ظل جمال حسين الموظف بالمعاش يجأر بالشكوى على صفحته بموقع فيسبوك للرئيس عبد الفتاح السيسي مستغيثا به لسحب استشكال وزارة التضامن أمام محكمة القاهرة للأمور المستعجلة الرامي إلى وقف تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا بشأن أحقية أصحاب المعاشات في صرف 80% من قيمة آخر خمس علاوات للأجر المتغير.
مناشدات جمال وغيره للسيسي استندت إلى سابق “فضل” لهم على السيسي، إذ شكل أصحاب المعاشات أغلبية المصوتين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وما قبلها.
ولم يلبث السيسي أن أوقف استشكال وزارة التضامن فيما اعتبره مؤيدوه انتصارا من قبل السيسي لأصحاب المعاشات، كما حفلت بذلك الصحف الرسمية بعنوان موحد، في حين عده مراقبون مشهدا مكررا -استخدمه الرئيس المخلوع حسني مبارك من قبل- لإبراز “الحنان الرئاسي” مقابل قسوة مسؤولي الرئيس تجاه مستحقات بعض الفئات.
قلق وشكوك
ومع ضخامة المبالغ المطلوب من الحكومة توفيرها في غضون شهور لتلبية الزيادات المستحقة يشك كثير من أصحاب المعاشات بإمكانية تحقيق الوعد الرئاسي وصرف هذه المبالغ الضخمة التي تصل في بعض التقديرات إلى نصف تريليون جنيه (أقل من ثلاثين مليار دولار)، في ظل شح موارد الدولة، ونوء كاهل الميزانية بالديون.
وذهب هؤلاء حد التشكك في نوايا السيسي بالقول إنه يقدم رشوة وهمية لأصحاب المعاشات، لكسب تأييدهم للتعديلات الدستورية المقرر الاستفتاء عليها في أبريل/نيسان المقبل، وبعدها لن يحصلوا عليها فعليا لعجز الدولة عن توفيرها.
فقد أكد السيسي نفسه في أكثر من مناسبة عجز الدولة عن تحمل أي أعباء جديدة تتطلبها زيادات في المرتبات أو المعاشات.
ويعضد قلق أصحاب المعاشات تصريحات وزير المالية محمد معيط قبل أيام بأن هذا العام سيشهد تسديد مصر نحو 817 مليار جنيه فوائد وأقساطا (نحو 47 مليار دولار)، في حين تبلغ الموازنة 989 مليار جنيه (نحو 57 مليار دولار)، أي أن ما يتبقى من الميزانية نحو 170 مليار جنيه (أقل قليلا من عشرة مليارات دولار)، موضحا أن الحكومة ستضطر إلى مزيد من الاقتراض لسداد العجز والوفاء بالاحتياجات الأساسية للمواطنين.
طبع النقود
وقال رئيس صندوق التأمين الاجتماعي للعاملين في القطاع الحكومي محمد سعودي إن حكم المحكمة بصرف العلاوات ينطبق على من خرج للمعاش بعد 2006، وتنطبق عليه شروط العلاوة الخاصة، مشيرا في تصريحات إعلامية إلى أن صندوق المعاشات يصرف 156 مليار جنيه سنويا حاليا (نحو تسعة مليارات دولار).
وألغت الحكومة صرف العلاوات عام 2010، فلجأ أصحاب المعاشات لإقامة دعاوى قضائية حتى صدر الحكم بعودتها مرة أخرى.
ويبلغ عدد المستفيدين من قرار تسوية أصحاب المعاشات 2.4 مليون شخص، بمن فيهم المستفيدون من القطاع الخاص.
ويبلغ إجمالي ملفات أصحاب المعاشات 7.3 ملايين ملف، منها ثلاثة ملايين توفي أصحابها ودخل مكانهم المستفيدون من أبنائهم، ليصل إجمالي من يصرفون المعاشات 9.3 ملايين شخص.
