خطة السلام الأميركية للشرق الأوسط ، المعروفة إعلاميا بـ”صفقة القرن” أم التعديلات الدستورية أم كلتاهما؟ ما بين هذين الملفين يدور الحديث عن أسباب الزيارة المفاجئة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ففي بيان مقتضب يوم الجمعة الماضي، ذكر البيت الأبيض أن الرئيسين سيناقشان يوم غد الثلاثاء “التعاون العسكري والاقتصادي ومكافحة الإرهاب، وكذلك التكامل الاقتصادي الإقليمي ودور مصر الطويل الأمد كمحور أساسي للاستقرار الإقليمي”، دون مزيد من التفاصيل.
زيارة السيسي للولايات المتحدة هي السابعة له منذ توليه السلطة في صيف 2014، في حين أن اللقاء المرتقب بينه وبين ترامب هو الخامس من نوعه منذ تنصيب الأخير رئيسا للولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني 2017.
وتكمن أهمية زيارة الرئيس المصري للبيت الأبيض (الثانية من نوعها خلال السنوات الخمس الماضية) والتي لم تكن على أجندة ترامب الدولية ولم يعلن عنها بوقت كاف كالعادة أنها تأتي في ظل استعداد مصر للاستفتاء على تعديلات دستورية مقترحة نهاية الشهر الجاري، والتي تسمح بتمديد ولاية السيسي حتى عام 2034 وتضع الجيش فوق الدولة بصفته حاميا للدستور ومدنية الدولة.
كما تأتي الزيارة قرب الإعلان عن خطة الرئيس ترامب للسلام التي تتضمن التنازل عن العديد من ثوابت القضية الفلسطينية مثل القدس وحق العودة للاجئين، بحسب تسريبات إعلامية.
يسعى الرئيس الأميركي من خلال لقائه بالسيسي للدفع بـ”صفقة القرن” إلى الأمام بعد تعثرها وتأخر الإعلان عنها أكثر من مرة، وذلك في ظل تردد الأطراف الرئيسية فيها كالأردن الذي يبدي ممانعة مكتومة والفلسطينيين الذين يعانون من الانقسام الداخلي وتعثر المصالحة التي ترعاها مصر بين حركتي فتح وحماس، وذلك وفق ما أوضح مدير مركز العلاقات المصرية الأميركية صفي الدين حامد.
ومن المتوقع أن يتم الإعلان عن “صفقة القرن” بعد أسابيع من الانتخابات الإسرائيلية المزمع إجراؤها يوم غد الثلاثاء، وذلك بحسب ما أعلن السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون في مقابلة مع شبكة “سي إن إن” الأميركية الأربعاء الماضي.
ومصطلح “صفقة القرن” دخل دائرة التداول السياسي والإعلامي مع تولي دونالد ترامب منصب الرئاسة الأميركية في يناير/كانون الثاني 2017، ولا توجد أي ملامح معلنة حتى الآن عن طبيعة الصفقة أو خطوطها العريضة.
ويؤمن ترامب وفريقه المشرف على وضع تفاصيل “صفقة القرن” بأن الخطوات التي اتخذتها إدارته (إعلان القدس عاصمة لإسرائيل في ديسمبر/كانون الأول 2017) ستسهل الطريق أمام المفاوضات بحكم أنها “أخرجت قضية القدس من دائرة التفاوض”.
ويعتبر السيسي هو الشخص الوحيد الذي يعول عليه حاليا ترامب في إتمام “الصفقة”، لما يمتلكه من علاقات قوية مع إسرائيل، سواء على الجانب العسكري أو الاقتصادي، وذلك وفق ما أكدت الأكاديمية والمحاضرة في العلوم السياسية بواشنطن عبير كايد.
وتقول كايد في حديثها للجزيرة نت إن “الرئيس الأميركي يعتبر السيسي حليفا مهما له في الشرق الأوسط، حيث يعلب دورا كبيرا في إتمام “صفقة القرن” وذلك من خلال عمليات الإخلاء التي قام بها في شمال سيناء”.
ويواصل الجيش المصري هدم المنازل في شمال سيناء ضمن حملته العسكرية التي أطلقها في فبراير/شباط 2018 ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء، حيث طالت أعمال الهدم مئات الهكتارات من الأراضي الزراعية وما لا يقل عن 3 آلاف و600 منزل وبناية تجارية، وفق أعلنت منظمة هيومن رايتس ووتش في مايو/أيار 2018.
