الانتخابات البلدية بتركيا.. تنافس سياسي بثوب خدمي

الانتخابات البلدية بتركيا.. تنافس سياسي بثوب خدمي

أيام معدودات تفصل المواطنين الأتراك عن الانتخابات المحلية التي سيختارون فيها المسؤولين عن إدارة بلدياتهم لمدة خمسة أعوام قادمة. وتنعقد الانتخابات المحلية لاختيار رؤساء بلدية لثلاثين مدينة كبرى و1351 منطقة، بالإضافة إلى 1251 عضو مجلس ولاية وعشرين ألفاً وخمسمئة عضو مجلس بلدية.

وعلى الرغم من أن إدارة البلديات في ظاهرها عمل مهني خدماتي بعيد عن السياسة، لكنها في تركيا ركيزة مهمة في العمل السياسي على الصعيد المحلي، حيث تعتبر من المحطات الأولى والأساسية للديمقراطية قبل البرلمان والرئاسة.

وتعقد البلديات اتفاقيات توأمة مع مئات البلديات العربية والعالمية، وتوجد بلديات كبرى مثل بلديتي إسطنبول وأنقرة، وهذه تنوء بمسؤوليات إدارية ومالية كبيرة. فبلدية أنقرة يعمل فيها أكثر من عشرة آلاف عامل وموظف، ولدى بلدية إسطنبول أكثر من عشرين ألف عامل وموظف حسب إحصائيات 2014.

أهمية سياسية
بدأت الانتخابات البلدية تكتسب أهمية سياسية كبرى ابتداء من عام 1963، نظراً للدور الذي تلعبه في تحديد الحزب الفائز بالانتخابات العامّة التالية، بحسب دراسة صادرة عن المركز العربي في قطر.

وذكرت الدراسة أن حزب العدالة -وهو غير الحزب الحاكم الآن- فاز خلال الستينيات ببلدية إسطنبول، ليقود الانتخابات العامة التالية. حدث ذلك أيضاً مع حزب الشعب الجمهوري في السبعينيات، وحزب الوطن الأم في الثمانينيات، وحزب الرفاه في التسعينيات، انتهاءً بحزب العدالة والتنمية الذي حافظ على اكتساحه لبلدية إسطنبول، وما يزال الحزب الحاكم منذ 17 عاماً.

ومن المقرر أن يتنافس 12 حزباً سياسياً بالانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في 31 مارس/آذار الجاري.

وبسبب حساسية هذه الانتخابات وأهميتها -والتي سيحمل الفوز بها دلالات سياسية كبيرة- فقد قدم حزب العدالة والتنمية مرشحين من “العيار الثقيل” لبعض البلديات الكبرى، وفي مقدمتها إسطنبول وأنقرة وإزمير، وهم على التوالي رئيس البرلمان السابق ورئيس الحكومة الأسبق بن علي يلدرم، ومحمد أوزحسكي نائب رئيس الحزب والوزير السابق ورئيس بلدية قيصري لخمس دورات متتالية، والوزير السابق والبرلماني لعدة دورات نهاد زيبكجي.

انعكاسات
وفي هذا السياق، قال الكاتب والباحث التركي طه عودة أوغلو للجزيرة نت “إن تركيا على موعد بعد أيام قليلة مع أهم انتخابات محلية تجرى في البلاد منذ عقود، إذ تمثل اهتماما خاصا للأحزاب السياسية لأنها تتحكم في مستقبلها وتأثيرها شعبيا، وفرصها في الوصول إلى السلطة لاحقا”.

وكشف عودة أوغلو للجزيرة نت عن استطلاع داخلي أجراه حزب العدالة والتنمیة قبل أيام قليلة من موعد الانتخابات المحلیة، أظهر أن معركة رئاسة بلدیة أنقرة ستكون أصعب على الحزب من المعركة الانتخابية بإسطنبول، مبينا أن الاستطلاع لا يشیر إلى تفوق تحالف المعارضة وإنما تقدم تحالف الحزب الحاكم بأغلبیة طفیفة “غیر مطمئنة”.

