خلع الجيش السوداني أمس رئيسه أحمد عمر البشير وذلك بعد موجة احتجاجات شعبية بدأت في كانون الأول/ديسمبر 2018 على رفع أسعار الخبز تطوّرت إلى أشكال من المظاهرات المستمرّة توّجت باعتصامات قرب مواقع قيادة الجيش السوداني، وذلك بعد أن لاحظ المتظاهرون، منذ بداية الانتفاضة الشعبيّة إلى تجاوب بعض العسكريين والقيادات، بمن فيهم رئيس الانقلاب الجديد عوض بن عوف الذي قال مطلع كانون الثاني/يناير 2019 إن الشبان الذين يشاركون في الاضطرابات لهم «طموح معقول».
لقطع هذا الجسر بين المتظاهرين والمؤسسة العسكرية لجأ البشير إلى استمالة الجيش عبر تعيين وزير دفاعه الفريق أول ركن عوض بن عوف نائباً أولا له مع احتفاظه بمنصبه واستبدال جميع حكام الولايات بقادة عسكريين، كما أنه قام بالابتعاد خطوة عن حزبه الحاكم، المؤتمر الوطني، معلنا أنه على مسافة واحدة من جميع الأحزاب.
صعّد المتظاهرون خلال الأسابيع الأخيرة أسلوب الضغط على الجيش بالقيام باعتصامات كبرى، ولاحظنا قيام عناصر من الجيش بحماية المتظاهرين والاشتباك مع قوات الأمن أحيانا، مما شكّل ضغطا على القيادات العسكرية الكبيرة، فإما تخسر المزيد من عناصرها وضباطها الصغار المتعاطفين مع المتظاهرين، أو تحاول تطويق المسألة برمّتها عبر التضحية بالبشير.
تصدّع تماسك جبهة البشير إثر ذلك، فخسر العسكر الذين جرّب خطة الاحتماء بهم، كما خسر حزبه، المؤتمر الوطني، الذي ضاق عناصره بتعامل البشير معهم كأدوات للاستخدام الرخيص فساعة يتخلى عنهم وساعة يحاول جمعهم لتخفيف ضغط العسكريين عليه، وكان قد خسر سابقا حزب «المؤتمر الشعبي» الذي انقلب عليه وزج بقائده حسن الترابي في السجن بعد أن كان حليفه في انقلاب عام 1989.
وإذا كانت الإطاحة بالبشير هدفاً كبيراً دفع ثمنه الشعب السوداني عشرات القتلى والجرحى في انتفاضة دامت 4 شهور فإن قيادة عوض بن عوف، الانقلاب، تثير الجدل، فهو النائب الأول للبشير، وهو ابن المؤسسة العسكرية ـ الأمنيّة والسياسية نفسها التي ثار عليها السودانيون، حيث كان مديرا للمخابرات العسكرية ونائبا لرئيس اركان القوات المسلحة.
إضافة إلى كل ذلك فإن الحلول التي طرحها بن عوف في إعلانه الانقلابي تكشف صراحة عن رغبة بن عوف ومجموعة الضباط الكبار الذين يرأسهم في تثبيت حكم عسكريّ جديد يبدأ، كعادة الانقلابات العسكرية كلها، بـ«تشكيل مجلس عسكري انتقالي يتولى إدارة حكم البلاد لفترة انتقالية مدتها عامان»، على حد تعبيره، وكذلك تعطيل كل أشكال الحياة السياسية، من الدستور والحكومة والبرلمان والولايات.
ورغم أن البيان يعلن «إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين فوراً» و«تهيئة المناخ للانتقال السلمي للسلطة» الخ… فإن حديثه عن «الفرض الصارم للنظام العام» و«إعلان وقف إطلاق النار» وفرض حالة الطوارئ وحظر التجوال كلّها خطوات تدلّ على اعتقاد قادة الانقلاب أنهم قادرون على فرض ما لم يستطع رئيسهم الذي بقي في السلطة 30 عاما فرضه.
خروج آلاف المحتجين على بيان الجيش السوداني في الخرطوم، وكذلك سقوط مصابين في مدينة عطبرة (وهي من أوائل المدن التي انتفضت احتجاجا) برصاص قوّات الأمن بعد الانقلاب إشارتان مهمتان إلى أن انتفاضة السودانيين حقّقت انتصارا مهمّا لكنّ الانقلاب لن يسعى إلى تحقيق أهدافها في مرحلة انتقالية قصيرة تنتهي بانتخابات ديمقراطية، وبالتالي فإن شوارع السودان ستشهد مزيدا من الاحتجاجات.
القدس العربي