للطموحات الصينية في محاولة لإقناع بكين برفع مستوى روح الشراكة مع أوروبا بدل رفع مستويات الخصومة والمنافسة.

وسعى اجتماع القادة الأوروبيين إلى الاتفاق على ابتكار آليات تمكن من التحقق من العدالة في تبادل الاستثمارات بين الطرفين، الأوروبي والصيني، ومواصلة الضغوط على الصين من أجل فتح أسواقها، في القطاعين الخاص والعام، أمام الشركات الأوروبية. وتشكو تلك الشركات من تباطؤ هذه الأسواق الصينية في الانفتاح على الاستثمارات الأوروبية.

وعلى الرغم من إعلان ماكرون عن انتهاء “زمن السذاجة”، يعتبر المراقبون أن تصريحات الرئيس الفرنسي سياسية إعلامية يعوزها الحزم الأوروبي، كما تحتاج إلى وحدة أوروبية كاملة لا يبدو أنها محققة، خصوصا نجاح الصين في اختراق بعض الدول الأعضاء. غير أن هؤلاء المراقبين يعتقدون أن للصين وزعيمها مصلحة في عدم إغضاب الأوروبيين وإبعادهم عن الوقوف بجانب الولايات المتحدة في حربها التجارية ضد الصين.

العرب