بدأت الانتخابات العامة في الهند اليوم الخميس لانتخاب البرلمان الـ17 في تاريخ البلاد منذ استقلالها سنة 1947. وستجري هذه الانتخابات على سبع مراحل عبر ستة أسابيع تنتهي في 19 مايو/أيار القادم.
ويشارك في الانتخابات 900 مليون ناخب مسجل لدى مفوضية الانتخابات، بينهم 15 مليون ناخب شاب يشاركون في العملية الانتخابية لأول مرة في حياتهم.
وسينتخب 543 نائبا بالاقتراع المباشر بينما سيرشح رئيس الجمهورية الهندية لاحقا نائبين من الهنود من أصول إنجليزية (الأنغلو إنديان).
ويجوز لكل هندي يبلغ من العمر 18 عاما أو أكثر أن يشارك في الانتخابات بشرط أن يحمل بطاقة صادرة من مفوضية الانتخابات، ولكن يمنع من الترشح أو التصويت المدانون في بعض الجرائم الخطيرة.
وسيبدأ فرز الأصوات صباح 23 مايو/أيار المقبل. وستعلن النتائج تباعا حتى وقت متأخر من ذلك اليوم. ويساعد في إعلان النتائج بهذه السرعة استخدام أجهزة الاقتراع الإلكترونية، إلا أن بعض الأحزاب تعترض على هذه الأجهزة قائلة إنه يسهل التلاعب فيها لتزوير الانتخابات، إضافة إلى أن الحزبين الكبيرين (حزب الشعب الهندي وحزب المؤتمر) ومفوضية الانتخابات لا يقبلون بهذه الاعتراضات.
وتجري الانتخابات هذه المرة بصورة رئيسية بين حزب الشعب الهندي ذي التوجهات الهندوسية المتطرفة -وهو الحزب الحاكم منذ مايو/أيار 2014- وبين حزب المؤتمر الهندي ذي التوجهات الليبرالية والعلمانية.
ولكن يوجد في الميدان مئات الأحزاب الأخرى وبعضها أحزاب قوية ولكن نفوذها محصور في ولايات معينة ولها برامج إقليمية محدودة أو هي تدور حول بعض العائلات القوية.
أحزاب إقليمية
وأصبحت ظاهرة الأحزاب الإقليمية التي تتحكم في ولاية معينة ظاهرة ثابتة في الحياة السياسية الهندية منذ نحو ثلاثة عقود وعديد منها خرج من بطن حزب المؤتمر أو نشأ بسببه لأن حزب المؤتمر، الذي حكم الهند دون انقطاع عقب الاستقلال لنحو أربعة عقود، أهمل الكثير من الولايات والمناطق وتجاهل قادتها المحليين.
وساهم هذا الإهمال في جعل هؤلاء القادة ينفصلون عن الحزب ويكوّنون أحزابا إقليمية أصبحت قوية على مر الزمن ولا يمكن تجاهلها، وهي تحكم عددا من الولايات الهندية وتتحالف مع حزب المؤتمر أو حزب الشعب الهندي في الحكومة المركزية ويحصل نوابها على مقاعد في الوزارة المركزية.
وجاء حزب الشعب الهندي، الذى يقوده رئيس الوزراء ناريندرا مودي، للحكم سنة 2014 بوعود جذابة بالتطوير والتصنيع والنهوض بالاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة وإحضار الأموال السوداء الهندية المودعة في البنوك الأجنبية وتوزيعها على الهنود.
غير أن حكومة مودي فشلت بصورة مزرية في النهوض بالاقتصاد، فزاد الفقر وكسدت التجارة وأغلقت مصانع صغيرة بالآلاف بسبب سياساتها الموالية لكبار الرأسماليين وخصوصا بسبب قرارين عشوائيين، هما إلغاء أوراق النقد من الفئة العالية (500 روبية وألف روبية) فجأة في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 بحجة القضاء على الأموال السوداء (أي الأموال التي لم تدفع عليها ضرائب).