ويخشى مراقبون من اتجاه الحكومة إلى سداد المبالغ المطلوبة لمستحقي زيادات المعاشات عبر طبع المزيد من النقود، أو لمزيد من الاقتراض الخارجي، وكلاهما سيؤدي إلى تضخم يلتهم أي زيادة.
رشوة للتعديلات الدستورية
ويرى مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والإستراتيجية ممدوح المنير أن المسألة برمتها لا تعدو مناورة لتمرير التعديلات الدستورية “فالسيسي همه الأكبر الآن هو تمرير التعديلات الدستورية الكارثية وتسكين الأجواء حتى تمر”.
ويتوقع المنير أن تتدهور الأوضاع المعيشية بسرعة مخيفة خلال الفترة المقبلة، خصوصا مع رفع الدعم كاملا طبقا لاتفاق السيسي مع صندوق النقد الدولي.
وتابع في حديثه للجزيرة نت أن السيسي “الذي استولى على أموال مؤيديه من رجال الأعمال وأجبرهم على التبرع لصندوق تحيا مصر لن يمنح الأموال لمستحقيها المستضعفين كأصحاب المعاشات أو محدودي الدخل”.
ويؤكد المنير أن وزيرة التضامن كغيرها من وزراء الحكومة “مجرد سكرتارية رديئة لدى السيسي”، وهي لم تقدم الاستشكال القضائي ضد أصحاب المعاشات إلا “بموافقة الأجهزة الأمنية”، ومن ثمة فالفاعل واحد في كل الحالات، سواء عند تقديم الاستشكال أو سحبه، لأنه لا توجد دولة ولا مؤسسات في مصر حاليا.
وتبلغ مستحقات هيئة التأمينات الاجتماعية لدى وزارة المالية نحو 642 مليار جنيه (نحو ثلاثين مليار دولار)، موزعة بين وزارة المالية وبنك الاستثمار القومي، بحسب إحصاءات رسمية.
لا قدرة على السداد
وتشير بيانات البنك المركزي المصري حتى سبتمبر/أيلول الماضي إلى أن قيمة السندات التي أصدرتها الخزانة العامة لصالح هيئة التأمينات بلغت نحو 359.5 مليار جنيه (نحو عشرين مليار دولار)، بالإضافة إلى وجود أرصدة لهيئة التأمينات في بنك الاستثمار القومي في الوقت نفسه بقيمة 58 مليار جنيه، أي بمجموع 417 مليار جنيه.
وعلى هذا الأساس، تصل المبالغ المتبقية لدى المالية لصالح هيئة التأمينات إلى نحو 225 مليار جنيه (نحو 11.5مليار دولار)، وهو ما يؤكده تصريح مسؤول في وزارة التضامن لصحيفة اقتصادية أوائل الشهر الحالي بشأن حجم مديونية المالية للتأمينات.
ويقول الكاتب والخبير بالشأن الاقتصادي ممدوح الولي الأرقام إن الحكومة غير قادرة على السداد العاجل لهذه المستحقات، مؤكدا أن السداد يمكن أن يتم تدريجيا وفي صورة سندات على الخزانة العامة كما حدث من قبل منذ عام 2013، مع سداد بعض مستحقات التأمينات لدى المالية على خمس سنوات ثم مبلغ آخر على عشر سنوات.
وهكذا -يضيف الولي- يمكن أن يتم السداد على فترة لن تقل عن عشر سنوات وبفائدة أقل من سعر الفائدة السائد بالسوق كما حدث من قبل.
ولفت الولي في حديثه للجزيرة نت إلى أن وزارة المالية ستفاوض هيئة التأمينات كجهة خاضعة لإشراف وزارة التضامن، مما يدفعها لقبول ما تقرره وزارة المالية مضطرة.
كما تحدث الولي عن وجود لجنة حكومية لتحديد قيمة مديونية التأمينات لصالح هيئة التأمينات لم تنته من عملها بعد، وربما تأتي برقم أقل مما هو مذكور رسميا، خاصة مع اختلاف وجهات النظر منذ سنوات بين المالية وهيئة التأمينات بشأن القيمة.
المصدر : الجزيرة