وأضاف “العمل في البلديات ينطوي على أهمية سياسة وليس خدمية فحسب، فالنجاح الكبير الذي حققه الرئيس أردوغان عندما كان رئيسا لبلدية إسطنبول، وتغيير وجه المدينة بعد سنين طويلة من حكم أحزاب فاشلة بالبلديات كان السبب الأساسي لنجاح أردوغان بالانتخابات البرلمانية في نوفمبر/تشرين الثاني 2002”.

ويولي حزب العدالة والتنمية أهمية بالغة لهذه الانتخابات -يقول عودة أوغلو- لكنه يقف أمام تحديات كبيرة على المستويين الداخلي والخارجي، ونظرا لأهميتها فقد دفع الحزب الحاكم بشخصيات بارزة ولها تأثيرها على الشارع مثل رئيس البرلمان السابق يلدرم في إسطنبول.
وبحسب مراقبين، إذا فازت المعارضة في إسطنبول فستكون ضربة رمزية قوية لأردوغان وحزبه الحاكم، وهذا كان السبب وراء ترشيح يلدرم لبلدية إسطنبول، وقد جهر أردوغان بأهميتها قائلا “إذا خسرنا إسطنبول، خسرنا تركيا”.

الانتخابات البلدية مؤشر على مدى شعبية الأحزاب السياسية في عيون المواطن قبل الانتخابات البرلمانية التالية (الأناضول)
خدماتي سياسي
وقد أعطى استطلاع شركة غيزجي -الذي نفذ في ثماني مدن ذات بلديات كبرى منها إسطنبول- الفوز ليلدرم مرشح تحالف الجمهور، حيث كانت الإجابة 45.2%، وحصل أكرم إمام أوغلو مرشح تحالف الأمة المعارض على 40.6%، وقال 13% إنهم مترددون، وبعد توزيع أصوات المترددين كانت النتيجة 52% ليلدرم مرشح تحالف الجمهور و46.6% لإمام أوغلو.
أما العاصمة فذكرت شركة كونسينس للاستطلاعات أن المنافسة على أشدها، ووصفت عملية المنافسة بأنها تشبه حد السكين في إشارة إلى عدم وجود فارق يذكر بين المرشحين.
من جانبه علق نائب رئيس تحرير مجلة “رؤية تركية” محمود الرنتيسي قائلا “في أنقرة يحتدم التنافس، فقد قدمت المعارضة مرشحًا معروفًا هو منصور يفاش الذي نافس بالانتخابات البلدية الماضية وهو ذو خلفية قومية، ويلقى الدعم من حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد وربما ينال قسمًا من أصوات مؤيدي حزب الشعوب الديمقراطية الذي فضل عدم تقديم مرشح له بأنقرة، ودعا ناخبيه للتصويت للمرشح القادر على هزيمة مرشح حزب العدالة والحركة القومية”.

ويضيف الرنتيسي “من المدن الأخرى التي تحتدم فيها المنافسة ولا يمكن الحسم بالنتيجة من الآن: بورصة وأنطاليا وأضنة، فعلى سبيل المثال أشار استطلاع غيزجي إلى تقدم مرشح تحالف الأمة في بورصة وأنطاليا، في حين اختلفت الاستطلاعات بشأن أضنة”.
وتلعب البلديات عموما وبلديتا أنقرة وإسطنبول خصوصا دورا سياسيا مهما -كما أكد الرنتيسي للجزيرة نت- فعلى سبيل المثال، ساهمت البلديات بشكل كبير مع جهود مؤسسات أخرى في إحباط المحاولة الانقلابية عام 2016، وبهذا ألقت الضوء على جانب جديد في عمل البلديات، هو المشاركة الفاعلة في الأحداث السياسية المصيرية مما يؤكد أن دور البلديات لا يقف عند الإطار الخدماتي المحض.
ولفت نائب رئيس تحرير “رؤية تركية” إلى أن بلدية أنقرة قامت بعد فشل الانقلاب مباشرة بتغيير اسم ميدان “كزلاي” إلى “ديمقراطية 15 يوليو” وتغيير اسم ميدان “رئاسة الأركان” إلى “شهداء 15 يوليو”.

الجزيرة