أربكت الاقتصاد
وأربكت هذه الإجراءات الاقتصاد الهندي لشهور ولا تزال آثاره باقية إلى اليوم، ثم جاء قرار الحكومة بعد قليل بفرض الضريبة المركزية الموحدة (جي أس تي) في كل أنحاء الهند، مما زاد من إرباك الاقتصاد والتضييق على صغار التجار وملاك المصانع الصغيرة والحرفيين.
ولم تخرج الهند حتى الآن من هذه الأزمة المصطنعة التى جلبها نظام مودي بسبب توجهاته الدكتاتورية وعدم إيمانه باستشارة الخبراء وممثلي الشعب قبل اتخاذ قرارات مصيرية.
وحتى الزراعة التى تعد عماد الريف الهندي الذي يعيل غالبية الشعب، فهي في حالة سيئة فرضت على الفلاحين الخروج في مظاهرات كبيرة، كما لم يجد الآلاف منهم بدا غير الانتحار خلال السنوات العديدة الماضية أو النزوح إلى المدن حيث لا توجد فرص عمل.
وفي السياق، يركز حزب الشعب الهندي هذه المرة على شعارات ووعود حساسة للناخب الهندوسي مثل الوعد ببناء المعبد الهندوسي فوق أرض المسجد البابري والشدة في التعامل مع باكستان (الإسلامية)، ومحاربة “الإرهاب” وخصوصا في كشمير (ذات الأغلبية المسلمة)، وإعطاء حق اللجوء للأقليات المضطهدة في البلاد المجاورة ويستثنى من هذا الحق المسلمون.
ولهذا الغرض، استخدم حزب الشعب الهندي التفجير في بلدة بولواما بكشمير في 14 فبراير/شباط الماضي الذي راح ضحيته 40 جنديا هنديا، فركز على الهجوم على باكستان وعلى “مؤيدي باكستان” في الهند، ثم أمر باستخدام الطيران الحربي الهندي لضرب مواقع في كشمير الباكستانية في نهاية فبراير/شباط الماضي، وكان ذلك لأول مرة منذ الحرب الهندية الباكستانية سنة 1971.
لإبراز شجاعتهم
ويستمر رئيس الوزراء مودي وقادة حزبه في التركيز بصورة يومية على هذه الهجمة لإبراز شجاعتهم ووقوفهم الحازم أمام باكستان. وخلال هذه الهجمات لا يتورع مودي وقادة حزبه عن الإشارة بالكناية والاستعارة إلى أن المسلمين وقادة الأحزاب المعارضة هم أعداء الهند وأصدقاء باكستان.
من مسيرة مساندة لمودي عشية الانتخابات (رويترز)
وفي 27 مارس/آذار الماضي دمرت الهند قمرا اصطناعيا في الفضاء، وفورا بدأ توظيف هذه التجربة لتأكيد أن مصير الهند آمن فقط في أيدي مودي وحزبه. ويحرص مودي وقادة حزبه أن يظهروا أنهم يقفون مع الجيش وقوات الأمن ويحاربون الإرهاب، وأن الهند ستواجه الدمار والاستسلام أمام باكستان لو فاز حزب المؤتمر الهندي في الانتخابات.
ويدخل في هذه الدائرة أيضا ممارسة العنف الشديد في كشمير على أيدي الجيش وقوات الأمن، فمودي منذ توليه الحكم في مايو/أيار 2014 قد أعطى الضوء الأخضر لقوات الأمن في كشمير باستخدام أقصى العنف للقضاء على التمرد المسلح والمعارضة السياسية.
وأخيرا تجاوز حزب الشعب الهندي كل الحدود السابقة حين أعلن في منشوره الانتخابي أنه لو عاد للحكم فسيلغي مادتين من الدستور الهندي تعطيان كشمير الهندية نوعا من الحكم الذاتي.
ورد زعماء الأحزاب الكشميرية الموالية للهند بالقول إن إلغاء المادتين المذكورتين سيكون نهاية لانضمام كشمير للهند وستصبح كشمير حرة مستقلة بعدها، لأن انضمام كشمير للهند سنة 1948 كان بشروط معينة والمادتان المذكورتان تصونان تلك الشروط.
أما حزب المؤتمر، الذي يقوده راهول غاندي، ابن رئيس الوزراء الأسبق راجيف غاندي، فيركز على فشل سياسات مودى وتدميره للاقتصاد والمؤسسات والفساد المستشري في ظل الحكومة الحالية.
