أصبحت أراضي النفط بالجزائر تعاني بسبب الأزمة السياسية في المنطقة، إذ شهدت للمرة الأولى تخلي شركة النفط إكسون عن خططها المستقبلية وأعمال التنقيب في البلاد، ونقل تعاملاتها التجارية الكبرى إلى خارج الجزائر.
تقول الكاتبة إيرينا سلاف -في تقرير بموقع “أويل برايس” الأميركي- إنه في وقت سابق من هذا الأسبوع، أوقفت شركة النفط الحكومية الجزائرية سوناطراك خططها المتعلّقة بمشروع تجاري مشترك، في الوقت الذي كانت فيه على وشك اختيار شريك لها من بين أحد عمالقة التجارة النفطية “فيتول، غونفور، توتال الفرنسية، إيني الإيطالية”.
وفي اليونان، انهارت صفقة أخرى لبيع 50.1% من شركة تكرير النفط اليونانية هيلينيك بتروليوم نظرا لأن كلا من سوناطراك وفيتول من بين الشركات المدرجة على القائمة المختصرة للمناقصة.
انسحابات
وأوضحت الكاتبة أن انسحاب إكسون كان أول علامة لاحظها المستثمرون حول الأوضاع المتدهورة السياسية في الجزائر.
وقد كانت إكسون على وشك التوقيع على صفقة أولية لمشروع تجاري مشترك مع سوناطراك وشركتي بريتيش بتروليوم وإكوينور اللتين علقتا مبادراتهما الاستثمارية الجديدة.
وتحاول الأسواق اليوم التعامل مع الأزمة الجزائرية المتنامية، لأن إنتاج البلاد من النفط يقدر بقرابة 1.1 مليون برميل من النفط الخام، مما يضعها على قدم المساواة مع ليبيا التي تعيش اليوم أزمة مشابهة أوصلتها إلى نقطة تحول عنيفة.
وفقا لبيانات الحكومة الأميركية -وبالإضافة إلى أن احتياطي الجزائر من النفط يقدر بحوالي 12 مليار برميل- يعد هذا البلد منتجا رئيسيا للغاز الطبيعي وصاحب ثالث أكبر احتياطيات للغاز الصخري في العالم حيث يغطي مساحة عشرين تريليون قدم مكعب.
وأضافت الكاتبة أنه خلال عام 2017، بلغ الإنتاج 94.78 مليار متر مكعب، وقدرت الصادرات بقرابة 54 مليار متر مكعب التي تمثل حوالي نصف إنتاج الجزائر.
إكسون أوقفت محادثات لتطوير حقل غاز طبيعي بالجزائر بسبب الأحداث السياسية (رويترز)
لا تأثير
في المقابل، لم يتأثر هذا الإنتاج بالأزمة الحالية، ويرجع السبب إلى أن حقول النفط والغاز تقع في مناطق نائية من البلاد، حسب الكاتبة.
مع ذلك، تعالت أصوات عمالقة النفط وتُجاره -وحتى سوناطراك نفسها- بشأن هذا الوضع الذي يلفّه الغموض.
يُذكر أنه منذ أن أجبرت الاحتجاجات الجماهيرية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على التخلي عن خوضه للانتخابات للمرة الخامسة بمرحلة أولى ومن ثم التنحي كليا، دخلت البلاد مرحلة انتقالية صعبة سببت فوضى لسوناطراك المملوكة للدولة والتي تحوم حولها فضائح الفساد.
مصداقية
وتقول الكاتبة: في الواقع، سيرغب أي شخص، تربطه معاملات مع سوناطراك، في التواري عن الأنظار في الوقت الحالي، نظرا لأنه في ظل تغيّر النخبة الحاكمة في الجزائر، ستتوجه كل الأنظار نحو هذه الشركة.
وذكرت أن سوناطراك أحدثت تغييرات عديدة في مجلس إدارتها مؤخرا، ولكن اكتساب المصداقية والشرعية في نظر المتظاهرين لن يكون سهلا.
وتعتبر الاحتجاجات الجزائرية ضد النظام وليس فقط ضد بوتفليقة، علما أن سوناطراك جزء من النظام أيضا.
وفضلا عن ذلك، تسبّبت الأزمة السياسية في وقف تنفيذ قانون جديد للهيدروكربونات الذي يهدف إلى تعزيز الإنتاجية والاستثمار، تضيف الكاتبة.
بعبارة أخرى، يجدر بالمستثمرين كذلك متابعة ما يحدث على المستوى الجيوسياسي، مع إيلاء اهتمام كبير لاتفاقية سوناطراك السابقة مع شركة لوك أويل الروسية التي كان لها وقع سلبي على أوروبا.
نفوذ كبير
هذا الاتفاق -حسب الكاتبة- يشير إلى أنه بإمكان روسيا والجزائر توحيد جهودهما لزيادة الضغط على إمدادات الطاقة الأوروبية لأن أوروبا كانت تعتمد جزئيا على الغاز الجزائري في سبيل الاستغناء عن روسيا.
وخلصت الكاتبة إلى أن سوناطراك تتمتع بنفوذ أيضا في عدد من الدول بينها ليبيا، وهذا يعني أن الدول العربية القوية لها اهتمام كبير كذلك بشأن من سيحكم الجزائر المرحلة القادمة.
وفي الوقت الذي يراقب فيه العالم النتائج التي ستتبلور لاحقا بالجزائر مع تدخّل بعض الجهات الخارجية، ستخسر هذه البلاد مليارات الدولارات من الصفقات النفطية، تقول الكاتبة.
الجزيرة