بدل أن يكون نعمة، غالبا ما يتحول النفط إلى نقمة على البلاد المنتجة له، ويكون عائقا أمام التنمية والديمقراطية، وربما يكون أسوأ عليها بعد نفاده، وقد تكون الجزائر وفنزويلا آخر مثالين على ذلك.
بهذه الكلمات لخصت صحيفة “ليزيكو” الفرنسية ما سمّته لعنة النفط الثلاثية التي تعاني منها كل من فنزويلا والجزائر والسعودية، قائلة إن هذه الدول تعيش أزمات، بل وعنفا في بعض الأحيان، والشيء الوحيد المشترك بينها هو النفط، وليس ذلك محض صدفة، وفقا للصحيفة.
لعنة سياسية
عادة ما يرتبط الذهب الأسود بالرخاء، فهو المنتَج الأكثر مبيعا في العالم، وقد جلب في العام الماضي أكثر من 1.7 تريليون دولار للبلدان المصدرة، مما ينبغي أن يساعد في تسهيل حياة المواطنين ودفع عجلات التنمية، غير أنه فيما يبدو لا علاقة بين قائمة الدول المنتجة للنفط وقائمة الأماكن التي تقدم الرخاء لمواطنيها، كما تقول الصحيفة.
وقالت الصحيفة إن قائمة الدول المصدرة تبدو قائمة من الدول ذات المشاكل، وإن الاستثناء هو الصين والدول المتقدمة في الغرب.
ورأت الصحيفة أن الدول النفطية تعيش تحت لعنتين، اللعنة الأولى والأكثر وضوحا تتعلق بالاقتصاد، إذ إن الذهب الأسود بدلا من تمويل التطوير أصبح عائقا أمامه.
واللعنة الثانية -الأكثر انتشارا والأقل وضوحا- فهي سياسية، حيث إنه “إذا كانت السلطة تصنع الفساد، فإن قوة النفط تصنع الفساد المطلق”، كما قال المؤرخ الإنجليزي اللورد أكتون.
فتور مزعج
ولاحظت الصحيفة أن كثيرا من الدول الغنية بالنفط ما زالت تواجه صعوبة في النمو، على عكس بلدان فقيرة حققت نموا مثيرا للإعجاب في العقود الأخيرة مثل الصين وسنغافورة وكوريا الجنوبية وأثيوبيا، مشيرة إلى أن هذه الآفة تسمى “المرض الهولندي” وهي معروفة منذ الستينيات.
وشرحت الصحيفة الأمر بأن إنتاج النفط أو الغاز يفقد الأسواق القدرة على مواجهة المنافسة الأجنبية، موضحة أن ارتفاع الأجور بهذه الصناعة يدفع إلى رفع الأجور بالصناعات الأخرى، مما يزيد من تكاليف الإنتاج وبالتالي الغلاء وارتفاع سعر العملة المحلية الذي يعوق التصدير ويشجع الاستيراد.
وقالت الصحيفة إن علاج هذا الداء -الأكثر فعالية- بسيط ولكنه جذري، وهو عدم ضخ معظم عائدات النفط باقتصاد تلك الدول، بل توفير المال لأيام أخرى أو لتخفيف آثار تقلب الأسعار، وهو ما فعلته دولة مثل النرويج بصندوق الثروة السيادية.
النفط والسياسة
وقالت الصحيفة إن هذه الأموال هي التي تجر موضوع النفط نحو السياسة، حيث غالبا ما يكون الإغراء كبيرا، لأن هناك الكثير من المال، والطبقة الحاكمة تحصل عليه بكل الوسائل، خاصة في عواصم مثل الرياض وموسكو وطهران والجزائر وبرازيليا، حيث اجتاحت الفضائح المتعلقة بأموال النفط جيلا كاملا من السياسيين.
وأوضحت الصحيفة أن هذا التأثير ملموس في الولايات المتحدة التي تتمتع باقتصاد قوي وديمقراطية راسخة، حيث إن سياسيين كثيرين من أوساط المؤسسات النفطية أصبحوا وزراء، وكان آخرهم وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون.
ورأت الصحيفة أن النفط يؤثر في الديمقراطية، إذ لاحظ فريق من الاقتصاديين قبل عشر سنوات أن “وسائل الإعلام أقل حرية في الاقتصادات الغنية بالنفط”، كما أن بحثا لجامعة كاليفورنيا حول الروابط بين السياسة والنفط، أوضح أن “هناك نوعا واحدا من الموارد يرتبط باستمرار مع انخفاض نسبة الديمقراطية وضعف جودة المؤسسات ألا وهو النفط”.
ونبهت الصحيفة إلى أن أموال الذهب الأسود تجعل الأمور أسهل عادة، إذ إنها تُمكّن من شراء السلام الاجتماعي عندما ترتفع الأسعار وتتزايد المطالب في البلاد، وهذا ما حدث خلال ربيع عام 2011، بعد ثلاث سنوات من صعود النفط عام 2008، ولكن عندما تنخفض أسعار النفط يصبح كل شيء أكثر صعوبة، وهذا ما يحدث اليوم في فنزويلا والجزائر.
وختمت الصحيفة بأن اللعنات لن تتوقف عند هذا الحد، بل إن اللعنة الثالثة ستكون في المستقبل عندما تستنفد دول النفط احتياطياتها أو عندما لا تجد عملاء بسبب المخاوف المتزايدة بشأن المناخ، فسيتعيّن عليهم العيش بأموال أقل.
الجزيرة