ويعد حزب المؤتمر بإنعاش الاقتصاد من جديد وقد وعد بدفع 72 ألف روبية (نحو ألف دولار) سنويا لأفقر سكان الهند الذين يبلغون 20% من السكان. والحملات الانتخابية بصورة عامة ليست حول قضايا، بل تتركز في الهجوم على مودى أو راهول.
فرص متقاربة
وفرص فوز الحزبين متقاربة، إلا أن استفتاءات للناخبين تظهر أن أيا من الحزبين لن يحرز الفوز الواضح الذى يمكنه من تشكيل الحكومة القادمة بمفرده، اعتمادا على أكثريته في البرلمان، وهنا سيحاول الحزبان استمالة الأحزاب الإقليمية والصغيرة وتكوين تحالف حكومي.
ويلعب المال دورا كبيرا في هذه العملية وكذلك في الانتخابات التي أصبحت مكلفة للغاية، لدرجة أن الهنود العاديين لا يفكرون في الترشيح للانتخابات. وفي الوقت الحالي يعتبر حزب الشعب الهندي هو أغنى الأحزاب الهندية بسبب وقوف الشركات الكبرى معه مثل “ريلايانس” و”أداني”.
وقال تقرير نشرته مؤخرا خدمة الكونغرس الأميركي للأبحاث أن عودة حزب الشعب الهندي سيعنى ترسيخ نظام الحزب الواحد في الهند بكل ما يعنيه من كبح العلمانية والليبرالية اللتين ظلتا من سمات السياسة الهندية الرئيسية منذ الاستقلال، وإلى بروز حزب الشعب الهندي في منتصف ثمانينيات القرن الماضي حيث فرض وجوده على الساحة السياسية بحملته على المسجد البابري التي انتهت بهدمه في ديسمبر/كانون الثاني 1992 وبناء معبد مؤقت مكانه.
ولا يزال الحزب يلعب بقضية المعبد داعيا إلى بناء معبد هندوسي فخم على أرض المسجد البابري يكون مفخرة للهندوس في الهند والعالم.
ومن المؤشرات الرئيسية في الحياة السياسية الهندية اليوم إقصاء المسلمين (نحو 15% من السكان) وتهميشهم سياسيا، لدرجة أن الأحزاب العلمانية مثل حزب المؤتمر لم تعد تكترث بهم خوفا من إغضاب الهندوس.
كما جرى حذف أسماء ملايين من المسلمين في الهند من سجلات الناخبين بحجة أو بغيرها وذلك لكي لا يكون للمسلمين دور في العملية السياسية التي تعتبر الانتخابات عنصرا مهما منها.
ويأتي في هذا الإطار تدخل حكومة مودي باستمرار في القوانين الشخصية الإسلامية وسن قوانين جديدة دون استشارة مؤسسات المسلمين وزعمائهم وعلمائهم، وذلك بحجة رفع الظلم عن المرأة المسلمة.
ومن المؤشرات الرئيسية الأخرى سيطرة مودي وحزبه على وسائل الإعلام الهندية سيطرة شبه كاملة باستخدام الرشاوى واستغلال مؤسسات الدولة والإعلانات الحكومية، وبالتالي يجري استخدام وسائل الإعلام بصورة مكشوفة للدعاية لمودي وحزبه في هذه الانتخابات.
ومن المؤشرات الرئيسية أيضا أن قضايا السياسة الخارجية غائبة تماما في هذه الانتخابات من مناشير الأحزاب، ما عدا هجمات مودي وقادة حزبه المستمرة على باكستان ومؤيدي باكستان في الهند بصورة ذكية يتلقاها الناخب الهندوسي المتطرف بأنها هجوم على المسلمين والإسلام.
وأيا كانت النتائج، فالسنوات القادمة ستكون صعبة على الهند بسبب دخول التطرف الهندوسي إلى كل ميادين الحياة السياسية العامة، بما فيها الجامعات وقبوله حتى من الأحزاب المحسوبة على العلمانية والمتلهفة للفوز بأصوات المسلمين.
* كاتب ومحلل سياسي مقيم في نيودلهى