خلافا للتوقعات، كانت سوريا في قمة موسكو، هذه المرة، مسألة هامشية، إذ ركز بوتين واردوغان على تعزيز العلاقات الثنائية. وهذه أول زيارة خارجية للرئيس اردوغان بعد الانتخابات البلدية، وكان بوتين من بين أول من أظهر دعمه للزعيم التركي، وإذا كان هناك أحد يلتقي بوتين أكثر من نتنياهو، فهو الرئيس التركي، ففي عام 2018 وحده، عقد اردوغان 13 اجتماعًا مع نظيره الروسي وأجرى 8 محادثات هاتفية معه، وفقا لما أورده المحلل الروسي، مكسيم سوشكوف.
ويرى مراقبون أن اردوغان حريص على أن تُمكِن علاقة أنقرة مع موسكو تركيا من تعزيز حضورها وتأثيرها الإقليمي، في وقت يعمل فيه على عدم السماح للأزمات المستمرة مع الغرب بتقويض مكانته في الداخل. فقد زار الزعيم التركي موسكو بعد انتخابات محلية، ربما أقل أهمية لكنها ذات دلالة، في رحلة مهمة مرتبطة بمستقبل العلاقات بين أنقرة وموسكو، فما عادت سوريا تحظى بأهمية كبيرة في اجتماعات الرئيسين ولا تتصدر المحادثات إلا ما كان أمراً ملحاً يهدد الخطة المتفق عليها وخريطة الأمر الواقع، وأكثر التفاصيل متروكة لاجتماعات «أستانة»، فهي أقرب إلى مظلة أمنية لرسم حدود مناطق النفوذ ومنع التصعيد وإدارة الملفات المختلف عليها.
ويبدو أن كلاً من أنقرة وموسكو تجاوزتا، مع مرور الوقت وضبط السيطرة على الوضع الميداني، عقدة الغرق في تفاصيل الشأن السوري، وما يجمعهما خارج الصراع هناك أكبر بكثير مما يتنازعان عليه داخله، واتضح هذا في لقائهما الأخير قبل أسبوع. إذ غلب على محادثات الزيارة هذه المرة قضايا العلاقات الثنائية، ولعل من أبرزها: تنشيط التعاون العملي على مختلف المسارات وتطوير العلاقات التجارية والاستثمارية وإطلاق السنة الروسية التركية للثقافة والسياحة. فكل منهما ممسك بالآخر يسترضيه ولا يريد أن يخسره، خاصة مع تباعد المسافة بينهما وبين واشنطن، وإن كانت تركيا أقل بعداً، لكنها ترى في روسيا الملاذ الآمن هرباً من توترات العلاقة مع إدارة ترامب.
وفي هذا السياق، أشار المحلل الروسي أمور جادجييف، مدير مركز أبحاث تركيا الحديثة ومقره موسكو، إلى أن المحادثات بينهما مرتبطة أكثر بالتعاون في مجال الطاقة والشأن العسكري التقني ومجالات أخرى عديدة، مضيفاً: «إذا نظرت إلى من كان حاضراً في الوفود المعنية، فمن السهل أن نلاحظ أن موسكو وأنقرة جادتان في الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستوى جديد نوعياً. لقد تحدثوا منذ فترة طويلة عن الطبيعة الإستراتيجية للعلاقة، والآن أصبح الأمر حقيقياً».
والحديث عن التعاون العسكري بين تركيا وروسيا مهم الآن، ربما أكثر مما مضى، في وقت يتصاعد فيه الضغط على تركيا من الولايات المتحدة بسبب شراء أنقرة للنظام الروسي المضاد للطائرات من طرازS-400 ، ليردَ بوتين باقتراح تعميق التعاون العسكري بين الدولتين. وقد يندرج هذا ضمن سعي روسيا لتأمين صفقات أسلحة جديدة، وكان للمواجهة بين روسيا والغرب، والتي تفاقمت بسبب الأزمة الأوكرانية في عام 2014 وحملة موسكو العسكرية اللاحقة في سوريا، تأثير مهم في هذا الاتجاه، خاصة مع اعتماد الولايات المتحدة سياسة خفض حصة روسيا في سوق الأسلحة العالمي. ويمكن أن يكون للتغيرات في العلاقات الاقتصادية والسياسية الأمريكية مع تركيا وغيرها من دول المنطقة تأثير كبير في تعزيز قدرات روسيا التصديرية.
والرئيس الروسي حريص في كل نزاع تركي – أمريكي على استغلال الفجوة وتقريب اردوغان أكثر إليه ليعمق الخلاف بين أنقرة وواشنطن، إذ ترى روسيا أنها المستفيد الأبرز من أي تباعد بين تركيا والولايات المتحدة في سياق التنافس بين موسكو وواشنطن على النفوذ والتأثير. أما عن المسألة السورية التي قل حضورها في اجتماعات الجانبين، فقد اختصرها الرئيس بوتين بعد لقائه الأخير مع الرئيس اردوغان في كلمات سريعة عابرة: «إن التنسيق بين روسيا وتركيا في سوريا نشط ومستمر»، هكذا من دون توقف كبير أو توضيحات أكثر أو اهتـمام خاص.
القدس العربي