أشعلت الاشتباكات المسلحة الدائرة في العاصمة الليبية طرابلس، أسعار السلع الأساسية، وسط شح المعروض منها، وشلّت حركة الخدمات الحكومية والمصرفية، ما استنفر حكومة الوفاق الوطني ودفعها إلى عقد اجتماعات استثنائية لبحث تدبير الأموال والسلع للمواطنين، لا سيما في المناطق المتضررة.
وتدور معارك، منذ نحو خمسة أيام، على خلفية الهجوم الذي تشنه قوات تابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر على قوات تابعة لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس المعترف بها دوليا، فيما أكدت حكومة الوفاق أن بعض المدن الليبية تشهد، بجانب الهجمات المسلحة “عدواناً على الجانب الاقتصادي والمالي”.
وشهدت أسعار مختلف السلع، لا سيما الخضروات والفواكه والحليب والسكر في العاصمة طرابلس، ارتفاعات كبيرة، متأثرة بنقص المعروض، في ظل إغلاق الأسواق الرئيسية، وعدم وصول الإمدادات من المناطق الأخرى.
وقال تجار في العاصمة إن سعر كيلوغرام البصل قفز إلى سبعة دنانير (5 دولارات)، والخيار وصل إلى نحو ستة دنانير، والطماطم إلى أربعة دنانير.
وأرجع فرج الترهوني، تاجر خضروات، ارتفاع الأسعار، إلى إغلاق “سوق السبت”، الواقع جنوب طرابلس والمخصص لبيع الخضروات والفواكه، على ضوء المعارك الدائرة بالقرب من العاصمة، ما تسبب في نقص المعروض من السلع الغذائية.
واجتمع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، فائز السراج، بمقر المجلس في طرابلس مع محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير، لبحث قضايا عدة، منها تدبير السيولة النقدية للأسواق، وذلك وفقا لبيان صادر عن إدارة الإعلام والتواصل برئاسة مجلس الوزراء.
وذكر البيان الصادر أمس الإثنين، أن “الاجتماع تناول سبل توفير الاحتياجات الضرورية، في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، وتدارك الآثار السلبية لما تشهده بعض المدن الليبية من عدوان على الجانب الاقتصادي والمالي”.
وأضاف أنه “تم بحث آليات تنفيذ بنود الترتيبات المالية المعتمدة لكل قطاعات الدولة، ومتابعة ما تم تنفيذه من برنامج حوالات أرباب الأسر، وتنسيق الجهود لضمان اضطلاع القطاع المصرفي بمهامه، واستمراره في تقديم خدماته للمواطنين في ظل هذه الظروف”.
وجاء اجتماع السراج مع محافظ مصرف ليبيا المركزي في الوقت الذي يشهد سعر صرف الدولار ارتفاعا في السوق الموازية مقابل الدينار الليبي، منذ يوم الخميس الماضي، ليسجل في معاملات أمس الإثنين، نحو 4.6 دنانير، مقابل 4.2 دنانير قبل اندلاع الاشتباكات.
وقال أحمد أبولسين، الخبير الاقتصادي الليبي، في تصريح خاص لـ”العربي الجديد”، إن “سعر صرف الدولار سيواصل الارتفاع إلى معدلات ربما لا يمكن السيطرة عليها، في حال استمرار المعارك الدائرة في العاصمة”.
وأكد وحيد الجبو المحلل المالي، أن “اقتصاد الحرب سيستنزف حتماً الموارد المالية الكبيرة، لأن المتحاربين يحتاجون إلى تمويل ومبالغ كبيرة، بينما تذهب هذه الأموال هباءً منثوراً”.
وقال الجبو: “في الحروب يزداد الطلب على العملة الصعبة من أجل تخزينها، مما يتسبب في انخفاض القيمة الشرائية للدينار، والوضع الحالي يزيد من الفقر وتردّي الأوضاع المعيشية”.
وفي ظل الارتباك الكبير لحركة السلع وسوق الصرف، يسيطر الشلل على الخدمات الحكومية، في ظل عزوف آلاف الموظفين عن التواجد في مكاتبهم، ما دعا مسؤولي وزارة العمل والتأهيل في حكومة الوفاق إلى عقد اجتماع استثنائي لبحث هذه المشكلة.
وقالت إدارة التواصل والإعلام في رئاسة مجلس الوزراء، في بيان لها، أمس الإثنين، إن الوزير المهدي الأمين عقد اجتماعاً استثنائياً عاجلاً، يوم الأحد، في مقر الوزارة، ضم مديري الإدارات والمكاتب والأقسام وعددا من الموظفين، لمناقشة سير العمل في ظل الظروف الحالية التي تمر بها ليبيا.
وفي جولة لـ”العربي الجديد” في طرابلس، تبيّن أن معظم المصالح الحكومية والمصارف الحكومية والخاصة أغلقت أبوابها. وبرر موظفون تغيّبهم بالخوف من تداعيات الاشتباكات وانشغالهم بتأمين مخزون سلعي لأسرهم للأيام المقبلة.
وقبالة وزارة الإسكان وسط طرابلس، قال أحد حراس الأمن إن الوزارة فارغة من الموظفين. ويبلغ عدد الموظفين في القطاع الحكومي نحو 1.8 مليون موظف، وفق أحدث البيانات الصادرة نهاية العام الماضي 2018، يشكلون نحو 25 في المائة من السكان.
ويتسبب الصراع المتصاعد بين الحين والآخر في خسائر باهظة للاقتصاد الليبي، خاصة قطاع النفط. وأظهر تقرير صادر عن ديوان المحاسبة في طرابلس، أن ليبيا خسرت نحو 150 مليار دينار (107 مليارات دولار)، من جراء توقف موانئ التصدير النفطية، خلال الفترة من منتصف عام 2013 وحتى نهاية 2016 فقط.
وتسببت الاشتباكات الدائرة حاليا في انقطاع الكهرباء عن جنوب طرابلس، من جراء تضرر خطوط نقل التيار، فضلا عن تعرّض العاصمة لأزمة وقود، في ظل إغلاق الكثير من المحطات وتكدس السيارات في صفوف طويلة تمتد عدة كيلومترات أمام المحطات العاملة، وفق شهود عيان.
ويهدد انزلاق ليبيا إلى الحرب الأهلية مجدداً، بعد انقسامها إلى مناطق تخضع لسيطرة فصائل متناحرة منذ الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، بعرقلة إمدادات النفط والغاز، وبمزيد من الهجرة إلى أوروبا، وتقويض آمال الأمم المتحدة في إجراء انتخابات.
وقالت الأمم المتحدة إن 2800 شخص نزحوا بسبب الاشتباكات الدائرة، وقد يفر عدد أكبر، وإن بعض المدنيين محاصرون.
العربي الجديد