برزت أسئلة بعد انتخابات الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي التي جرت في التاسع من إبريل/ نيسان الجاري، وتراجع عدد مقاعد الأحزاب العربية مقارنة بالانتخابات السابقة، وفي مقدمة الأسئلة بشأن التحديات التي سيواجهها الفلسطينيون في أرضهم المحتلة في العام 1948. وعلى الرغم من دخولها المعترك السياسي الإسرائيلي منذ عام 1977، إلا أن الأحزاب العربية، الممثلة في الكنيست أو خارجه، لم تستطع تحقيق آمال الأقلية العربية، في جانب العدالة الاقتصادية والسياسية.
سعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ 1948 إلى قطع اتصال الأقلية العربية مع محيطها العربي، وحاولت، في الوقت نفسه، استيعابها ودمجها في المجتمع الإسرائيلي، ولكن على هامشه في كل مناحي الحياة. كما طبقت المؤسسات الإسرائيلية سياسات محكمة لطمس الهوية العربية عبر تفتيتها، فحاولت جعل الدروز والشركس قومياتٍ منفصلة، وفرضت عليهم الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي منذ عام 1958، وحاولت التفريق بين العرب المسلمين والمسيحيين، فضلاً عن تقسيم المسيحيين إلى طوائف شرقية وغربية، والمسلمين إلى مذاهب مختلفة.
وقد مرّ العرب في داخل الخط الأخضر بثلاث فترات بين عامي 1948 و2019، وأشير إلى الفترة الأولى (1948 – 1966) أنها فترة حكم عسكري، نظراً لكثرة الإجراءات والقوانين العسكرية، فتم خلالها إصدار السلطات الإسرائيلية 34 قانوناً بغرض مصادرة الأراضي العربية الفلسطينية، سواء التي تعود ملكيتها إلى اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، أو إلى أصحابها الموجودين في إسرائيل الحاضرين الغائبين الذين يقطنون في قرى ومدن غير التي طردوا منها. وتوالت السياسات الإسرائيلية لمصادرة مزيد من الأراضي العربية، وبلغت المصادرة أوجها في نهاية مارس/ آذار 1976 حين صادرت المؤسسة الإسرائيلية نحو 21 ألف دونم من أراضي قرى سخنين وعرابة وغيرها من القرى في الجليل والمثلث. وعلى خلفية ذلك، قامت الأقلية العربية في أرضها بانتفاضة يوم الأرض في 30 مارس/ آذار 1976، وسقط خلالها ستة شهداء من هذه القرى، وأصبح هذا اليوم يوماً وطنياً في حياة الشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده في الداخل والشتات، فتتجسد في اليوم المذكور الوحدة الوطنية
الفلسطينية دفاعاً عن عروبة الأرض، وضد أن تصادرها سلطات الاحتلال.
ولم تتوقف السياسات التهويدية الإسرائيلية ولو لحظة، وقد شهد العقد الأخير نشاطات استيطانية كثيفة في كل أراضي فلسطين التاريخية، سواء في منطقة الجليل أو منطقة النقب أو في الضفة الغربية بما فيها القدس التي تواجه نشاطاً استيطانياً محموماً، وخصوصاً في الأحياء العربية، بغرض تهويدها وفرض الأمر الواقع الإسرائيلي عليها. ولهذا اعتبرت حكومة نتنياهو القدس
“على الرغم من مرور 72 عاماً على إنشاء إسرائيل، لم تستطع مؤسساتها فرض الواقع الديمغرافي اليهودي بشكل مطلق” “أولوية قومية”. من الملاحظ أنه على الرغم من مرور 72 عاماً على إنشاء إسرائيل، لم تستطع مؤسساتها فرض الواقع الديمغرافي اليهودي بشكل مطلق، حيث يشكل العرب نحو 20% من إجمالي سكان إسرائيل أي 1.5 مليون فلسطيني، ناهيك عن أن العرب أكثرية في منطقة الجليل. ولكن في مقابل ذلك، وتبعاً لمصادرة جيش الاحتلال الأراضي العربية بذرائع الأمن، فإن الفلسطينيين، وعلى الرغم من ارتفاع مجموعهم من 151 ألفاً عام 1948 إلى نحو مليون وخمسمائة ألف عربي فلسطيني، فإنهم لا يملكون سوى 3% من الأراضي التي أقيمت عليها إسرائيل.
ولهذا ثمة ضغوط إسرائيلية مدروسة كثيفة ومتشعبة على الأقلية العربية، لتحقيق الهدف الديمغرافي، بعد مصادرة المساحة الكبرى من الأرض الفلسطينية، وقد أدى ذلك إلى تفاقم معاناتها، فبينما لا تتعدى معدلات البطالة بين اليهود في سوق العمل الإسرائيلي 9%، ارتفعت معدلات البطالة بين العرب إلى أكثر من 20%. وبسبب ضعف الخيارات، يرتاد 44% من الأطفال العرب رياض الأطفال، في مقابل 95% للأطفال اليهود في سن ثلاث سنوات. ويعاني أكثر من ربع الأطفال العرب داخل الخط الأخضر من ظاهرة الفقر المدقع. ونتيجة للتمييز في موازنات التعليم، ارتفعت معدلات الأمية بين العرب إلى 12% مقابل 5% بين اليهود. وبغرض الإخلال بالوضع الديمغرافي لصالح الرؤى الإسرائيلية، وضعت السلطات الإسرائيلية مخططاتٍ لتهويد الجليل والنقب، لكسر التركز العربي في المنطقتين، عبر مسميات مختلفة، في مقدمتها ما تسمى مشاريع التطوير.
تضمنت حملة الانتخابات الإسرائيلية أخيرا شعارات وخطابات دعت في مجملها إلى إصدار قوانين من شأنها تهميش الأقلية العربية، وذهبت شخصيات إسرائيلية إلى أبعد من ذلك، عبر دعوتها إلى طرد الأقلية العربية، ما يدل على تفاقم العنصرية الإسرائيلية أكثر من أي وقت مضى. وثمة تحديات تواجه فلسطينيي 48 بعد انتخابات الكنيست 21، وتتمثل في إمكانية إصدار رزمة متسارعة من القوانين العنصرية ضدهم، خصوصا وأن الحكومة الإسرائيلية المقبلة ستكون الأكثر يمينية وعنصرية، ومتسلحة بدعم مطلق من إدارة الرئيس الأميركي، ترامب.
العربي الجديد