وباعتقاد كايد، فإن اللقاء بين السيسي وترامب ربما يتضمنه تنازل الأول عن شمال سيناء لصالح إقامة الوطن البديل لصالح الفلسطينيين وإن كان بشكل غير علني في الوقت الحالي.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2017 خلص تقرير لصحيفة “فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ” الألمانية إلى أن إقامة دولة فلسطينية في سيناء بدلا من الضفة الغربية وقطاع غزة يمثل أساس “صفقة القرن”، وأن مجمل السياسات التي ينفذها نظام السيسي شمال سيناء تشير إلى إعداد هذه المنطقة لإقامة دولة فلسطينية فوقها.
ملف المساعدات العسكرية الأميركية (1.3 مليار دولار سنويا) سيكون له حيز كبير من النقاش، حيث تستخدمه الولايات المتحدة ورقة ضغط على مصر من حين إلى آخر لكن بحذر لعدم التأثير على اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، إضافة إلى التأثير على المزايا الخاصة في التحليق الجوي والمرور من قناة السويس والتعاون في مكافحة الإرهاب.
وفي حديثه للجزيرة نت يعتقد مدير مركز العلاقات المصرية الأميركية صفي الدين حامد أن “السيسي يريد من ترامب عودة المعونة بالكامل والاستفادة من وراء صفقات الأسلحة والامتيازات التي كانت تمنح للرئيس المخلوع حسني مبارك”.
وتعتمد مصر على واشنطن فيما يقارب 80% من احتياجاتها العسكرية، وفق ما أوضح خبراء للجزيرة نت.
وقبيل زيارة السيسي المرتقبة شهدت واشنطن في الفترة من 20 إلى 22 مارس/آذار الماضي لقاءات ثنائية بين كاثرين ويلبرجر مساعدة وزير الدفاع الأميركي بالإنابة لشؤون الأمن الدولي واللواء محمد الكشكي مساعد وزير الدفاع المصري للعلاقات الدولية.
وعلى الرغم من أهمية ما سبق للسيسي وترامب لكن يظل الملمح الأساسي للزيارة فيما يخص الشأن المصري هو إظهار واشنطن دعمها للتعديلات الدستورية التي ينوي السيسي تمريرها في الفترة المقبلة، وفق ما أوضح مدير ومؤسس المعهد الدولي للعلوم السياسية والإستراتيجية ممدوح المنير.
ويرى المنير في حديثه للجزيرة نت أن الزيارة “رسالة مباشرة لمن يفكر في رفض التعديلات الدستورية من أجنحة السلطة بأن واشنطن تقف خلف رجلها في المنطقة، وبالتالي تجبر معارضي التعديلات على التفكير كثيرا في القيام بأي إجراء معاكس، وهو ما يريده النظام حاليا”.
لكن ترامب يتعرض لضغوط في هذا الملف من قبل أعضاء في الكونغرس، بحسب ما ذكره عضو مركز العلاقات المصرية الأميركية أمين محمود.
وكشف محمود في حديثه للجزيرة نت أن “نائبة بمجلس الشيوخ الأميركي (لم يسمها) كتبت خطابا لترامب ووقع عليه عدد كبير من الأعضاء (لم يحدده) يطالبه برفض التعديلات الدستورية لما يمكن أن تسببه من عدم استقرار في مصر، وهذا ما يهم الجانب الأميركي في المقام الأول لضمان مصالح إسرائيل”.
وبشأن ملف حقوق الإنسان في مصر، فإن ترامب لن يتطرق له ولن يكون محور نقاش داخل البيت الأبيض، لأنه يمثل إحراجا للسيسي وعلامات استفهام لا يريد الرئيس الأميركي التطرق لها حتى لا يتهم داخليا بأنه متواطئ مع أنظمة دكتاتورية، لذا من السهل عليه اعتبار أن الأمر شأن داخلي خاص، وفق ما أشارت عبير كايد.
وفي هذا الصدد، حذرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية من الدعم غير المشروط الذي يقدمه ترامب للسيسي، مؤكدة أنه ليس في مصلحة مصر أو أميركا.
وأرجعت الصحيفة السبب في افتتاحيتها الاثنين الماضي إلى أن هذا الدعم يعني حرمان المصريين من حقوقهم وإيجاد جيل جديد من المتطرفين، بحسب وصفها.
المصدر : الجزيرة